الجنوح إلى السلم الكيزاني
فيصل بسمة
10 August, 2024
10 August, 2024
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
في إجابة لمسئولة في: تنظيم الحركة الإسلامية و المؤتمر الوطني و سلطة نظام الإنقاذ المنحل (جماعة الإخوان المسلمين السودانية/الكيزان) على سؤال المذيع/المحاور في قناة الجزيرة مباشر القطرية فيما يخص الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان و إمكانية الجلوس و التفاوض مع حِمِيدتِي قآئد مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) الذي تمرد على حكومة اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) مارست المسئولة الطريقة الكيزانية المعهودة في الردود و الكتابة و الخطابة التي تعتمد على الكذب و الخداع و التدليس فردت قآئلة في ثقةٍ و تعالٍ:
(... نِحنَا في حِتَات معينة نَصِّيُّون... و إن جنحوا للسلم فاجنح لها... و إن جنحوا للسلم فما الذي يمنع أن نجلس معهم...)
ثم أضافت المسئولة من بعد أن أصلحت من جلستها لتأكيد النبرة/اللهجة السلطوية:
(... نَحنُ ملزمون... ملزمون نَصّاً... و إن جنحوا للسلم فاجنح لها... و الآن نِحنَا نتحرك بِنَّصّ...)
و هكذا و ببساطة وضعت المسئولة الجماعة (الكيزان) في جانب الفريق المُحِق الوصي الحآدب على مصلحة البلاد و العباد و جعلت الآخرين في خانة الخآئنين المعتدين ، فنحنا/نحن المقصود بها الجماعة المتأسلمة (الحركة الإسلامية/الكيزان) ، و النَّصُّ المعني هنا هو النَّصُّ القرءاني ، و ضمير الجمع في (إن جنحوا) يعود إلى مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) المتمردة ، أما السلم فيعني حسب النص الكيزاني: المفاوضات التي تضمن إحكام سيطرة الجماعة على الحكم و السلطات و جميع مفاصل الدولة من جديد و إعادة ما ضاع من أصول و ممتلكات و عدم تعرض عضوية الجماعة إلى المسآءلة و المحاسبة و العقاب على ما إرتكبته من التجاوزات و الفساد و الجرآئم...
و الملفت للنظر و الإنتباه في ذلك الحوار المثير كثير لكن مختصره في: الصلف و إدعآء المعرفة و إمتلاك/إحتكار كل الحقيقة و الأحقية في الحكم و خلافة الله في الأرض و الوصاية و الإستعلآء و الكذب و النفاق المتسربلين بالغطآء الديني و لوي عنق الحقيقة و التنصل من المواقف السابقة و نفي الآخر المعارض و المخالف للرأي و التقليل من شأنه و تكفيره و تصنيفه ”شرعياً“ و بما يروق للجماعة ، و لكن ما جذب الإنتباه قولان:
نِحنَا في حِتَات معينة نَصِّيِّون...
و
و الآن نِحنَا نتحرك بِنَّصّ...
فهل هذا يعني أن الكيزان أفراداً و تنظيم (أحياناً) يتحركون بِنَّصّ و أنهم في ”حتات معينة“ يتجاهلون النَّصّ و يتحركون بدونه؟!!! ، و يبدوا أن الأمر هو كذلك ، فكل الشواهد و الوقآئع و الممارسات و النتآئج تدل على أن الجماعة تتعامل مع القرءان الكريم و النصوص و الدين عموماً بأخذ ما يخدم مصالحهم و ترك/تجاهل/تغافل كل ما يتعارض مع أهدافهم مع إيجاد المبررات و المسوغات ”الشرعية“ لما أقدموا عليه أو أحجموا عنه عن طريق القياس و الإجتهاد!!! ، و مرجعيتهم في ذلك هي كتاب الأمير!!!...
و القول بأن الجماعة ”نَصِّيَّة“ يثير العديد من التسآؤلات ، فأين كان الإلتزام بالنصوص خلال عقود حكم الجماعة لبلاد السودان؟ ، و أين سجل إنجازات الجماعة ”النَّصِّيَّة“ في: نشر و تبليغ الدين الصحيح و محاربة الفقر و الظلم و الفساد و في عمارة الأرض و بسط الأمن و ضمان السلم و الإستقرار و إحقاق العدل و السعي في خير العباد و تسهيل أمور حياتهم و معايشعم و في حفظ حقوقهم و إحترام إنسانيتهم و في صون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق؟ ، و أين؟... و أين؟... و أين؟...
