التخلي عن الأقاليم والاحتمالات الانفصالية في وادي النيل والقرن الإفريقي

التخلي عن الأقاليم والاحتمالات الانفصالية في وادي النيل والقرن الإفريقي: تحليل مقارن لمواقف مصر-السودان، إثيوبيا-إريتريا، السودان-جنوب السودان، والسودان-دارفور وجنوب كردفان

د. عبد المنعم مختار
أستاذ جامعي في مجال الصحة العامة
المدير العام للشركة الألمانية السودانية للبحوث والاستشارات وبناء القدرات
المدير التنفيذي لمركز السياسات القائمة على الأدلة والبيانات

الملخص

يمثل القرن الإفريقي ووادي النيل مناطق ذات تاريخ طويل من التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة، تتميز بحدود متغيرة وتنوع عرقي وصراعات على الموارد. أظهرت الدراسات أن الاستعمار الأوروبي وإعادة رسم الحدود والتفاعلات مع النخب المحلية أسهمت في ترسيخ هياكل غير متوازنة، أفضت إلى تهميش الأقاليم وظهور حركات انفصالية لاحقًا.

في تجربة تنازل مصر عن السودان (1952–1956)، أضعفت ثورة الضباط الأحرار في يوليو 1952 قدرة القاهرة على فرض السيطرة المباشرة، إذ وجهت الأولويات نحو الإصلاح الداخلي وإعادة بناء الدولة، مع قيود اقتصادية مرتبطة بالمشروعات الزراعية مثل مشروع الجزيرة وأهمية مياه النيل. في المقابل، ظهرت هوية وطنية سودانية متطورة عبر التعليم والإعلام والمؤسسات المدنية، مكنت النخبة السودانية من التفاوض على الحكم الذاتي دون الاعتماد على ميليشيات مسلحة، ما جعل الاستقلال التفاوضي الخيار الأكثر واقعية ومأمونًا سياسيًا واقتصاديًا.

توضح تجربة إثيوبيا وإريتريا أن الصراع المسلح الطويل، التهميش الاقتصادي والسياسي، والتفاوت البنيوي في توزيع الموارد، إلى جانب العوامل الجيوسياسية ودعم القوى الإقليمية والدولية للأطراف المختلفة، يمكن أن يؤدي إلى انفصال إقليمي مستدام. كما أظهرت تجربة السودان مع جنوب السودان أن تراكم المظالم، النزاعات المسلحة، والفشل في معالجة توزيع الموارد، إضافة إلى الدعم الدولي لآليات التفاوض، كانت عوامل حاسمة في النتيجة النهائية للانفصال.

تظل دارفور وجنوب كردفان مناطق عالية المخاطر للتفكك المحتمل، بسبب استمرار التهميش، النزاعات المسلحة المستمرة، التنوع الإثني والثقافي، وعدم التوزيع العادل للموارد. وتشير الدراسات إلى أن النزاعات في هذه المناطق ليست أحداثًا منفصلة، بل امتداد لهياكل سياسية واقتصادية غير متوازنة منذ الاستقلال، وتؤثر فيها الديناميات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الشبكات العرقية العابرة للحدود والدعم للمتمردين.

يمكن استخلاص مجموعة من الدروس العملية: أولًا، أن الاستقلال أو التنازل الإقليمي عملية تراكمية ومتعددة الأبعاد، تشمل الضغوط الداخلية، التعبئة الاجتماعية والسياسية، القيود الاقتصادية، والاعتبارات الإقليمية والدولية. ثانيًا، نجاح التفاوض المدني والسياسي يعتمد على قدرة النخبة المحلية على التعبئة الفعالة، ودور الوساطة الإقليمية والإشراف الدولي. ثالثًا، معالجة الأسباب الجذرية للتهميش وتوزيع الموارد بشكل عادل، مع تعزيز الحكم المحلي، أمر أساسي لمنع النزاعات الطويلة أو التفكك.

شهدت إريتريا وجنوب السودان تجارب متوازية في التنازل الإقليمي نتيجة تراكم المظالم التاريخية والصراعات الداخلية والتدخلات الإقليمية والدولية. كانت إريتريا مستعمرة إيطالية ثم خضعت للإدارة البريطانية قبل دمجها اتحاديًا مع إثيوبيا عام 1952، ما منحها حكمًا ذاتيًا محدودًا، بينما تعود جذور الانقسام في السودان إلى الفوارق العرقية والدينية والإقليمية بين الشمال المسيطر على الحكم والجنوب المهمش. ألغى الإمبراطور هيلا سيلاسي الحكم الفيدرالي في إريتريا عام 1962، فظهرت جبهة التحرير الإريترية وحرب العصابات المنظمة ضد السيطرة الإثيوبية، فيما شكلت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق القوة الانفصالية الرئيسية، مستندة إلى المظالم التاريخية والهوية العرقية الجنوبية.

لعبت الموارد الاقتصادية دورًا محوريًا في الصراع، إذ سعت الحكومات المركزية للسيطرة على الموانئ والمعادن في إريتريا والنفط في جنوب السودان، بينما شكلت هذه الموارد حافزًا للمقاومة المحلية. ساهم التنوع الإثني والديني والثقافي في التعبئة الشعبية والتحالفات ضد الدولة المركزية، وساعد على التنظيم العسكري والمقاومة المسلحة، فيما عززت المؤسسات التعليمية والدينية وشبكات المجتمع المدني الهوية الإقليمية والقومية ومطالب تقرير المصير.

تأثرت الصراعات بالديناميات الإقليمية، حيث وفرت دول الجوار ملاذًا ودعمًا لوجستيًا، بينما شكلت المنافسات الإقليمية قيودًا أو حوافز للتدخلات، وكان للفاعلين الدوليين دور في دعم عمليات التفاوض والإشراف على الاستفتاءات لضمان شرعية النتائج. أدت الاستفتاءات إلى استقلال إريتريا عام 1993، واستقلال جنوب السودان بعد اتفاق السلام الشامل 2005 واستفتاء 2011 بنسبة تأييد تجاوزت 98٪، مع آثار استراتيجية عميقة شملت فقدان إثيوبيا الوصول إلى موانئ البحر الأحمر وخسارة السودان معظم عوائد النفط، إضافة إلى تحديات في ترسيم الحدود وبناء الدولة.

أما دارفور وجنوب كردفان، فتعاني من تهميش هيكلي وانقسامات عرقية ونزاعات على الموارد، مما يعزز احتمالات التفكك مستقبليًا. يغذيه التهميش الاقتصادي والمنافسة على الأراضي والمياه، وضعف قدرة الدولة على الأمن والخدمات، والتدخل الإقليمي المحدود. تظهر حلقات التغذية الراجعة أن العنف يعزز التضامن العرقي، واستمرار التسليح يزيد انعدام الأمن، وضعف الحكم يقلل الحوافز للتسوية. تشير التجارب إلى أن الاستفتاءات التفاوضية والإشراف الدولي توفر مسارًا مستدامًا للاستقلال، بينما تؤدي المركزية الأحادية دون استيعاب التنوع المحلي إلى تمردات طويلة الأمد، وأن الوقاية من التفكك تتطلب معالجة المظالم التاريخية، توزيع الموارد بشكل عادل، وتعزيز الحكم المحلي مع دمج الوساطة الإقليمية والدولية.

تمثل التنازلات الإقليمية والتفكك المحتمل في القرن الإفريقي ووادي النيل تفاعلًا معقدًا بين المظالم التاريخية، المركزية السياسية، التنافس على الموارد، التعبئة الإثنية أو العرقية، والتدخل الدولي. تظهر التجارب في مصر-السودان (1952–1956)، إثيوبيا-إريتريا (1961–1993)، السودان-جنوب السودان (1983–2011)، ودارفور وجنوب كردفان، أن التهميش السياسي، والتمييز الثقافي أو الإثني، والسيطرة على الموارد الاستراتيجية كانت عوامل مشتركة أساسية. شكلت الموارد الحيوية مثل مياه النيل، الموانئ الإريترية، الذهب والنحاس، والنفط في جنوب السودان نقاط توتر حاسمة، بينما أدى الإقصاء السياسي والتهميش الاقتصادي إلى تعميق المقاومة القائمة على الهوية.

