الأزمة الخفية للاختفاء القسري في السودان
رئيس التحرير: طارق الجزولي
30 September, 2024
30 September, 2024
تقرير : حسن اسحق
في 30 أغسطس 2024، بينما احتفل العالم باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، لا يزال السودان يعاني من الظاهرة، حيث تلقي مزاعم الاختفاء القسري بظلال قاتمة على الحرب المستمرة، اتُهمت كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية باستهداف المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها، مما أثار المخاوف من استخدام الاختفاء القسري كأداة للقمع والترهيب.
استطاعت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري من الحصول على موافقة النيابة العامة، على تقييد دعاوى جنائية بشأن 451 مفقودًا منذ اندلاع الحرب منذ منتصف أبريل 2024 من دون التمسك بحضور الشاكي للنيابة العامة.
تري الامم المتحدة ان هذا اليوم ذكرى عزيزة علي شعوب العالم، الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة، الإعلان المتعلق بحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري، بموجب القرار 133/47، المؤرّخ 18 ديسمبر 1992، بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق علي جميع الدول.
المجموعة السودانية للاختفاء القسري
بينما ونشرت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري في فبراير 2024، أحدث تقرير يوضح بالأرقام، ارتفاع حالات الاختفاء القسري في ود مدني والحصاحيصا والكاملين بولاية الجزيرة ومدينة الرهد بولاية شمال كردفان، وجبل الأولياء جنوبي ولاية الخرطوم حيث بلغت 993 مفقودا بينهم 96 امرأة.
وفي ديسمبر من العام الماضي ذكرت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري في تقرير منشور إن عدد المفقودين جراء الحرب وصل إلى 842 شخصًا من ضمنهم 127 مفقودًا من منطقة جبل الأولياء، نحو 45 كيلومتر جنوبي الخرطوم موضحةً أن عدد بلاغات حالات الاختفاء المسجلة في النيابة العامة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة بلغت 471 مفقودا.
المتأثرون بممارسة الاختفاء القسري
الضحايا انفسهم يتأثرون كثيرا، لما يتعرضون له من تعذيب وخوف مستمر علي حياتهم، اضافة يتأثر ذويهم، الذين يجهلون مصير احبابهم، وتتأرجح العواطف بين الأمل واليأس، في ذات الوقت، تعاني أسر المختفين، كما يعاني اصدقائهم، لعدم علمهم إذا كان الشخص الضحية لا يزال علي قيد الحياة، وهي ما هي حالته الصحية، والبحث يعرضهم لمزيد من الأخطار.
أسر المختفين قسريا .. التواصل مع الجهات الرسمية
يقول محمد ادم باسم مستعار ’’ أن الاختفاء القسري عمل غير انساني وغير اخلاقي، انا اعرف عدد من الأسر اختفي ابنائها، اثناء القتال بين قوات الدعم السريع والجيش في ولاية غرب دارفور الجنينة، الي الان، لا تعرف أسرهم أماكن تواجدهم، ربما يكون البعض في قبضة حلفاء الدعم السريع‘‘
يوضح محمد أن اسر ضحايا الاختفاء القسري يعيشون حالة من الخوف والقلق المستمر، من دون معرفة أين هم؟، ومتى يعودون؟، هل ماتوا؟، هذه الحالات لها تأثير نفسي سلبي علي الأسر والاهل والاصدقاء، ويطالب من الاسر ان اختفي افرادها ان تتواصل مع الجهات الحكومية الرسمية، ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، لتمليك معلومات عن ذويهم، بهدف التوثيق، وكل هذه الإجراءات سوف تساعد في تحقيق العدالة والمساءلة، ما بعد الحرب.
بينما أخبرت اسماء لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، ان شقيقها محمد اختفي دون ان يترك اي اثر في التاسع والعشرين من مايو 2023، هو من قرية في شمال السودان، انطلق نحو العاصمة الخرطوم، فقدت الاسرة الاتصال به، وتخشى شقيقته أن يكون الأسوأ قد حل.