و يبدوا أن المسئولة ، و التنظيم ، قد راق لهم تصنيف صنيعتهم المتمرد حِمِيدِتِي و مليشياته الباطشة في خانة الكفر بعد ”خروجه“ عليهم!!! ، فجملة (وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا) قد وردت في آية في سورة الأنفال في سياق قتال الكافرين أعدآء الله و أعدآء المؤمنين:
{ وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ سَبَقُوۤا۟ۚ إِنَّهُمۡ لَا یُعۡجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ (٦٠) وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ (٦١) وَإِن یُرِیدُوۤا۟ أَن یَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَیَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِینَ (٦٢) }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٥٩-٦٢]
و ليس بالغريب أو المستبعد على الجماعة المتأسلمة (الكيزان) الإتجار بالدين و إستغلاله و ممارسة الدجل الديني و الإختصار و الإبتسار و جعل القرءان عضين ، فالجماعة في تعاملها مع خصومها السياسيين قد درجت على الجنوح إلى إحتكار المعتقد/الإعتقاد و الإيمان و التسليم لله سبحانه و تعالى لأعضآءها و نفيها عن المعارضين و المخالفين لفكرهم و المنتقدين لأرآءهم و سلوكهم غير القويم ، و لذا تجد الكيزان يعتمدون/يتعمدون وضع و تصنيف المعارضين و المخالفين لهم في خانة الكفر و الإسراع في إصدار (نَجر) الفتاوى ، المسنودة بالنص القرءاني و السنة ، التي تبيح و تحلل اللجوء إلى العنف و إلحاق الأذى و التصفية الجسدية الشرعية للخصوم المعارضين كما يشهد لهم بذلك تأريخهم السياسي و الإجتماعي الزاخرين بالعنف و الأحداث الجسام...
و لقد شهدت الساحات السياسية و الإجتماعية في بلاد السودان ، مراراً و تكراراً ، إستدلال الكيزان بالآية رقم ستين (٦٠) من سورة الأنفال في أزمنة الصراعات السياسية إبان الحقب الدراسية المختلفة في المدارس الثانوية و المعاهد و الجامعات و في الصراعات على السيطرة على الإتحادات و النقابات و عند الإنتخابات و في محافل أخرى كثيرة ، و كيف أن الإستدلال كان طابعه الجهل بالمعاني و المقاصد و السياق ، و أنه قد صاحبه في كثير من الأحيان أحداث جسيمة و عواقب قاتلة و وخيمة ، ثم توالت الإستدلالات بذات الآية و آيات أخرى مماثلة و العنف المصاحب و لكن بصورة أكثر كثافةً و دموية خلال عقود حكم الجماعة (الكيزان) لبلاد السودان في عهد نظام الإنقاذ البآئد و إمتداده المتمثل في نظام اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة التي إستولت على السلطة و الحكم بقوة السلاح و فرضت نفسها على الواقع العسكري و الأمني و السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي في الوقت الحاضر...
و ربما تعلم المسئولة و جماعتها أن هنالك من آيات القرءان الكريم ما يناسب و يخاطب الوضع السياسي/العسكري/الأمني الحالي في بلاد السودان بصورة أكثر واقعية ، و ربما كان الأجدر بالمسئولة الإستدلال بها مثل:
{ وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ (٩) إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَ أَخَوَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (١٠) }
[سُورَةُ الحُجُرَاتِ: ٩-١٠]
و يلاحظ أن هذا النص القرءاني في إقتراحاته المتعددة للحل إبتدر الخيارات بخيار الصلح بين الطآئفتين المؤمنتين المتقاتلتين و لم ينصح باللجوء إلى القتال إلا في حالة البغي ، و حتى بعد اللجوء إلى قتال الطآئفة المؤمنة الباغية فقد أمر الله سبحانه وتعالى بإستخدام و إعمال أليات العدل و القسط إن فآءت الطآئفة الباغية...