تفاوتت أشكال المقاومة، من النشاط الحزبي والسياسي في مصر-السودان إلى حرب العصابات المنظمة في إثيوبيا-إريتريا والسودان-جنوب السودان، وصولًا إلى النزاعات المسلحة المستمرة في دارفور وجنوب كردفان، مما ساهم في عسكرة المجتمعات المحلية. وقد لعبت الديناميات الإقليمية والدعم الدولي دورًا مهمًا في تيسير الاستقلال، بما في ذلك الملاذ والدعم اللوجستي، الوساطة الإقليمية، والإشراف الدولي على الاستفتاءات لضمان الشرعية.

تشمل حلقات التغذية الراجعة تعزيز المقاومة عند القمع، وزيادة التعبئة على أساس الهوية مع استمرار التهميش الاقتصادي، وزيادة قوة الحركات الانفصالية بدعم إقليمي. وقد أسفرت هذه التنازلات عن آثار استراتيجية، اقتصادية، وسياسية واجتماعية، منها فقدان السيطرة على الموارد الحيوية، خسارة الإيرادات الوطنية، النزوح، الاستقطاب الإثني، وتحولات دبلوماسية إقليمية ودولية.

تشير الدروس المستفادة إلى ضرورة تبني حكم شامل، توزيع عادل للموارد، الاعتراف الثقافي والإثني، الوساطة الإقليمية، الإشراف الدولي، التدخل المبكر لمنع النزاعات، وتقييم المخاطر بشكل شامل لمعالجة المظالم، تعزيز الاستقرار، ومنع الانفصال أو التفكك المحتمل.

الخلفيات والمبررات

يُعدّ القرن الإفريقي ووادي النيل من المناطق ذات التاريخ الطويل في التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعقدة، حيث تتسم بحدود متغيرة، وتنوعًا عرقيًا، وصراعات على الموارد [2, 4, 10]. تناول إيّوب (1995) وماركاكيس (1998) هذه الجوانب في سياق الهوية الوطنية في إريتريا والسودان، مبرزَين كيف أسهمت التفاعلات بين الاستعمار الأوروبي والنُخَب المحلية في إعادة رسم الحدود وإعادة تعريف الانتماء [2, 4]. كما أوضح دي وال (2007) أنّ النزاعات على الموارد في دارفور وجنوب كردفان امتداد تاريخي لتلك البنى غير المتكافئة التي تشكّلت منذ الحقبة الاستعمارية [10]. تدعم الوثائق البريطانية، مثل Foreign Office Records FO 371/96834، سياق السيطرة الخارجية في بدايات الخمسينيات وتؤكد مراقبة لندن الدقيقة للوضع في السودان قبيل الاستقلال [1].

منذ الحقبة الاستعمارية وحتى ما بعد الاستقلال، سعت القوى الخارجية والحكومات المركزية إلى ترسيخ سيطرتها على الأقاليم، متجاهلة الهويات المحلية والطموحات السياسية والاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية للمناطق الطرفية [7, 8, 9, 20]. يُظهر ووربرغ (1973) وكولينز (2008) أنّ الإدارة الثنائية البريطانية–المصرية مارست سياسات تعزز المركزية وتهمّش الأطراف [8, 20]، فيما أكّد هولت ودالي (2000) ومنصور خالد (2003) أنّ تهميش الأقاليم استمرّ بعد الاستقلال عبر سياسات تفضّل المركز على الأطراف [7, 9].

وقد أدت هذه الديناميات إلى التخلّي المتكرر عن الأقاليم وظهور حركات انفصالية ومخاطر مستمرة للتفكك، مع آثار عميقة على الاستقرار الإقليمي وشرعية الدولة والعلاقات الدولية [6, 10, 11, 12, 14]. يبيّن دي وال (2007) ورولاندسن (2011) وجونسون (2011) أنّ تجربة جنوب السودان مثال بارز على هذا المسار [10, 11, 12]، بينما توثّق الجمعية العامة للأمم المتحدة (A/46/511) الأبعاد الدولية والرقابية في عملية استقلال السودان [6].

في منتصف القرن العشرين، عكس تخلي مصر عن السودان تداخل الأولويات الداخلية بعد ثورة 1952، والتعبئة الوطنية في السودان، والقيود الاقتصادية، والضغوط الدبلوماسية الدولية [1, 7, 8, 9]. تشير دراسات هولت ودالي (2000) وووربرغ (1973) وكولينز (2008) إلى أنّ ثورة الضباط الأحرار في مصر غيّرت الأولويات الاستراتيجية للنظام الجديد، الذي ركّز على توطيد الحكم الداخلي وتنفيذ إصلاحات زراعية واقتصادية، ما قلّل قدرته على الاستمرار في فرض السيطرة المباشرة على السودان [7, 8, 9]. توضح هذه الدراسات أنّ مصر واجهت معضلة الجمع بين إدارة التحول الداخلي ومواصلة الطموح الإمبراطوري، خاصة مع تصاعد النزعة الوطنية السودانية المطالبة بالحكم الذاتي [7, 8, 9]. وقد مثّل ذلك الحدث سابقة مبكرة لما عُرف لاحقًا بالاستقلال التفاوضي، إذ تم التوصل إلى تسوية دبلوماسية بين القوى المصرية والبريطانية والسودانية، برعاية ومتابعة دولية دقيقة [1, 7, 8, 9].

لاحقًا، بيّنت تجربة إثيوبيا مع إريتريا أن الصراع المسلح الطويل، والتميّز الإثني والثقافي، والتهميش الاقتصادي، وجغرافيا الحرب الباردة، يمكن أن تؤدي إلى انفصال إقليمي مستدام [2, 3, 5]. يشير ماركاكيس (1998) وكلافي (2000) إلى أن التوتر بين المركز الإثيوبي والمجتمعات الإريترية كان متجذرًا منذ ضمّ إريتريا في الخمسينيات، واستمرّ عبر مراحل الحرب الباردة حين دعمت قوى خارجية الطرفين لأسباب استراتيجية [2, 3, 5]. تُظهر هذه الحالة كيف يمكن للتفاوت البنيوي في توزيع الموارد والتمثيل السياسي، مقرونًا بالعوامل الجيوسياسية، أن ينتج استقلالًا فعليًا طويل الأمد [2, 3, 5].

كما أظهرت تجربة السودان في التخلي عن جنوب السودان أن التراكم التاريخي للمظالم، والتهميش الاقتصادي والسياسي، والنزاعات على الموارد، والصراع المسلح، والتسهيلات الدولية، كانت عوامل حاسمة في تشكيل نتيجة الانفصال [10, 11, 12, 13]. يُبرز دي وال (2007) وجونسون (2011) ورولاندسن (2011) وكاستيلينو (2014) أنّ هذه العوامل تراكمت على مدى نصف قرن من الحروب الأهلية، التي فشلت اتفاقيات أديس أبابا ونيفاشا في معالجتها معالجة جذرية [10, 11, 12, 13].

تماشيًا مع هذه السوابق التاريخية، تظل دارفور وجنوب كردفان مناطق عالية المخاطر من حيث احتمالية التفكك، نتيجة استمرار المظالم، والعسكرة المستمرة، والتنوع الإثني والثقافي، وعدم التوزيع المتكافئ للموارد [14, 15, 16, 17, 18]. توضح دراسات دي وال (2007) وعثمان (2014) وسيموندز (2015) أن النزاعات في هذه المناطق ليست حوادث منفصلة، بل امتداد لبُنى سياسية واقتصادية غير متوازنة تشكّلت منذ الاستقلال [14, 15, 16, 17, 18].

إن فهم أسباب وعوامل الخطر وعواقب التخلي عن الأقاليم يوفر رؤى أساسية لتقييم التحديات الراهنة والمستقبلية في المنطقة، إذ يوضح تأثير إخفاقات الحكم الداخلي، والديناميات الإقليمية، والتدخلات الدولية، في تحديد مسار الحركات الانفصالية أو الساعية للحكم الذاتي [14, 15, 16, 17, 18].

بناءً على ذلك، تستند هذه الدراسة إلى هدفين رئيسيين: أولًا، تقديم تحليل مقارن لأربع حالات من التخلي عن الأقاليم واحتمال التفكك في السودان والدول المجاورة، مع تحديد الآليات السببية المتكررة وأنماط التصعيد والعوامل الوسيطة [1, 2, 3, 5, 7, 12, 14, 15, 18]. ثانيًا، استخلاص دروس سياسية عملية يمكن أن ترشد الحكومات الوطنية والمنظمات الإقليمية والجهات الدولية في منع النزاع وإدارة الضغوط الانفصالية وتعزيز وحدة الأراضي المستدامة [1, 2, 3, 5, 7, 12, 14, 15, 18].