تضيف أسماء في حديثها للجنة الأمم المتحدة ان حياتهم قد توقفت عن الدوران، وروت معاناة الأسرة، بعد انقطاع الاتصال المفاجئ لهاتف شقيقها محمد.
الإطار القانوني الدولي والاختفاء القسري
تقول الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الجزء الأول، المادة 1، لا يجوز تعريض اي شخص للاختفاء القسري، وكذلك، لا يجوز التذرع باي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب او التهديد باندلاع حرب أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، او باية حالة استثناء أخرى لتبرير الاختفاء القسري.
بينما تعرف المادة 2، يقصد بالاختفاء القسري ’’ الاعتقال او الاحتجاز أو الاختطاف او اي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم علي أيدي موظفي الدولة، او اشخاص او مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن او دعم من الدولة او بموافقتها، ويلي ذلك، رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو اخفاء مصير الشخص المختفي او مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.
السودان والانضمام للاتفاقية الدولية للحماية من الاختفاء القسري
في شهر فبراير 2021، أجاز المجلس التشريعي المؤقت في السودان في تلك الفترة، الانضمام للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006 واتفاقية مناهضة التعذيب والعقوبة القاسية لسنة 1984.
وقال وزير العدل السابق، نصر الدين عبدالباري ’’ ان الاجتماع المشترك ناقش اتفاقية جميع الاختفاء من الاختفاء القسري لسنة 2006، واتفاقية مناهضة التعذيب والعقوبة القاسية لسنة 1984، وصف الخطوة بالتاريخية، حيث أتت بعد المشاكل التي عاني منها السودانيين بسبب ممارسات النظام السابق‘‘.
بينما يجب النظر إلى قضية، إلى المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، حيث وجدت في قضية كوبريسكيتش عام 2000 أن الاختفاء القسري يمكن وصفه جريمة ضد الانسانية مع لم يدرج علي هذا النحو في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأخذت المحكمة بالحسبان حقيقة أنّ الاختفاء القسري يتكوّن من انتهاك عدة حقوق من حقوق الإنسان، وأنه محظور بمقتضى إعلان الأمم المتحدة بشأن الاختفاء القسري، والاتفاقية الأمريكية بشأن الاختفاء القسري للأشخاص.
الاختفاء سلاح ضد الناشطين والحقوقيين
في ذات السياق يقول الناشط السياسي إبراهيم عبدالله أن الاختفاء القسري في كثير من الأحيان يستخدم كعقاب سياسي ضد الناشطين في حقوق الإنسان والقانونيين والمدافعين عن حقوق الانسان، لانهم يقومون برصد الانتهاكات في حالات النزاع المسلحة، لذا حياتهم دائما في خطر.
يقول إبراهيم ايضا الأطراف المسلحة الأخرى تستخدمه للابتزاز والانتقام، في حال وجود رصد وتوثيق الانتهاكات في المناطق تحت سيطرتهم، بهدف اخفاء والتستر علي المعلومات والانتهاكات ضد حقوق الانسان، بعض الناشطين اختفوا في مناطق دارفور التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.
يضيف ابراهيم هناك كثيرون في مناطق سيطرة الجيش السوداني، ربما تم اعتقالهم او اختطافهم لاسباب عديدة، منها التعاون او التخابر مع قوات الدعم السريع، ونفس الشيء تقوم به استخبارات الدعم السريع في المناطق التي تسيطر عليها في ولاية الجزيرة، كردفان، وولايات دارفور، واوضح ان الحروبات الاهلية السابقة استخدم فيها الاختفاء القسري من أطراف النزاع، مستمرة حتى الآن.