و يبدوا أن الإشكالية تكمن في أن الكثيرين من المراقبين و المحايدين و الوسطآء المهتمين بالشأن السوداني يعلمون بواطن الأمور و يصنفون الجماعة (الكيزان) و لجنتهم الأمنية و حكومة الأمر الواقع في خانة الطآئفة الباغية و كذلك الحال مع مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع)!!! ، و قد دلت الشواهد على أن الكثير من الوسطآء قد سعوا حثيثاً في أمر وقف إطلاق النار و الحرب و تفعيل الصلح و بصورة جآدة و لكنهم جميعهم قد وُجِهُوا بالتعنت و الممانعات و العراقيل و العقبات العديدة ، فإحدى الطآئفتين المتقاتلتين تدعو إلى مواصلة الحرب و البَل و الجَغِم و المَتِك و الشَّفشَفَة مستعينة في ذلك بالأمن و الجن و قُوقُو و التكبير و سلاح الدعآء!!! ، بينما تدعي الأخرى حرصها على السلم و مدنية الدولة و في ذات الوقت تمارس الإغارات على المواطنين ”المدنيين“ العزل و التخريب و الإعتدآءات و الترويع و التقتيل و الشَّفشَفَة مستعينة بالأوامر الربانية و الرَّبَّاطَة و الغَنَّامَة من فصآئل الأشاوس و المرتزقة الذين يرطبون ألسنتهم بالتكبير و دمآء الضحايا!!!...
و يبدوا أن الإشكالية العظمى تكمن في تفعيل خيار (فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ) فالمراقبون و المحايدون و الوسطآء السودانيون يعلمون أن الطآئفتين باغيتان ، لكنهم لا يمتلكون أدوات القتل و لا المقدرة أو الرغبة في قتالهما ، كما أن ليس لديهم الأليات التي توقف الحرب و تفرض التفاوض و حل الأزمة و الصلح ، أما القوى الإقليمية و الدولية التي تمتلك الأليات و القوة و المقدرة على إيقاف القتال و فرض و تفعيل عمليات/طاولات المفاوضات و الصلح عن طريق الضغوطات و الإغرآءات أو عن طريق قوة السلاح و القتال فيبدوا أن الأزمة السودانية ليست في قآئمة أولوياتها و إهتماماتها و أن وقف القتال و الحرب ربما لا يخدم مصالحها في الوقت الحاضر ، كما أنه من العسير التأكد من حيادية تلك القوى و نفي الغرض و المصلحة عن مساعيها و تداخلاتها في الشأن السوداني ، و من الجانب الآخر فأنه من الصعب تصنيف بعض من تلك القوى في خانتي: الإخوة أو الإيمان إستناداً إلى النص الكيزاني!!!...
إحتمال تغلب أحد الطآئفتين الباغيتين على الأخرى في الحرب ضئيل و كذلك إحتمال الوصول إلى إعلان أو إتفاق لوقف القتال و الحرب و حل الأزمة عن طريق التفاوض المباشر أو من خلال الوسطآء ، و يبدوا أن الرهان الآن ينصب على الحل عن طريق الإرهاق الذي أصاب أو سوف يصيب الطآئفتين الباغيتين المتقاتلتين و من يساندهما/يسندهما و يقف من ورآءهما ، خصوصاً و أن هنالك الكثير من الإرهاصات و الشواهد و الدلآئل التي تشير إلى ذلك و إلى أن الكثيرين من المسيئين/المجرمين الوالغين في الشأن السوداني سوف يلوذون بالفرار ، بسبب العجز و الفشل و أن المسألة قد (وصلت حدها) و تحاشياً للعقاب الذي سوف يطال الرقاب (بالسكاكين المسنونة) و الإمتيازات و المصالح ، و إن حدث ذلك الفراغ فسوف تكون تلك فرصة عظيمة تتاح مرة أخرى لقطاعات عريضة من الشعوب السودانية ، من أصحاب المصلحة الحقيقية في إستمرار الثورة السودانية ، في العودة إلى الساحة السياسية و ملء الفراغ و فرض شروطهم و أجندتهم و (شرعيتهم الثورية) على الأوضاع السياسية و الدستورية و الإقتصادية و الإجتماعية و بما يخدم و يضمن إحداث التغيير المطلوب و تأسيس الدولة السودانية الجديدة التي ترتكز إلى القانون و العدل و المؤسسية...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
في إجابة لمسئولة في: تنظيم الحركة الإسلامية و المؤتمر الوطني و سلطة نظام الإنقاذ المنحل (جماعة الإخوان المسلمين السودانية/الكيزان) على سؤال المذيع/المحاور في قناة الجزيرة مباشر القطرية فيما يخص الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان و إمكانية الجلوس و التفاوض مع حِمِيدتِي قآئد مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) الذي تمرد على حكومة اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) مارست المسئولة الطريقة الكيزانية المعهودة في الردود و الكتابة و الخطابة التي تعتمد على الكذب و الخداع و التدليس فردت قآئلة في ثقةٍ و تعالٍ:
(... نِحنَا في حِتَات معينة نَصِّيُّون... و إن جنحوا للسلم فاجنح لها... و إن جنحوا للسلم فما الذي يمنع أن نجلس معهم...)