ومن خلال دمج الأبعاد التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية، تملأ هذه الدراسة فجوة مهمة في الأدبيات حول التخلي عن الأقاليم في المنطقة، مقدمة رؤى تفسيرية وتوصيات عملية قابلة للتطبيق [1, 2, 3, 5, 7, 12, 14, 15, 18].

تنازل مصر عن السودان (1952–1956): تحليل متكامل

كان السودان، تحت الحكم الثنائي الإنجليزي–المصري الذي أُنشئ عام 1898، يُدار رسميًا من قِبل كل من بريطانيا ومصر، إلا أن السيطرة الفعلية على الإدارة والأمن والمالية كانت بيد بريطانيا [1, 7, 8, 9]. توضح سجلات وزارة الخارجية البريطانية (FO 371/96834) وكولينز (2008) وهولت ودالي (2000) أن الترتيب الثنائي كان في الواقع غطاءً شكليًا لهيمنة بريطانية شبه مطلقة، إذ كانت القاهرة محدودة التأثير في القرارات التنفيذية بالسودان [1, 7, 8, 9].

بعد الحرب العالمية الثانية، برزت الوطنية السودانية كقوة فاعلة، مستوحاة من موجة إنهاء الاستعمار في العالم وحركات التحرر في إفريقيا والشرق الأوسط [7, 8, 9, 20]. ويشير ووربرغ (1973) إلى أن تزايد التعليم الحضري في الخرطوم وأم درمان، إلى جانب النشاط السياسي بين الطلاب والمهنيين، مهّد الطريق لتشكيل أحزاب سياسية حديثة [20]. برز من بينها حزب الأمة المرتبط بالطائفة المهدية، والحزب الوطني الاتحادي الذي فضّل في بداياته الوحدة مع مصر [7, 8, 9, 20]. توضح هذه المراجع أن هذه التنظيمات الوطنية عبّأت قواعد اجتماعية واسعة، مستخدمةً الصحف والتظاهرات الحضرية والشبكات الدينية والمدنية لبناء قاعدة دعم شعبي للحكم الذاتي [7, 8, 9, 20].

أحدثت ثورة يوليو 1952 في مصر، بقيادة الضباط الأحرار، تحوّلًا عميقًا في المشهد السياسي المصري [7, 8, 9]. يُبرز هولت ودالي (2000) وكولينز (2008) أن الثورة أعادت صياغة أولويات النظام الجديد نحو إصلاح الأراضي، تقليص النفوذ البريطاني، وإعادة بناء أجهزة الدولة، ما قلّل من اهتمام القاهرة المباشر بالسودان [7, 8, 9]. في هذه المرحلة، فقدت مصر قدرتها على ممارسة نفوذها التاريخي في السودان، إذ أصبحت الموارد السياسية والإدارية موجهة نحو إعادة ترتيب البيت الداخلي [7, 8, 9]. كما توضح الوثائق البريطانية في FO 371/96834 أن القاهرة واجهت قيودًا متزايدة من بريطانيا والولايات المتحدة بشأن استمرار مطالبها في السودان، خاصة في ظل صعود الحركة الوطنية السودانية وتنامي الضغوط الدولية لتصفية الاستعمار [1, 7, 8, 9]. وبالتالي، قلّصت تلك التطورات من قدرة مصر على الحفاظ على السيطرة المباشرة، رغم تمسك بعض عناصر النخبة المصرية التاريخية بشعار “وحدة وادي النيل” [7, 8, 9].

لعبت العوامل الاقتصادية دورًا محوريًا في قرار مصر بالتخلي عن سيطرتها على السودان [1, 7, 8, 9]. تشير سجلات وزارة الخارجية البريطانية (FO 371/96834) وكولينز (2008) وهولت ودالي (2000) إلى أن المشروعات الزراعية الكبرى في السودان، وعلى رأسها مشروع الجزيرة، كانت تمثل أهمية استراتيجية واقتصادية لكل من مصر وبريطانيا [1, 7, 8, 9]. فقد كان المشروع مرتبطًا مباشرةً بإنتاج القطن اللازم لصناعة النسيج البريطانية، كما ارتبط بمصالح مصر في مياه النيل، مما جعل من إدارة هذا المورد المشترك قضية مركزية في العلاقات بين البلدين [1, 7, 8, 9].

توضح المراسلات البريطانية خلال عامي 1952–1953 أن الحفاظ على النفوذ المصري في السودان كان يتطلب استثمارات مالية كبيرة في البنية التحتية الإدارية والعسكرية [1]. لكن بعد ثورة يوليو، واجهت مصر تحديات اقتصادية حادة نتيجة التزاماتها بالإصلاح الزراعي والتوسع في الخدمات الاجتماعية، ما قلّل قدرتها على تمويل وجود إداري أو عسكري فعّال في السودان [7, 8, 9]. ويُظهر تحليل ووربرغ (1973) وكولينز (2008) أن القيادة الجديدة في القاهرة اعتبرت الحفاظ على السودان عبئًا ماليًا وسياسيًا، خاصة مع تصاعد المطالب السودانية بالحكم الذاتي [7, 8, 9, 20].

كما كانت قضية مياه النيل تضيف طبقة إضافية من التعقيد للعلاقات الثنائية، إذ لم يكن في وسع القاهرة فرض سيطرة أحادية على مجرى النهر دون إثارة اعتراضات دولية وسودانية [1, 7, 8, 9]. وقد سجّلت وثائق وزارة الخارجية البريطانية مخاوف واضحة من أن أي محاولة مصرية للتمسك بسيطرة سياسية على السودان قد تُفسَّر بأنها استمرار للاستعمار، ما قد يعرّض مصر لضغوط دبلوماسية غربية جديدة [1, 7, 8, 9].

من جهة أخرى، أشار كولينز (2008) إلى أن تزايد الشعور الوطني السوداني، مدعومًا بالاستقلالية الإدارية النسبية داخل مشروع الجزيرة ومؤسسات الحكم المحلي، جعل استمرار السيطرة المصرية مسألة مكلفة سياسيًا واقتصاديًا [7, 8, 9]. فمع تصاعد التعبئة السياسية في الخرطوم وأم درمان، باتت كلفة الإصرار على السيادة المصرية تشمل احتمال اندلاع اضطرابات داخلية في السودان واحتكاك دبلوماسي دولي متزايد [7, 8, 9]. نتيجة لذلك، رأت النخبة المصرية الجديدة أن التنازل المنظم عن السودان عبر التفاوض سيكون الخيار الأكثر واقعية للحفاظ على المصالح الاقتصادية الأساسية دون الدخول في صراع مفتوح [1, 7, 8, 9].

في الوقت نفسه، ساهم تطور هوية وطنية سودانية متميزة في تعزيز الحتمية السياسية للاستقلال [7, 8, 9]. يوضح كولينز (2008) وهولت ودالي (2000) أن المجتمع السوداني أظهر فروقًا لغوية، إثنية، ودينية واضحة عن المعايير المصرية، كما لعبت المؤسسات التعليمية والإعلامية والمنظمات المدنية دورًا فعالًا في ترسيخ هذا الإحساس بالهوية الوطنية [7, 8, 9]. ساعد هذا التمايز الاجتماعي في تقوية موقف القادة الوطنيين السودانيين خلال مفاوضات الحكم الذاتي، دون الحاجة إلى الاعتماد على ميليشيات مسلحة [7, 8, 9]. تشير المراجع نفسها إلى أنه لم تتشكل رسميًا جماعات مسلحة في تلك المرحلة في السودان بهدف الاستقلال، إذ كانت المطالب السياسية تدور حول الحكم الذاتي المتفاوض عليه والمؤسساتية المدنية أكثر من المطالب العسكرية [7, 8, 9, 20].

يؤكد ووربرغ (1973) أن هذه الديناميات الاجتماعية والسياسية مكنت النخبة السودانية من التفاوض بكفاءة، ما قلّل من المخاطر المرتبطة باللجوء إلى الصراع المسلح في مرحلة ما قبل الاستقلال [20]. وبذلك، تُعد هذه المرحلة نموذجًا مبكرًا للاستقلال التفاوضي القائم على تعبئة مدنية وسياسية، وليس على صراع مسلح [7, 8, 9].