التحديات في الرصد والإبلاغ .. واغتيال الصحفيين
يرى الناشطين والحقوقيين أن هناك تحديات كثيرة تواجههم، فيما يتعلق برصد والإبلاغ عن حالات الاختفاء القسري في ولايات السودان منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023، أن السلطات المخول بها تنفيذ القانون، يستحيل لها تسمح للقانون بمعرفة اماكن تواجد المعتقلين والمختفين قسريا او المختطفين، حجب المعلومات يصعب اهمية توثيق الانتهاكات في السودان.
اضافة لذلك المخاطر التي تواجه الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان بما في ذلك الشهود، تتمثل في التهديد والاعتقالات والتصفية الجسدية، في شهر يونيو من هذا العام، اغتالت قوات الدعم السريع معاوية عبدالرازق وثلاثة اشخاص بمنطقة الدروشاب شمالي العاصمة الخرطوم، مثل هذه الأوضاع تمثل خطورة علي حياتهم وأسرهم.
لذا يقع دور كبير علي المجموعات الحقوقية السودانية والدولية علي لفت الانتباه إلى هذه القضية الانسانية الهامة في السودان للاسر المتضررة، وعليهم بذل المزيد من الجهد للتوثيق والرصد والمتابعة، بغرض تقديم محاكمة كل المتورطين في عمليات الاختفاء القسري، وهذا يساعد في تحقيق مسارات العدالة في السودان.
مراكز احتجاز غير قانونية
يقول محمد علي المدير التنفيذي للمركز الافريقي غير الربحي لدراسات العدالة والسلام ’’ بأن حالات الاختفاء القسري في السودان ارتفع بشكل بالغ منذ اندلاع الاشتباكات في ابريل 2023، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، والاختفاء القسري ممارسة شائعة في السودان منذ عقود وقد استخدمها جهاز أمن الدولة التابع للرئيس السابق عمر البشير بهدف إسكات المدافعين عن حقوق الإنسان وقادة المعارضة‘‘.
وضاف محمد أنّ كلًّا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع متورط اليوم في احتجاز المدنيين اعتباطيًا وعشوائيًا، وفي الفوضى التي أعقبت القتال، لا مكان يقصده الأقارب بغية البحث عن أحبائهم المفقودين، مكان وجودهم غير معروف لأنهم حاليًا في مراكز احتجاز غير قانونية.
الاختفاء القسري جريمة خطيرة
يقول عبد الباسط الحاج المحامي والباحث القانوني مؤسسة وايامو أن الاختفاء القسري من الجرائم الخطيرة، والقانون الدولي يركز عليها، خاصة في سياق العقوبات في الأنظمة الديكتاتورية، و توجد اتفاقية دولية تتعلق بالاختفاء القسري، وتوجد لجان الاختفاء القسري التي تقوم بعملها ، والدولة السودانية لم توقع علي الاتفاقية.
يضيف إنها جريمة تتطلب مزيدا من الجهود، خاصة من المنظمات الوطنية وغيرها للكشف عن مصير المختفين قسريا، ونوع الحقوق المصادرة هو الحق في الحياة، وهم غير معروفين لأسرهم وأصدقائهم ، من اهم حقوق الانسان، انه الحق في الحياة، هي من الحقوق التي يحميها القانون الدولي الإنساني.
مصادرة الحق في الحرية
يقول عبدالباسط من الحقوق الأخرى المصادرة هي الحق في الحرية، والاعتقال غير مشروع، وهو جريمة في حد ذاته، ويجب علي السلطات أن تقدمهم إلي المحاكمة العادلة، ويتم اطلاق سراحهم، وحقوق أخرى، تتمثل في السلامة الشخصية، قد يتعرض الفرد للتعذيب والضرب، والاذلال والاهانة وعدم توفير العلاج.
الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري
كشف عن استخدام قوات الدعم السريع سلاح التجويع في معتقلاتهم في سوبا، و التعامل غير الإنساني مع المعتقلين، وجرائم أخرى تتبعها مثل الترهيب والتخويف، وآليات محاربة الاختفاء القسري، يجب اتباع الآليات المدنية، والرقابة والرصد من جانب منظمات المجتمع المدني، والضغط علي أطراف الصراع للكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري، سواء في مناطق الجيش أو قوات الدعم السريع.