ثم أضافت المسئولة من بعد أن أصلحت من جلستها لتأكيد النبرة/اللهجة السلطوية:
(... نَحنُ ملزمون... ملزمون نَصّاً... و إن جنحوا للسلم فاجنح لها... و الآن نِحنَا نتحرك بِنَّصّ...)
و هكذا و ببساطة وضعت المسئولة الجماعة (الكيزان) في جانب الفريق المُحِق الوصي الحآدب على مصلحة البلاد و العباد و جعلت الآخرين في خانة الخآئنين المعتدين ، فنحنا/نحن المقصود بها الجماعة المتأسلمة (الحركة الإسلامية/الكيزان) ، و النَّصُّ المعني هنا هو النَّصُّ القرءاني ، و ضمير الجمع في (إن جنحوا) يعود إلى مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) المتمردة ، أما السلم فيعني حسب النص الكيزاني: المفاوضات التي تضمن إحكام سيطرة الجماعة على الحكم و السلطات و جميع مفاصل الدولة من جديد و إعادة ما ضاع من أصول و ممتلكات و عدم تعرض عضوية الجماعة إلى المسآءلة و المحاسبة و العقاب على ما إرتكبته من التجاوزات و الفساد و الجرآئم...
و الملفت للنظر و الإنتباه في ذلك الحوار المثير كثير لكن مختصره في: الصلف و إدعآء المعرفة و إمتلاك/إحتكار كل الحقيقة و الأحقية في الحكم و خلافة الله في الأرض و الوصاية و الإستعلآء و الكذب و النفاق المتسربلين بالغطآء الديني و لوي عنق الحقيقة و التنصل من المواقف السابقة و نفي الآخر المعارض و المخالف للرأي و التقليل من شأنه و تكفيره و تصنيفه ”شرعياً“ و بما يروق للجماعة ، و لكن ما جذب الإنتباه قولان:
نِحنَا في حِتَات معينة نَصِّيِّون...
و
و الآن نِحنَا نتحرك بِنَّصّ...
فهل هذا يعني أن الكيزان أفراداً و تنظيم (أحياناً) يتحركون بِنَّصّ و أنهم في ”حتات معينة“ يتجاهلون النَّصّ و يتحركون بدونه؟!!! ، و يبدوا أن الأمر هو كذلك ، فكل الشواهد و الوقآئع و الممارسات و النتآئج تدل على أن الجماعة تتعامل مع القرءان الكريم و النصوص و الدين عموماً بأخذ ما يخدم مصالحهم و ترك/تجاهل/تغافل كل ما يتعارض مع أهدافهم مع إيجاد المبررات و المسوغات ”الشرعية“ لما أقدموا عليه أو أحجموا عنه عن طريق القياس و الإجتهاد!!! ، و مرجعيتهم في ذلك هي كتاب الأمير!!!...
و القول بأن الجماعة ”نَصِّيَّة“ يثير العديد من التسآؤلات ، فأين كان الإلتزام بالنصوص خلال عقود حكم الجماعة لبلاد السودان؟ ، و أين سجل إنجازات الجماعة ”النَّصِّيَّة“ في: نشر و تبليغ الدين الصحيح و محاربة الفقر و الظلم و الفساد و في عمارة الأرض و بسط الأمن و ضمان السلم و الإستقرار و إحقاق العدل و السعي في خير العباد و تسهيل أمور حياتهم و معايشعم و في حفظ حقوقهم و إحترام إنسانيتهم و في صون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق؟ ، و أين؟... و أين؟... و أين؟...