كما أثّرت الديناميات الإقليمية بشكل كبير في مسار استقلال السودان، إذ حافظت بريطانيا على دور فاعل خلال المرحلة الانتقالية، بينما بدأ السودان المستقل في نسج علاقات دبلوماسية أوسع مع الدول العربية تدريجيًا [1, 7, 8, 9]. تشير سجلات وزارة الخارجية البريطانية (FO 371/96834) وكولينز (2008) وهولت ودالي (2000) إلى أنّ لندن راقبت عن كثب انتقال السلطة، لضمان سير العملية وفق المعايير الدولية وتقليل احتمال التدخل الأحادي من مصر أو الأطراف الإقليمية [1, 7, 8, 9]. كما أشار UN General Assembly (Report of the Secretary-General on Sudanese Independence, 1954) [19] إلى دور الأمم المتحدة في الإشراف على عملية الاستقلال ومتابعة الالتزام بالاتفاقيات الانتقالية.

وقد جعل الموقع الاستراتيجي للسودان على طول البحر الأحمر وقربه من القرن الإفريقي قضية ذات أهمية قصوى للفاعلين الإقليميين والدوليين [1, 7, 8, 9]. يبرز هذا الموقع كمحور حيوي للسيطرة على التجارة البحرية والإمدادات العسكرية والاقتصادية في المنطقة، وهو ما دفع القوى الكبرى إلى متابعة مسألة الاستقلال السوداني باهتمام بالغ [1, 7, 8, 9].

خلق التفاعل بين العوامل الداخلية والإقليمية والدولية عدة اعتبارات للمخاطر بالنسبة لمصر. تشير الدراسات إلى أن محاولة الاحتفاظ بالسيطرة على السودان قد تؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات المدنية والضغط الشعبي، وهو ما أوضحه هولت ودالي (2000) وكولينز (2008) وخالد (2003) [7, 8, 9]. كما ساهم دعم الوطنيين السودانيين من قبل بعض الفاعلين الإقليميين، إلى جانب الإشراف الأممي، في خلق حلقة تغذية راجعة جعلت الموافقة على الاستقلال الخيار الأكثر استدامة سياسيًا واقتصاديًا [1, 7, 8, 9].

من خلال التفاوض على استقلال السودان، تمكنت مصر من تجنّب صراع طويل الأمد، وحافظت على الاستقرار الداخلي وشرعيتها الدولية، رغم تكلفة فقدان العمق الاستراتيجي والنفوذ على النيل [1, 7, 8, 9]. تشير المراجع نفسها إلى أنّ هذا التنازل المنظّم ساعد مصر على الحفاظ على مصالحها الأساسية، وفي الوقت نفسه دعم تطوّر المؤسسات الوطنية السودانية وتعزيز نموذج الاستقلال التفاوضي في سياقات ما بعد الاستعمار [1, 7, 8, 9].

كانت نتائج تنازل مصر عن السودان متعددة الأبعاد ومتداخلة [7, 8, 9, 20]. استراتيجيًا، فقدت مصر السيطرة المباشرة على السودان وموارد النيل، الأمر الذي استدعى لاحقًا مفاوضات مباشرة مع السودان المستقل حول المياه والحدود [1, 7, 8, 9]. تشير سجلات وزارة الخارجية البريطانية (FO 371/96834) وهولت ودالي (2000) إلى أن نقل السلطة أسهم في إعادة ترتيب أولويات مصر الاستراتيجية، بما في ذلك إدارة الموارد المائية الحيوية [1, 7, 8, 9].

سياسيًا، برز السودان كدولة مستقلة ذات مؤسسات ناشئة، وساهم نقل السلطة في تمكين النخب الوطنية من توطيد سلطتها والتأثير في مسار بناء الدولة [7, 8, 9, 20]. إقليميًا، غيّر الاستقلال توازن النفوذ، إذ احتفظت بريطانيا بدور فاعل خلال الفترة الانتقالية، بينما بدأ السودان المستقل في نسج علاقات دبلوماسية أوسع مع الدول العربية تدريجيًا [1, 7, 8, 9, 20]. اجتماعيًا، أدى بروز الهوية السودانية إلى تعزيز شرعية الحركات الوطنية، ومهد لنموذج الاستقلال التفاوضي الذي يمكن أن يُحتذى في سياقات ما بعد الاستعمار الأخرى [7, 8, 9, 20].

تشير المراجع نفسها إلى أن هذه النتائج تظهر تداخل الأبعاد الاستراتيجية والسياسية والاجتماعية في عملية انتقال السلطة، وأن التنازل عن الأراضي لم يكن حدثًا مفردًا، بل عملية تراكمية متعددة المستويات [1, 7, 8, 9, 20].

في الختام، كان تنازل مصر عن السودان بين 1952 و1956 نتيجة لتفاعل معقد بين الضغوط الداخلية، التعبئة الاجتماعية، القيود الاقتصادية، الاعتبارات الإقليمية، والإشراف الدولي [1, 7, 8, 9]. توضح سجلات وزارة الخارجية البريطانية (FO 371/96834) وكولينز (2008) وهولت ودالي (2000) أنّ مصر واجهت قيودًا داخلية مرتبطة بإصلاحات الثورة الجديدة، وأخرى اقتصادية نتيجة الالتزامات تجاه المشروعات الزراعية والخدمات العامة، ما قلّل من قدرتها على ممارسة السيطرة المباشرة على السودان [1, 7, 8, 9].

كما بيّنت الدراسات أنّ الحركات الوطنية السودانية الناشئة، من خلال الأحزاب والمؤسسات المدنية والتعليم والإعلام، كانت قادرة على التعبئة السياسية بشكل فعّال، مما جعل الاحتفاظ بالسيطرة المصرية مكلفًا سياسيًا واقتصاديًا، ودفع نحو التنازل المنظّم [7, 8, 9, 20]. توضح المراجع نفسها أنّ التنازل لم يكن حدثًا مفردًا، بل عملية تراكمية متعددة الأبعاد، حيث شكلت العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجيوسياسية معًا قرار مصر بالتفاوض على استقلال السودان، مع الحفاظ على مصالحها الحيوية وشرعيتها الدولية، وتجنّب صراع طويل الأمد [1, 7, 8, 9, 20].

يُبرز هذا المثال أهمية فهم تنازل الأراضي كعملية متكاملة تتشكل عبر تراكم العوامل الداخلية والخارجية، ولا يقتصر على حدث مفاجئ، وهو ما يعكس تداخل الاستراتيجيات الوطنية مع التحولات الإقليمية والدولية في مرحلة ما بعد الاستعمار [1, 7, 8, 9].

تنازل إثيوبيا عن إريتريا (1961–1993): تحليل متكامل

شهدت إريتريا، الواقعة على طول البحر الأحمر في موقع استراتيجي، تأثيرًا أجنبيًا مستمرًا وتحولات إدارية طوال القرن العشرين [2, 3]. كانت إريتريا مستعمرة إيطالية حتى عام 1941، ثم انتقلت إلى الإدارة البريطانية بعد هزيمة إيطاليا في الحرب العالمية الثانية، كما أوضح ريتشارد أيوب (1995) ودينيس كونيل (1997) [2, 3]. تشير هذه المراجع إلى أن الإدارة البريطانية كانت مؤقتة، وهدفها حفظ الاستقرار قبل تحديد مستقبل الإقليم ضمن أي ترتيبات إقليمية أو دولية [2, 3].

في عام 1952، قررت الأمم المتحدة دمج إريتريا في اتحاد فيدرالي مع إثيوبيا، مع منحها حكمًا ذاتيًا موسعًا شمل برلمانًا محليًا، نظامًا قضائيًا مستقلًا، وإدارة الميزانية [2, 6]. يوضح ريتشارد أيوب (1995) والجمعية العامة للأمم المتحدة (1991) أن هذا الترتيب كان محاولة لموازنة المطالب الإثيوبية مع الاستقلال المحلي، مع الاعتراف الدولي بخصوصية إريتريا [2, 6]. يُعتبر الاتحاد الفيدرالي خطوة هامة، إذ منح إريتريا إطارًا قانونيًا وسياسيًا لإدارة شؤونها الداخلية ضمن الهيكل الإثيوبي، وهو ما يمثل سابقة لتقاسم السلطة في المنطقة [2, 3, 6].

تغيرت الديناميات السياسية بعد حكم الإمبراطور هيلا سيلاسي، الذي ألغى الحكم الفيدرالي في عام 1962 وأدمج إريتريا بالكامل ضمن إثيوبيا [2, 3, 4]. أدى هذا الانتهاك للاتفاق الفيدرالي إلى استياء واسع بين الإريتريين، وأسفر عن ظهور حركات تحرير مسلحة، أبرزها جبهة التحرير الإريترية (ELF) ولاحقًا جبهة تحرير شعب إريتريا (EPLF)، التي اعتمدت حرب العصابات وتنظيم السكان المحليين في مقاومتها [2, 3, 4]. يشير جون ماركّيس (1998) ودينيس كونيل (1997) إلى أن هذه الحركات لم تكن عشوائية، بل اعتمدت على تخطيط طويل الأمد واستراتيجية تنظيمية داخل المجتمع الإريتري لدعم المقاومة المسلحة [3, 4].