اضافة للدور الذي يلعبه ذوي الضحايا في الضغط ، ومنظمات المجتمع المدني ايضا، ويجب ان تكون هناك تقارير متخصصة، في مقابلة الفارين والناجين الذين أطلق سراحهم من المعتقلات، ومعرفة مصير اولئك الذين تركوا في خلفهم.
اداة لتخويف المعارضين
في ذات السياق يضيف المحامي والقانوني عثمان صالح ان الاختفاء القسري هو اختفاء الاشخاص او اعتقالهم او احتجازهم او اي شكل من اشكال الحرمان من الحرية، وانه يتم علي ايدي اشخاص موظفين في الدولة او يمثلون السلطة او جهة رسمية، وجهة تعمل لمساعدة الدولة، وتمسح لهم باخفاء الاشخاص قسريا.
يقول ان الاسباب التي تؤدي الي الاختفاء القسري عديدة، ممكن تختلف من فترة لاخري، وفي السودان هي ظاهرة قديمة، من الاسباب الرئيسية التي تستخدم كاداة لترهيب وتخويف المعارضين السياسيين، نظام الرئيس السابق مارسها، اما بعد حرب 15 ابريل 2023، حالات الاختفاء القسري ازدادت بصورة ملحوظة، الاطراف المتحاربة لا تكشف عن مكان المختفيين، ولا توفر لهم حقوقهم القانونية.
وكذلك اسباب، تتمثل في اتهام الافراد بالتخابر مع قوات الدعم او اشخاص ينتمون الي جهات عرقية او اتهام افراد بالتخابر مع الجيش، واسباب اخري الاستغلال الجنسي والسخرة والاسترقاق، وهذه المسألة تمارسها قوات الدعم السريع بصورة اكبر، اما جانب القوات المسلحة تكون بصورة اقل.
يضيف عثمان ان من اسبابها بهدف الحصول علي المال، واستخبارات القوات المسلحة والدعم السريع ينفذون هذه المهام، اضافة الحركات المسلحة تمارس ذلك، وكل طرف اسبابه تختلف من الاخر، ولها تأثيرات سالبة علي اسرة الضحية، والمجتمع، في حال اخفاء ربة الاسرة، تتأثر الاسرة بذلك، اختفاء النساء والفتيات في السودان، له انطباعات سالبة علي الجميع، وكذلك الاطفال.
الظاهرة اصبحت منتشرة علي قطاع واسع، علي المجتمع الدولي ان يقوم بدوره في هذا الجانب، ويضعها في اولويات اهتمامه، لحماية السودانيين.
ختاما ... دور الدول في اتخاذ اجراءات ضد المتورطين في الاختفاء القسري
في المادة العاشرة في الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، تطالب كل دولة طرف يوجد في إقليمها شخص يشتبه في انه ارتكب جريمة اختفاء قسري ان تكفل احتجاز هذا الشخص او تتخذ جميع التدابير القانونية الأخرى اللازمة لكفالة بقائه في إقليمها متى ما رأت، بعد فحص المعلومات المتاحة لها، ان الظروف تستلزم ذلك.
ويتم هذا الاحتجاز وتتخذ هذه التدابير وفقا لتشريع الدولة الطرف المعنية، ولا يجوز أن تستمر إلا للمدة اللازمة لكفالة حضوره أثناء الملاحقات الجنائية أو إجراءات التقديم أو التسليم.
ishaghassan13@gmail.com
في 30 أغسطس 2024، بينما احتفل العالم باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، لا يزال السودان يعاني من الظاهرة، حيث تلقي مزاعم الاختفاء القسري بظلال قاتمة على الحرب المستمرة، اتُهمت كل من قوات الدعم السريع والقوات المسلحة السودانية باستهداف المدنيين في المناطق التي يسيطرون عليها، مما أثار المخاوف من استخدام الاختفاء القسري كأداة للقمع والترهيب.