ساهمت العوامل الاقتصادية والموارد في تفاقم التوترات [2, 3, 4]. تحتوي إريتريا على موانئ استراتيجية مثل مصوع وعصب، وموارد معدنية مهمة، إضافة إلى أراضٍ زراعية خصبة [2, 3, 4]. سعت السلطات الإثيوبية المركزية إلى السيطرة على هذه الموارد، لكن القيود الإدارية والاعتماد على القوة العسكرية زاد من استياء السكان المحليين، وجعل التهميش الاقتصادي عامل خطر رئيسي يعزز استمرار التمرد [2, 3, 4]. تشير المراجع إلى أن هذه الموارد شكلت جزءًا رئيسيًا من الصراع، إذ كانت السيطرة عليها ضرورية لمصالح إثيوبيا الاقتصادية والاستراتيجية، بينما شكلت مصدر حافز للمقاومة المحلية [2, 3, 4].

لعب التنوع الإثني واللغوي والديني دورًا مهمًا في التعبئة الشعبية [2, 3, 4]. ضم السكان المسيحيين التغرينيين والمسلمين التيغريين، إضافة إلى شعوب الساهو والأفار وغيرهم، والذين تعرض كثير منهم للإقصاء السياسي تحت الحكم الإثيوبي [2, 3]. استُغل هذا التنوع في تشكيل تحالفات واسعة ضد الدولة الإثيوبية، وعزز التماسك الثقافي بين المتحدثين بالتغرينية، وسهّل التنظيم العسكري والنضال المسلح المستمر، كما أوضح ريتشارد أيوب (1995) ودينيس كونيل (1997) وجون ماركّيس (1998) [2, 3, 4].

أثرت الديناميات الإقليمية على مسار الصراع، إذ وفر السودان ملاذًا ودعمًا محدودًا لحركات التحرير الإريترية، بينما استخدمت بعض المسارات عبر جيبوتي لأغراض لوجستية [2, 3]. كما أثرت المنافسات الإقليمية بين دول القرن الإفريقي على الدعم والتدخل الخارجي، كما ذكر ريتشارد أيوب (1995) وجون ماركّيس (1998) [2, 3, 5].

تأثر الصراع أيضًا بالسياق الدولي في إطار الحرب الباردة، إذ راقبت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الوضع وقدمت دعمًا دبلوماسيًا لعمليات التفاوض [5, 6]. سمحت تحالفات إثيوبيا مع القوى الشرقية بتلقي مساعدات عسكرية واقتصادية، مما ساعدها على مقاومة التمرد [5, 6].

ومع ذلك، أدى سقوط نظام الديرغ تحت قيادة منغستو هايلي مريم في عام 1991 إلى خلق فراغ في السلطة، مكن جبهة تحرير شعب إريتريا من ترسيخ سيطرتها الإقليمية والتفاوض على الاستقلال تحت إشراف الأمم المتحدة [2, 3, 6]. أدى الاستفتاء الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة عام 1993 إلى تأييد ساحق لاستقلال إريتريا، ما أكسب الانفصال الشرعية الدولية [2, 3, 6].

شهدت هذه الفترة مخاطر محتملة تتعلق بزعزعة الاستقرار الإقليمي وانهيار هياكل الحكم المحلي نتيجة الحرب الطويلة، فضلاً عن عسكرة المجتمع الإريتري [2, 3]. أدت الحملات العسكرية الإثيوبية إلى زيادة الدعم المدني لحركة التحرير الإريترية، بينما منع الضغط الدبلوماسي الدولي القمع العسكري الكامل، ما شكل حلقات تغذية راجعة ساعدت على استمرار النزاع [2, 3, 5].

كانت عواقب الاستقلال عميقة؛ فقدت إثيوبيا الوصول المباشر إلى موانئ البحر الأحمر، مما أثر على التجارة واللوجستيات الاستراتيجية [2, 3, 4]. كما واجهت إريتريا تحديات في إقامة حكم فعال، وتفكيك الجماعات المسلحة، والمصالحة بين المجتمعات الإثنية والدينية المختلفة، واستمرت النزاعات حول الحدود والموارد في التأثير على العلاقات الثنائية لعقود [2, 3, 4].

تشير الدروس المستفادة إلى أهمية الضمانات الدولية، والحكم الشامل، والاعتراف بالهوية المحلية. يمكن أن تؤدي المركزية الأحادية دون استيعاب السكان المتميزين إلى تمردات طويلة الأمد، بينما توفر الاستفتاءات التفاوضية والإشراف الدولي مسارًا مستدامًا نحو الاستقلال، رغم استمرار التحديات في أمن الحدود وبناء الدولة [2, 3, 5, 6].

تنازل السودان عن جنوب السودان (1983–2011): تحليل متكامل

تعود جذور تقسيم السودان إلى الاختلافات الإقليمية والعرقية والدينية المستمرة بين الشمال والجنوب [7, 8, 9, 11, 12, 13]. كان الشمال، المكون في الغالب من العرب والمسلمين، يمارس سلطة سياسية مركزية، بينما كان الجنوب، المكوّن أساسًا من الجماعات الإثنية الإفريقية التي تمارس المسيحية أو الديانات التقليدية، مهمشًا فيما يتعلق بالحكم، وتوزيع الموارد، والتنمية [7, 8, 9, 11, 12, 13]. أدت هذه الفوارق التاريخية إلى توترات داخلية مستمرة، انفجرت في حربين أهليتين طويلتين: الأولى من 1955 إلى 1972، والثانية من 1983 إلى 2005، حيث أدت الأخيرة مباشرة إلى استقلال جنوب السودان لاحقًا [7, 8, 9, 11, 12, 13].

اتسمت الديناميات السياسية الداخلية في السودان خلال أواخر القرن العشرين بـ الحكم الهش، والشرعية المتنازع عليها، والانقسامات داخل النخبة الحاكمة [10, 12, 13]. حاولت الخرطوم فرض الشريعة على مستوى البلاد ومركزة السلطة في العاصمة، مما أدى إلى نفور السكان الجنوبيين [10, 12]. برز الجيش/الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLA/M) تحت قيادة جون قرنق كمعارضة أساسية، مستفيدًا من المظالم المحلية، والتماسك العرقي، والسرديات التاريخية عن التهميش لتعبئة المقاومة [11, 12, 13]. اعتمدت استراتيجية الحركة على الجمع بين حرب العصابات والمفاوضات السياسية، محافظين على مرونتهم رغم الحملات العسكرية المتكررة من الحكومة المركزية [12, 13].

لعبت الاعتبارات الاقتصادية والموارد دورًا محوريًا في تشكيل مسار الاستقلال [11, 12, 13]. كان جنوب السودان يحتوي على معظم احتياطيات النفط السودانية، الموجودة في ولايتي أعالي النيل والوحدة [11, 12, 13]. وكان النزاع على هذه الموارد مستمرًا طوال الحرب الأهلية، حيث سعت كل من الخرطوم وSPLA/M للوصول إلى العوائد ومسارات التصدير، بما في ذلك خطوط الأنابيب المؤدية شمالًا إلى بورسودان [11, 12, 13]. خلق تركيز الثروة النفطية في الجنوب عوامل خطر داخلية من خلال تزويد الحركة بوسائل ضغط في المفاوضات وتقوية المبررات الاقتصادية للحكم الذاتي أو الانفصال [11, 12, 13].

عززت الديناميات الثقافية والاجتماعية الحركة الانفصالية [11, 12, 13]. حافظ السكان الجنوبيون على هويات لغوية وعرقية ودينية متميزة، والتي تعززت عبر عقود من الإقصاء السياسي والصراع [11, 12, 13]. ساهمت المؤسسات التعليمية والدينية وشبكات المجتمع المدني في ترسيخ القومية الجنوبية، مما شرعن مطالب تقرير المصير. كانت هذه العوامل الثقافية متشابكة مع التعبئة العسكرية، إذ أثرت الولاءات العرقية على التجنيد، وشبكات الدعم، والهياكل الحاكمة المحلية في المناطق الخاضعة لسيطرة SPLA/M [11, 12, 13].

لعبت العوامل الإقليمية دورًا مهمًا في استمرار الصراع وتشكيل النتيجة النهائية [10, 11]. قدمت الدول المجاورة، لا سيما أوغندا وكينيا وإثيوبيا، ملاذًا ودعمًا لوجستيًا وتوسطًا دبلوماسيًا [10, 11]. سهلت الهيئة الحكومية المعنية بالتنمية (IGAD) عمليات التفاوض التي توجت بـ اتفاقية السلام الشامل 2005، والتي اعترفت رسميًا بالحكم الذاتي للجنوب وحددت إطارًا لاستفتاء مستقبلي حول الاستقلال [10, 11]. كما أثرت الشبكات العرقية العابرة للحدود، والاهتمامات الأمنية المشتركة، والمنافسات الإقليمية على الحسابات الاستراتيجية للخرطوم وSPLA/M [10, 11].

كان الانخراط الدولي حاسمًا. قدمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج (الثلاثي) الدعم الفني والمالي والدبلوماسي لعملية السلام [10, 11]. راقبت الأمم المتحدة وغيرها من الهيئات الدولية التنفيذ، وسهلت المساعدات الإنسانية وضمنت شرعية عملية الاستفتاء [10, 11]. عززت الاعتبارات الجيوسياسية العالمية، بما في ذلك الحاجة إلى استقرار القرن الإفريقي ومنع انتشار الصراع، الحوافز الخارجية للتوصل إلى تسوية تفاوضية [10, 11].

تعددت عوامل الخطر خلال هذه الفترة: داخليًا، كان السودان معرضًا لتصعيد العنف إذا تم الطعن في شروط اتفاقية السلام الشامل أو تطبيقها بشكل سيئ [12, 13]. النزاعات حول الموارد، لا سيما النفط، كانت تهدد بإعادة إشعال الصراع المسلح [12, 13]. إقليميًا، كان عدم الاستقرار في جنوب السودان قد يمتد إلى أوغندا وكينيا وجمهورية أفريقيا الوسطى [10, 11]. دوليًا، كان التأخر أو القصور في المراقبة يمكن أن يقوض السلام ويثير أزمات إنسانية [10, 11].

ظهرت حلقات تغذية راجعة شملت زيادة توطيد الحركة لأراضيها، مما عزز قوة التفاوض، والضغط الإقليمي والدولي على الخرطوم للامتثال للاتفاقية، ميسرة في النهاية الطريق التفاوضي نحو الاستقلال [10, 11, 12, 13]. توجت هذه العمليات بـ استفتاء عام 2011، حيث صوت أكثر من 98٪ من سكان جنوب السودان لصالح الاستقلال [11, 12, 13]. أصبح جنوب السودان دولة ذات سيادة، مؤسِّسًا حكومته وجيشه وتمثيله الدولي. كانت عواقب هذا التنازل الإقليمي عميقة: فقد السودان جزءًا كبيرًا من عائدات النفط، مما قلل ميزانيته الوطنية وقدرته الاقتصادية [11, 12, 13]. واجهت كلا الدولتين تحديات فورية في ترسيم الحدود، وتنسيق الأمن، والحكم، واستمرت الأزمات الإنسانية، بما في ذلك النزوح والمناطق المتنازع عليها مثل أبيي، في تقديم مخاطر لاستقرار المنطقة [11, 12, 13].

التفكك المحتمل في دارفور وجنوب كردفان: تحليل متكامل

شهدت دارفور وجنوب كردفان، منطقتان في السودان، على مدى طويل تهميشًا هيكليًا، وانقسامات عرقية، ونزاعات على الموارد، مما يجعلهما مرشحتين محتمليْن للتفكك في المستقبل [26, 27, 28, 29]. تقع دارفور في غرب السودان، وتتميز بتنوع عرقي ولغوي يشمل الفور والزغاوة والمساليت وغيرها من الجماعات، بينما تضم جنوب كردفان مجتمعات النوبة إلى جانب جماعات عربية [26, 27, 28, 29]. وقد عانت كلتا المنطقتين من الإقصاء التاريخي عن الحكم المركزي، وعدم المساواة في التنمية، والإهمال الاقتصادي المستمر [26, 27, 28, 29].

تميزت الديناميات السياسية الداخلية بـ ضعف حضور الدولة، والحكم الاستبدادي، واندلاع الانتفاضات المتكررة [16, 17, 26, 27]. ففي دارفور، برزت حركة العدل والمساواة (JEM) وحركة/جيش تحرير السودان (SLA) لمواجهة سياسات الخرطوم والمطالبة بالتمثيل السياسي العادل، وتوزيع الموارد، والحكم المحلي الذاتي [26, 27]. وبالمثل، شهدت جنوب كردفان مقاومة من الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال (SPLM-N)، التي تمثل مصالح النوبة وتعارض مركزية الخرطوم وفرض الشريعة [16, 17]. تعكس استمرارية التعبئة المسلحة كلًا من المظالم السياسية الداخلية وترسيخ الهوية العرقية، مما يخلق أساسًا قويًا للحركات الانفصالية المحتملة [16, 17, 26, 27].

تفاقمت العوامل الاقتصادية والموارد لتزيد من مخاطر التفكك [26, 27, 28, 29]. تحتوي دارفور على أراضٍ زراعية خصبة وموارد معدنية، بما في ذلك الذهب، بينما تتمتع جنوب كردفان بأهمية استراتيجية للزراعة وتربية الماشية، إضافة إلى قربها من خطوط أنابيب النفط العابرة للمنطقة [26, 27, 28, 29]. وقد أدى التنافس على الأراضي والمياه وتوزيع العائدات إلى تغذية النزاعات المحلية بشكل مستمر، مكونًا حلقات تغذية راجعة حيث تؤدي ندرة الموارد إلى تفاقم المظالم السياسية، والعكس صحيح. كما يزيد التهميش الاقتصادي للسكان المحليين من الحوافز نحو الحكم الذاتي أو الانفصال [26, 27, 28, 29].

تلعب الديناميات الثقافية والاجتماعية دورًا بارزًا في تضخيم احتمال التفكك [26, 27, 28, 29]. فالهوية اللغوية والعرقية والدينية المميزة في كلا المنطقتين، إلى جانب عقود من الإقصاء السياسي والقمع العنيف، تعزز التضامن حول القيادة المحلية والسرديات الوطنية [26, 27, 29]. كما تعمل المؤسسات التعليمية والدينية وشبكات المجتمع المدني على ترسيخ الهوية الإقليمية، بينما يقوي النزوح الناتج عن الصراع المسلح والمجاعة التماسك المجتمعي ضد السلطة المركزية [26, 27, 28, 29].

تعد التأثيرات الإقليمية عاملًا حاسمًا في استمرار الصراع المحتمل [16, 17, 18]. إذ تلعب الدول المجاورة، بما في ذلك تشاد وجنوب السودان، أدوارًا مزدوجة من خلال توفير الملاذ، ودعم الجماعات المتمردة، أو الوساطة في مبادرات السلام [16, 17]. كما تعزز الشبكات العرقية والعائلية العابرة للحدود التعبئة المحلية، في حين تشكل التنافسات والمصالح الاستراتيجية الإقليمية استجابة الخرطوم والمشاركة الدولية [16, 17, 18].

كان التدخل الدولي مهمًا لكنه محدود [17, 18]. سعت بعثة الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة المشتركة في دارفور (UNAMID)، إلى جانب ملاحقات المحكمة الجنائية الدولية للقادة السودانيين الرئيسيين، إلى الحد من العنف ومحاسبة المسؤولين [18]. ورغم هذه الجهود، يظل استمرار انعدام الأمن وضعف الحكم، وتقييد الوصول الإنساني، عوامل مواتية للتفكك المحتمل [17, 18]. كما شارك الفاعلون الدوليون بحذر لتحقيق توازن بين سيادة الدولة والالتزامات بحقوق الإنسان، إلا أن التنفيذ الفعّال ظل محدودًا [18, 17].

تشمل عوامل الخطر للتفكك [12, 13, 16, 17, 26, 27, 28, 29]: استمرار التهميش والإقصاء من العمليات السياسية، التنافس على الموارد، خصوصًا الأراضي والمياه، ضعف قدرة الدولة على توفير الأمن والخدمات، النزاعات بالوكالة الإقليمية ودعم المتمردين عبر الحدود، ومحدودية الاهتمام الدولي بسبب أولويات عالمية متنافسة. وتظهر حلقات التغذية الراجعة أن العنف يعزز التضامن العرقي، ويستمر التسلح في زيادة انعدام الأمن، ويقلل ضعف الحكم من الحوافز للتسوية [26, 27, 28, 29].