استطاعت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري من الحصول على موافقة النيابة العامة، على تقييد دعاوى جنائية بشأن 451 مفقودًا منذ اندلاع الحرب منذ منتصف أبريل 2024 من دون التمسك بحضور الشاكي للنيابة العامة.
تري الامم المتحدة ان هذا اليوم ذكرى عزيزة علي شعوب العالم، الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة للأمم المتحدة، الإعلان المتعلق بحماية جميع الاشخاص من الاختفاء القسري، بموجب القرار 133/47، المؤرّخ 18 ديسمبر 1992، بوصفه مجموعة مبادئ واجبة التطبيق علي جميع الدول.
المجموعة السودانية للاختفاء القسري
بينما ونشرت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري في فبراير 2024، أحدث تقرير يوضح بالأرقام، ارتفاع حالات الاختفاء القسري في ود مدني والحصاحيصا والكاملين بولاية الجزيرة ومدينة الرهد بولاية شمال كردفان، وجبل الأولياء جنوبي ولاية الخرطوم حيث بلغت 993 مفقودا بينهم 96 امرأة.
وفي ديسمبر من العام الماضي ذكرت المجموعة السودانية لضحايا الاختفاء القسري في تقرير منشور إن عدد المفقودين جراء الحرب وصل إلى 842 شخصًا من ضمنهم 127 مفقودًا من منطقة جبل الأولياء، نحو 45 كيلومتر جنوبي الخرطوم موضحةً أن عدد بلاغات حالات الاختفاء المسجلة في النيابة العامة ودمدني عاصمة ولاية الجزيرة بلغت 471 مفقودا.
المتأثرون بممارسة الاختفاء القسري
الضحايا انفسهم يتأثرون كثيرا، لما يتعرضون له من تعذيب وخوف مستمر علي حياتهم، اضافة يتأثر ذويهم، الذين يجهلون مصير احبابهم، وتتأرجح العواطف بين الأمل واليأس، في ذات الوقت، تعاني أسر المختفين، كما يعاني اصدقائهم، لعدم علمهم إذا كان الشخص الضحية لا يزال علي قيد الحياة، وهي ما هي حالته الصحية، والبحث يعرضهم لمزيد من الأخطار.
أسر المختفين قسريا .. التواصل مع الجهات الرسمية
يقول محمد ادم باسم مستعار ’’ أن الاختفاء القسري عمل غير انساني وغير اخلاقي، انا اعرف عدد من الأسر اختفي ابنائها، اثناء القتال بين قوات الدعم السريع والجيش في ولاية غرب دارفور الجنينة، الي الان، لا تعرف أسرهم أماكن تواجدهم، ربما يكون البعض في قبضة حلفاء الدعم السريع‘‘
يوضح محمد أن اسر ضحايا الاختفاء القسري يعيشون حالة من الخوف والقلق المستمر، من دون معرفة أين هم؟، ومتى يعودون؟، هل ماتوا؟، هذه الحالات لها تأثير نفسي سلبي علي الأسر والاهل والاصدقاء، ويطالب من الاسر ان اختفي افرادها ان تتواصل مع الجهات الحكومية الرسمية، ومنظمات حقوق الإنسان العالمية، لتمليك معلومات عن ذويهم، بهدف التوثيق، وكل هذه الإجراءات سوف تساعد في تحقيق العدالة والمساءلة، ما بعد الحرب.
بينما أخبرت اسماء لجنة الأمم المتحدة المعنية بحالات الاختفاء القسري، ان شقيقها محمد اختفي دون ان يترك اي اثر في التاسع والعشرين من مايو 2023، هو من قرية في شمال السودان، انطلق نحو العاصمة الخرطوم، فقدت الاسرة الاتصال به، وتخشى شقيقته أن يكون الأسوأ قد حل.