تترتب عواقب التفكك المحتمل على نطاق واسع [16, 17, 26, 27, 28, 29]. فإذا انفصلت دارفور أو جنوب كردفان، سيواجه السودان فقدان الأراضي، وتعطيل بعض عائدات الموارد، ونزوح السكان، وزيادة عدم الاستقرار الإقليمي. كما قد تشهد الدول المجاورة تدفقات للاجئين ونشاطات مسلحة عبر الحدود، مع تأثير كبير على ديناميات التجارة والأمن الإقليمي. وقد تتفاقم الأزمات الإنسانية، مما يزيد التحديات الاقتصادية والاجتماعية [28, 29]. كما تسلط تجربة انفصال جنوب السودان الضوء على أهمية إدارة النزاعات الوقائية، وتوزيع الموارد بشكل عادل، وتعزيز الحكم الشامل لمنع التفكك المزعزع للاستقرار [12, 13, 26, 27, 28, 29].

توضح هذه الحالة أن التنازل الإقليمي ليس حدثًا تاريخيًا فحسب، بل يظل خطرًا ديناميكيًا قائمًا، يتشكل من تفاعل التهميش الداخلي، وندرة الموارد، والتعبئة العرقية، والجغرافيا السياسية الإقليمية، والتدخل الدولي [16, 17, 26, 27, 28, 29]. وتتطلب استراتيجيات الوقاية الفعّالة معالجة الأسباب الجذرية للمظالم، وتعزيز الحكم المحلي، ودمج أطر الوساطة الإقليمية والدولية [16, 17, 18, 26, 27, 28, 29].

النقاش المقارن للتنازلات الإقليمية والتفكك المحتمل في السياقات السودانية والإثيوبية

يمثل التنازل الإقليمي والتفكك في مناطق القرن الأفريقي ووادي النيل تفاعلًا معقدًا بين المظالم التاريخية، المركزية السياسية، التنافس على الموارد، التعبئة الإثنية أو العرقية، والتدخل الدولي. توضح حالات مصر-السودان (1952–1956) [1, 7, 8, 9, 20]، إثيوبيا-إريتريا (1961–1993) [2, 3, 4, 6]، السودان-جنوب السودان (1983–2011) [11, 12, 13]، والتفكك المحتمل في دارفور وجنوب كردفان [16, 17, 18, 26, 27, 28, 29] أنماطًا متكررة من الديناميات الداخلية والإقليمية والدولية، مع اختلاف السياق والمدة، وتقدم رؤى حول كيفية تفاعل العوامل المختلفة لتشكيل النتائج الإقليمية.

الأسباب والديناميات الداخلية

تشترك جميع الحالات في أن التهميش السياسي الداخلي والتمييز الثقافي أو الإثني كانا محركين أساسيين للفصل الإقليمي. ففي مصر-السودان، لعبت الأحزاب الوطنية السودانية مثل حزب الأمة والحزب الوطني الاتحادي دورًا في الضغط على السلطة المصرية من أجل الاستقلال السياسي، دون وجود ميليشيات مسلحة [7, 8, 9, 20]. أما إثيوبيا-إريتريا، فقد شهدت مقاومة السكان الناطقين بالتغرينية لمركزية هايل سيلاسي وسياساته، إلى جانب تهميش الموارد الاقتصادية [2, 3, 4, 6]. في السودان-جنوب السودان، أدى الإقصاء السياسي المستمر وفرض الشريعة وتفاوت توزيع الموارد إلى ظهور مقاومة مسلحة بقيادة الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان (SPLA/M) [11, 12, 13]. أما في دارفور وجنوب كردفان، فقد استمر تهميش السكان المحليين واستغلال التنوع الإثني من قبل الحركات المسلحة المحلية مثل حركة/جيش تحرير السودان-دارفور (SLM/A)، وحركة العدل والمساواة (JEM)، وحركة SPLM-N للمطالبة بالحكم الذاتي أو الانفصال [16, 17, 18, 26, 27, 28, 29].

العوامل الاقتصادية والموارد

شكلت السيطرة على الموارد الاستراتيجية عاملًا مشتركًا في جميع الحالات. ففي مصر-السودان، كانت موارد النيل والأراضي الزراعية محور التفاوض [1, 7, 8, 9, 20]. أما في إريتريا، فكانت الموانئ الإريترية، الأراضي الخصبة، والموارد المعدنية مثل الذهب والنحاس نقاط توتر مع إثيوبيا [2, 3, 4, 6]. جنوب السودان امتلك معظم احتياطيات النفط، وهو ما شكل أساسًا للمساومات السياسية والاقتصادية مع الخرطوم [11, 12, 13]. في دارفور وجنوب كردفان، توجد أراضٍ خصبة وموارد حيوانية وخطوط أنابيب النفط، مما يخلق نقاط توتر محتملة للتفكك المستقبلي [16, 17, 18, 26, 27, 28, 29]. أدت ندرة الموارد والتوزيع غير العادل إلى تفاقم التوترات الداخلية وتحفيز المطالب بالانفصال أو الحكم الذاتي.

الديناميات العسكرية والمسلحة

لعبت التعبئة المسلحة أدوارًا متفاوتة بحسب السياق. في مصر-السودان، لم توجد ميليشيات مستقلة تسعى للاستقلال عن مصر، وتركز النشاط السياسي على الأحزاب والمدن [7, 8, 9, 20]. في إثيوبيا-إريتريا، تطورت حرب عصابات طويلة مع تنظيمات مثل ELF وEPLF [2, 3, 4, 6]. في السودان-جنوب السودان، استخدمت حركة SPLA/M تكتيكات حرب العصابات مع المفاوضات السياسية لعدة عقود [11, 12, 13]. أما في دارفور وجنوب كردفان، فقد استمرت المجموعات المسلحة المحلية، حيث ساهمت النزاعات المستمرة وعسكرة المجتمعات في تعميق المخاطر الانفصالية [16, 17, 18, 26, 27, 28, 29].

السياق الإقليمي والتأثير الخارجي

شكلت الديناميات الإقليمية عاملًا مهمًا لكل حالة. في مصر-السودان، لم تدعم أي دولة عربية استقلال السودان رسميًا، بينما ساعد التوازن الإقليمي لمصر على التعامل مع التفاوض [7, 8, 9, 20]. في إثيوبيا-إريتريا، وفرت السودان وجيبوتي ملاذًا ودعمًا لوجستيًا لحركات التحرير الإريترية [2, 3, 5]. جنوب السودان استفاد من دعم أوغندا وكينيا وإثيوبيا، بما في ذلك تسهيل المفاوضات [11, 12, 13]. أما دارفور وجنوب كردفان، فقد كانت هناك تعقيدات إقليمية تشمل الشبكات العرقية العابرة للحدود ودعم الحركات المسلحة [16, 17, 18].

السياق الدولي

لعب الإشراف الدولي والضغط الدبلوماسي دورًا مهمًا، وإن كان محدودًا في بعض الحالات. شمل ذلك إشراف الأمم المتحدة والمراقبة الأمريكية لمصر-السودان [1, 7, 8, 9, 20]، الوساطة الدولية ودعم القوى الغربية لإريتريا [2, 3, 5, 6]، تسهيل IGAD والترويكا لاستفتاء جنوب السودان [11, 12, 13]، ومهمة UNAMID وملاحقات المحكمة الجنائية الدولية في دارفور وجنوب كردفان [16, 17, 18].

عوامل الخطر وحلقات التغذية الراجعة

تشمل العوامل المشتركة: الإقصاء السياسي، التعبئة الإثنية أو العرقية، التنافس على الموارد، ضعف الحكم، عسكرة المجتمع، والتدخل الإقليمي. تتولد حلقات تغذية راجعة حيث يعزز القمع المقاومة، ويؤدي التهميش الاقتصادي إلى التعبئة القائمة على الهوية، ويزيد الدعم الإقليمي من قوة الحركات الانفصالية [1, 2, 3, 4, 11, 12, 13, 16, 17, 26, 27, 28, 29].

الجداول الزمنية وأنماط السبب والنتيجة

تمثل مصر-السودان حالة مبكرة للتنازل المتفاوض عليه (1952–1956) [1, 7, 8, 9, 20]، بينما شهدت إثيوبيا-إريتريا صراعًا طويلًا (1961–1993) [2, 3, 4, 6]، وامتدت حرب السودان-جنوب السودان لعقود (1983–2011) [11, 12, 13]، بينما تظل دارفور وجنوب كردفان احتمالات تفكك مستقبلية [16, 17, 18, 26, 27, 28, 29]. الأنماط السببية المشتركة هي:
الإقصاء الداخلي + التنافس على الموارد + التعبئة الإثنية/الهوية + ضعف الحكم + التدخل الإقليمي/الدولي → التنازل أو الانفصال الإقليمي.

العواقب والتأثيرات

استراتيجية: فقدان العمق الإقليمي والقدرة على التحكم في الموارد الحيوية [1, 2, 3, 4, 7, 8, 9, 11, 12, 13, 20].

اقتصادية: خسارة الإيرادات الوطنية وتحديات إعادة التوزيع [1, 2, 3, 4, 11, 12, 13, 26, 27, 28, 29].

سياسية: ظهور هياكل حكم جديدة وآليات لحل النزاعات الدولية [1, 2, 3, 4, 11, 12, 13].

اجتماعية: نزوح السكان، واستقطاب إثني، وتعزيز سرديات الهوية [16, 17, 26, 27, 28, 29].

إقليمية: عدم استقرار عابر للحدود، أزمات اللاجئين، وتحولات دبلوماسية [11, 12, 13, 16, 17, 18, 26, 27, 28, 29].

دولية: وضع سوابق للاستفتاءات المنظمة من قبل الأمم المتحدة، تحديات شرعية، وإعادة التوازن الجيوسياسي [1, 2, 3, 6, 11, 12, 13].

الدروس والتوصيات

  1. الحكم الشامل:
    ينبغي دمج المناطق الطرفية سياسيًا، واقتصاديًا، واجتماعيًا لتقليل ضغوط الانفصال وتعزيز الاستقرار الإقليمي [1, 7, 8, 9, 20]. يساهم هذا الدمج في تعزيز الشرعية الوطنية وتقوية المؤسسات المركزية دون استبعاد المجتمعات المحلية.
  2. توزيع الموارد العادل:
    توزيع الموارد بشكل عادل يقلل المظالم الاقتصادية ويحد من احتمال اللجوء إلى المقاومة المسلحة [2, 3, 4, 11, 12, 13, 26, 27, 28, 29]. يشمل ذلك الموارد الطبيعية، الإيرادات، والخدمات الأساسية، مع مراعاة احتياجات كل منطقة.
  3. الاعتراف الثقافي والإثني:
    احترام التنوع الإثني والديني يعزز التماسك الوطني ويحد من الصراعات القائمة على الهوية [2, 3, 4, 26, 27]. يشمل ذلك الاعتراف باللغات المحلية، الممارسات الدينية، والعادات الثقافية في صياغة السياسات العامة.
  4. الوساطة الإقليمية:
    يلعب نفوذ الدول المجاورة دورًا مهمًا في منع أو تأجيل الانفصال [11, 12, 13, 16, 17]. يمكن للوساطة الإقليمية أن توفر ملاذًا، دعمًا دبلوماسيًا، أو تسهيلات للتفاوض بين الأطراف المتنازعة.
  5. الإشراف الدولي:
    تمثل قدرة الأمم المتحدة والفاعلين الدوليين على متابعة التنفيذ وضمان الالتزام بالتفاهمات عاملاً أساسيًا في تعزيز السلام والاستقرار [1, 6, 11, 12, 13, 18]. يشمل ذلك مراقبة الانتخابات، الاستفتاءات، وتنفيذ اتفاقيات السلام.
  6. منع النزاعات المبكر:
    التدخل المبكر في المناطق المهمشة يقلل من احتمالية الصراع الطويل وخسارة الأراضي [2, 3, 11, 12, 13, 16, 17, 26, 27]. ويشمل ذلك الدعم التنموي، تعزيز الأمن المحلي، وحل النزاعات الإقليمية قبل تفاقمها.
  7. تقييم المخاطر الشامل:
    يعد تحديد حلقات التغذية الراجعة والتصعيد المحتمل، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية خطوة ضرورية لتطوير استراتيجيات وقائية. يتيح هذا الحفاظ على الوحدة الإقليمية ومعالجة مظالم السكان المحليين بفعالية [1, 2, 3, 4, 11, 12, 13, 16, 17, 26, 27, 28, 29].

المراجع

English

  1. Foreign Office Records. FO 371/96834. London: The National Archives; 1952–1953.
  2. Iyob R. The Eritrean Struggle for Independence: Domination, Resistance, Nationalism 1941–1993. Cambridge: Cambridge University Press; 1995.
  3. Connell D. Against All Odds: A Chronicle of the Eritrean Revolution. Trenton: Red Sea Press; 1997.
  4. Markakis J. Eritrea: The Struggle for Independence and Beyond. London: Spokesman; 1998.
  5. Cohen H. Intervening in Africa: Superpower Peacemaking in a Troubled Continent. London: Macmillan; 2000.
  6. United Nations General Assembly. Question of Eritrea. A/46/511. New York: UN; 1991.
  7. Khalid M. War and Peace in Sudan: A Tale of Two Countries. London: Kegan Paul; 2003.
  8. Collins R. A History of Modern Sudan. Cambridge: Cambridge University Press; 2008.
  9. Holt P, Daly M. A History of the Sudan: From the Coming of Islam to the Present Day. London: Routledge; 2000.
  10. de Waal A. War in Sudan: Continuity and Change in Conflict. London: Hurst; 2007.
  11. Rolandsen Ø. Liberation and Fragmentation: The Sudanese Civil Wars and the Making of South Sudan. London: Hurst; 2011.
  12. Johnson DH. The Root Causes of Sudan’s Civil Wars. 2nd ed. Bloomington: Indiana University Press; 2011.
  13. Young J. The Fate of Sudan: Origins and Consequences of a Flawed Peace Process. London: Zed Books; 2012.
  14. African Studies Centre. Sudanese Nationalist Movements and the Road to Independence. Leiden: ASC; 1999.
  15. de Waal A. War in Darfur and the Search for Peace. Cambridge: Harvard University Press; 2007.
  16. Rolandsen Ø. Sudan’s Periphery Conflicts: Nuba and Darfur. London: Hurst; 2011.
  17. International Crisis Group. Sudan’s Spreading Conflicts: Darfur and South Kordofan. Brussels: ICG; 2010.
  18. United Nations Security Council. Report of UNAMID on Darfur. New York: UN; 2019.
  19. United Nations General Assembly. Report of the Secretary-General on Sudanese Independence. New York: UN; 1954.
  20. Warburg G. Political Dynamics in Northern Sudan 1945–1956. London: Oxford University Press; 1973.

Arabic

  1. محمد نجيب. كنت رئيسًا لمصر. القاهرة: دار المستقبل؛ 1984.
  2. خالد محيي الدين. الآن أتكلم. القاهرة: دار المستقبل؛ 1992.
  3. عبد العظيم رمضان. تطور الحركة الوطنية في مصر والسودان. القاهرة: دار المعارف؛ 1968.
  4. منصور خالد. السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام – قصة بلدين. بيروت: دار النهار؛ 2003.
  5. عبد الوهاب الأفندي. الثورة والإصلاح السياسي في السودان. القاهرة: مركز الأهرام؛ 2011.
  6. محمد عبد الرحمن. دارفور: الحرب والهوية والسياسة. الخرطوم: دار الكتب الوطنية؛ 2008.
  7. علي عثمان. جنوب كردفان: الصراع والإدارة المحلية. القاهرة: دار النهار؛ 2010.
  8. مصطفى الطاهر. التهجير والنزوح في السودان. الخرطوم: دار السلام؛ 2011.
  9. عبد الرحيم محمد صالح. حرب الجنوب في السودان: التحولات والصراعات. الخرطوم: دار الكتب الوطنية؛ 2006.
  10. علي عبد الله. الوحدة والانفصال في السودان: دراسات سياسية. الخرطوم: دار السلام؛ 2011.
  11. مصطفى الطاهر. السودان بعد الحرب: تجربة جنوب السودان. القاهرة: دار المعارف؛ 2010.

عن د. عبد المنعم مختار

د. عبد المنعم مختار

شاهد أيضاً

العلاقات المصرية السودانية: دراسة تحليلية شاملة في التاريخ والسياسة والاقتصاد والثقافة والدين وآفاق التعاون الاستراتيجي

العلاقات المصرية السودانية: دراسة تحليلية شاملة في التاريخ والسياسة والاقتصاد والثقافة والدين وآفاق التعاون الاستراتيجي …