تضيف أسماء في حديثها للجنة الأمم المتحدة ان حياتهم قد توقفت عن الدوران، وروت معاناة الأسرة، بعد انقطاع الاتصال المفاجئ لهاتف شقيقها محمد.
الإطار القانوني الدولي والاختفاء القسري
تقول الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، الجزء الأول، المادة 1، لا يجوز تعريض اي شخص للاختفاء القسري، وكذلك، لا يجوز التذرع باي ظرف استثنائي كان، سواء تعلق الأمر بحالة حرب او التهديد باندلاع حرب أو بانعدام الاستقرار السياسي الداخلي، او باية حالة استثناء أخرى لتبرير الاختفاء القسري.
بينما تعرف المادة 2، يقصد بالاختفاء القسري ’’ الاعتقال او الاحتجاز أو الاختطاف او اي شكل من أشكال الحرمان من الحرية يتم علي أيدي موظفي الدولة، او اشخاص او مجموعات من الأفراد يتصرفون بإذن او دعم من الدولة او بموافقتها، ويلي ذلك، رفض الاعتراف بحرمان الشخص من حريته أو اخفاء مصير الشخص المختفي او مكان وجوده، مما يحرمه من حماية القانون.
السودان والانضمام للاتفاقية الدولية للحماية من الاختفاء القسري
في شهر فبراير 2021، أجاز المجلس التشريعي المؤقت في السودان في تلك الفترة، الانضمام للاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري لسنة 2006 واتفاقية مناهضة التعذيب والعقوبة القاسية لسنة 1984.
وقال وزير العدل السابق، نصر الدين عبدالباري ’’ ان الاجتماع المشترك ناقش اتفاقية جميع الاختفاء من الاختفاء القسري لسنة 2006، واتفاقية مناهضة التعذيب والعقوبة القاسية لسنة 1984، وصف الخطوة بالتاريخية، حيث أتت بعد المشاكل التي عاني منها السودانيين بسبب ممارسات النظام السابق‘‘.
بينما يجب النظر إلى قضية، إلى المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة، حيث وجدت في قضية كوبريسكيتش عام 2000 أن الاختفاء القسري يمكن وصفه جريمة ضد الانسانية مع لم يدرج علي هذا النحو في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وأخذت المحكمة بالحسبان حقيقة أنّ الاختفاء القسري يتكوّن من انتهاك عدة حقوق من حقوق الإنسان، وأنه محظور بمقتضى إعلان الأمم المتحدة بشأن الاختفاء القسري، والاتفاقية الأمريكية بشأن الاختفاء القسري للأشخاص.
الاختفاء سلاح ضد الناشطين والحقوقيين
في ذات السياق يقول الناشط السياسي إبراهيم عبدالله أن الاختفاء القسري في كثير من الأحيان يستخدم كعقاب سياسي ضد الناشطين في حقوق الإنسان والقانونيين والمدافعين عن حقوق الانسان، لانهم يقومون برصد الانتهاكات في حالات النزاع المسلحة، لذا حياتهم دائما في خطر.
يقول إبراهيم ايضا الأطراف المسلحة الأخرى تستخدمه للابتزاز والانتقام، في حال وجود رصد وتوثيق الانتهاكات في المناطق تحت سيطرتهم، بهدف اخفاء والتستر علي المعلومات والانتهاكات ضد حقوق الانسان، بعض الناشطين اختفوا في مناطق دارفور التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع.
يضيف ابراهيم هناك كثيرون في مناطق سيطرة الجيش السوداني، ربما تم اعتقالهم او اختطافهم لاسباب عديدة، منها التعاون او التخابر مع قوات الدعم السريع، ونفس الشيء تقوم به استخبارات الدعم السريع في المناطق التي تسيطر عليها في ولاية الجزيرة، كردفان، وولايات دارفور، واوضح ان الحروبات الاهلية السابقة استخدم فيها الاختفاء القسري من أطراف النزاع، مستمرة حتى الآن.
التحديات في الرصد والإبلاغ .. واغتيال الصحفيين
يرى الناشطين والحقوقيين أن هناك تحديات كثيرة تواجههم، فيما يتعلق برصد والإبلاغ عن حالات الاختفاء القسري في ولايات السودان منذ اندلاع حرب 15 أبريل 2023، أن السلطات المخول بها تنفيذ القانون، يستحيل لها تسمح للقانون بمعرفة اماكن تواجد المعتقلين والمختفين قسريا او المختطفين، حجب المعلومات يصعب اهمية توثيق الانتهاكات في السودان.
اضافة لذلك المخاطر التي تواجه الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان بما في ذلك الشهود، تتمثل في التهديد والاعتقالات والتصفية الجسدية، في شهر يونيو من هذا العام، اغتالت قوات الدعم السريع معاوية عبدالرازق وثلاثة اشخاص بمنطقة الدروشاب شمالي العاصمة الخرطوم، مثل هذه الأوضاع تمثل خطورة علي حياتهم وأسرهم.
لذا يقع دور كبير علي المجموعات الحقوقية السودانية والدولية علي لفت الانتباه إلى هذه القضية الانسانية الهامة في السودان للاسر المتضررة، وعليهم بذل المزيد من الجهد للتوثيق والرصد والمتابعة، بغرض تقديم محاكمة كل المتورطين في عمليات الاختفاء القسري، وهذا يساعد في تحقيق مسارات العدالة في السودان.
مراكز احتجاز غير قانونية
يقول محمد علي المدير التنفيذي للمركز الافريقي غير الربحي لدراسات العدالة والسلام ’’ بأن حالات الاختفاء القسري في السودان ارتفع بشكل بالغ منذ اندلاع الاشتباكات في ابريل 2023، بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع، والاختفاء القسري ممارسة شائعة في السودان منذ عقود وقد استخدمها جهاز أمن الدولة التابع للرئيس السابق عمر البشير بهدف إسكات المدافعين عن حقوق الإنسان وقادة المعارضة‘‘.
وضاف محمد أنّ كلًّا من القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع متورط اليوم في احتجاز المدنيين اعتباطيًا وعشوائيًا، وفي الفوضى التي أعقبت القتال، لا مكان يقصده الأقارب بغية البحث عن أحبائهم المفقودين، مكان وجودهم غير معروف لأنهم حاليًا في مراكز احتجاز غير قانونية.
الاختفاء القسري جريمة خطيرة
يقول عبد الباسط الحاج المحامي والباحث القانوني مؤسسة وايامو أن الاختفاء القسري من الجرائم الخطيرة، والقانون الدولي يركز عليها، خاصة في سياق العقوبات في الأنظمة الديكتاتورية، و توجد اتفاقية دولية تتعلق بالاختفاء القسري، وتوجد لجان الاختفاء القسري التي تقوم بعملها ، والدولة السودانية لم توقع علي الاتفاقية.
يضيف إنها جريمة تتطلب مزيدا من الجهود، خاصة من المنظمات الوطنية وغيرها للكشف عن مصير المختفين قسريا، ونوع الحقوق المصادرة هو الحق في الحياة، وهم غير معروفين لأسرهم وأصدقائهم ، من اهم حقوق الانسان، انه الحق في الحياة، هي من الحقوق التي يحميها القانون الدولي الإنساني.
مصادرة الحق في الحرية
يقول عبدالباسط من الحقوق الأخرى المصادرة هي الحق في الحرية، والاعتقال غير مشروع، وهو جريمة في حد ذاته، ويجب علي السلطات أن تقدمهم إلي المحاكمة العادلة، ويتم اطلاق سراحهم، وحقوق أخرى، تتمثل في السلامة الشخصية، قد يتعرض الفرد للتعذيب والضرب، والاذلال والاهانة وعدم توفير العلاج.
الكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري
كشف عن استخدام قوات الدعم السريع سلاح التجويع في معتقلاتهم في سوبا، و التعامل غير الإنساني مع المعتقلين، وجرائم أخرى تتبعها مثل الترهيب والتخويف، وآليات محاربة الاختفاء القسري، يجب اتباع الآليات المدنية، والرقابة والرصد من جانب منظمات المجتمع المدني، والضغط علي أطراف الصراع للكشف عن مصير ضحايا الاختفاء القسري، سواء في مناطق الجيش أو قوات الدعم السريع.
اضافة للدور الذي يلعبه ذوي الضحايا في الضغط ، ومنظمات المجتمع المدني ايضا، ويجب ان تكون هناك تقارير متخصصة، في مقابلة الفارين والناجين الذين أطلق سراحهم من المعتقلات، ومعرفة مصير اولئك الذين تركوا في خلفهم.
اداة لتخويف المعارضين
في ذات السياق يضيف المحامي والقانوني عثمان صالح ان الاختفاء القسري هو اختفاء الاشخاص او اعتقالهم او احتجازهم او اي شكل من اشكال الحرمان من الحرية، وانه يتم علي ايدي اشخاص موظفين في الدولة او يمثلون السلطة او جهة رسمية، وجهة تعمل لمساعدة الدولة، وتمسح لهم باخفاء الاشخاص قسريا.
يقول ان الاسباب التي تؤدي الي الاختفاء القسري عديدة، ممكن تختلف من فترة لاخري، وفي السودان هي ظاهرة قديمة، من الاسباب الرئيسية التي تستخدم كاداة لترهيب وتخويف المعارضين السياسيين، نظام الرئيس السابق مارسها، اما بعد حرب 15 ابريل 2023، حالات الاختفاء القسري ازدادت بصورة ملحوظة، الاطراف المتحاربة لا تكشف عن مكان المختفيين، ولا توفر لهم حقوقهم القانونية.
وكذلك اسباب، تتمثل في اتهام الافراد بالتخابر مع قوات الدعم او اشخاص ينتمون الي جهات عرقية او اتهام افراد بالتخابر مع الجيش، واسباب اخري الاستغلال الجنسي والسخرة والاسترقاق، وهذه المسألة تمارسها قوات الدعم السريع بصورة اكبر، اما جانب القوات المسلحة تكون بصورة اقل.
يضيف عثمان ان من اسبابها بهدف الحصول علي المال، واستخبارات القوات المسلحة والدعم السريع ينفذون هذه المهام، اضافة الحركات المسلحة تمارس ذلك، وكل طرف اسبابه تختلف من الاخر، ولها تأثيرات سالبة علي اسرة الضحية، والمجتمع، في حال اخفاء ربة الاسرة، تتأثر الاسرة بذلك، اختفاء النساء والفتيات في السودان، له انطباعات سالبة علي الجميع، وكذلك الاطفال.
الظاهرة اصبحت منتشرة علي قطاع واسع، علي المجتمع الدولي ان يقوم بدوره في هذا الجانب، ويضعها في اولويات اهتمامه، لحماية السودانيين.
ختاما ... دور الدول في اتخاذ اجراءات ضد المتورطين في الاختفاء القسري
في المادة العاشرة في الاتفاقية الدولية لحماية الأشخاص من الاختفاء القسري، تطالب كل دولة طرف يوجد في إقليمها شخص يشتبه في انه ارتكب جريمة اختفاء قسري ان تكفل احتجاز هذا الشخص او تتخذ جميع التدابير القانونية الأخرى اللازمة لكفالة بقائه في إقليمها متى ما رأت، بعد فحص المعلومات المتاحة لها، ان الظروف تستلزم ذلك.
ويتم هذا الاحتجاز وتتخذ هذه التدابير وفقا لتشريع الدولة الطرف المعنية، ولا يجوز أن تستمر إلا للمدة اللازمة لكفالة حضوره أثناء الملاحقات الجنائية أو إجراءات التقديم أو التسليم.
ishaghassan13@gmail.com