و يبدوا أن المسئولة ، و التنظيم ، قد راق لهم تصنيف صنيعتهم المتمرد حِمِيدِتِي و مليشياته الباطشة في خانة الكفر بعد ”خروجه“ عليهم!!! ، فجملة (وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا) قد وردت في آية في سورة الأنفال في سياق قتال الكافرين أعدآء الله و أعدآء المؤمنين:
{ وَلَا یَحۡسَبَنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ سَبَقُوۤا۟ۚ إِنَّهُمۡ لَا یُعۡجِزُونَ (٥٩) وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُونَ (٦٠) وَإِن جَنَحُوا۟ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا وَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِیعُ ٱلۡعَلِیمُ (٦١) وَإِن یُرِیدُوۤا۟ أَن یَخۡدَعُوكَ فَإِنَّ حَسۡبَكَ ٱللَّهُۚ هُوَ ٱلَّذِیۤ أَیَّدَكَ بِنَصۡرِهِۦ وَبِٱلۡمُؤۡمِنِینَ (٦٢) }
[سُورَةُ الأَنفَالِ: ٥٩-٦٢]
و ليس بالغريب أو المستبعد على الجماعة المتأسلمة (الكيزان) الإتجار بالدين و إستغلاله و ممارسة الدجل الديني و الإختصار و الإبتسار و جعل القرءان عضين ، فالجماعة في تعاملها مع خصومها السياسيين قد درجت على الجنوح إلى إحتكار المعتقد/الإعتقاد و الإيمان و التسليم لله سبحانه و تعالى لأعضآءها و نفيها عن المعارضين و المخالفين لفكرهم و المنتقدين لأرآءهم و سلوكهم غير القويم ، و لذا تجد الكيزان يعتمدون/يتعمدون وضع و تصنيف المعارضين و المخالفين لهم في خانة الكفر و الإسراع في إصدار (نَجر) الفتاوى ، المسنودة بالنص القرءاني و السنة ، التي تبيح و تحلل اللجوء إلى العنف و إلحاق الأذى و التصفية الجسدية الشرعية للخصوم المعارضين كما يشهد لهم بذلك تأريخهم السياسي و الإجتماعي الزاخرين بالعنف و الأحداث الجسام...
و لقد شهدت الساحات السياسية و الإجتماعية في بلاد السودان ، مراراً و تكراراً ، إستدلال الكيزان بالآية رقم ستين (٦٠) من سورة الأنفال في أزمنة الصراعات السياسية إبان الحقب الدراسية المختلفة في المدارس الثانوية و المعاهد و الجامعات و في الصراعات على السيطرة على الإتحادات و النقابات و عند الإنتخابات و في محافل أخرى كثيرة ، و كيف أن الإستدلال كان طابعه الجهل بالمعاني و المقاصد و السياق ، و أنه قد صاحبه في كثير من الأحيان أحداث جسيمة و عواقب قاتلة و وخيمة ، ثم توالت الإستدلالات بذات الآية و آيات أخرى مماثلة و العنف المصاحب و لكن بصورة أكثر كثافةً و دموية خلال عقود حكم الجماعة (الكيزان) لبلاد السودان في عهد نظام الإنقاذ البآئد و إمتداده المتمثل في نظام اللجنة الأمنية العليا لنظام الجماعة الإنقاذية المتأسلمة التي إستولت على السلطة و الحكم بقوة السلاح و فرضت نفسها على الواقع العسكري و الأمني و السياسي و الإقتصادي و الإجتماعي في الوقت الحاضر...
و ربما تعلم المسئولة و جماعتها أن هنالك من آيات القرءان الكريم ما يناسب و يخاطب الوضع السياسي/العسكري/الأمني الحالي في بلاد السودان بصورة أكثر واقعية ، و ربما كان الأجدر بالمسئولة الإستدلال بها مثل:
{ وَإِن طَاۤىِٕفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِینَ ٱقۡتَتَلُوا۟ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ فَإِن فَاۤءَتۡ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوۤا۟ۖ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِینَ (٩) إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةࣱ فَأَصۡلِحُوا۟ بَیۡنَ أَخَوَیۡكُمۡۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ (١٠) }
[سُورَةُ الحُجُرَاتِ: ٩-١٠]
و يلاحظ أن هذا النص القرءاني في إقتراحاته المتعددة للحل إبتدر الخيارات بخيار الصلح بين الطآئفتين المؤمنتين المتقاتلتين و لم ينصح باللجوء إلى القتال إلا في حالة البغي ، و حتى بعد اللجوء إلى قتال الطآئفة المؤمنة الباغية فقد أمر الله سبحانه وتعالى بإستخدام و إعمال أليات العدل و القسط إن فآءت الطآئفة الباغية...
و يبدوا أن الإشكالية تكمن في أن الكثيرين من المراقبين و المحايدين و الوسطآء المهتمين بالشأن السوداني يعلمون بواطن الأمور و يصنفون الجماعة (الكيزان) و لجنتهم الأمنية و حكومة الأمر الواقع في خانة الطآئفة الباغية و كذلك الحال مع مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع)!!! ، و قد دلت الشواهد على أن الكثير من الوسطآء قد سعوا حثيثاً في أمر وقف إطلاق النار و الحرب و تفعيل الصلح و بصورة جآدة و لكنهم جميعهم قد وُجِهُوا بالتعنت و الممانعات و العراقيل و العقبات العديدة ، فإحدى الطآئفتين المتقاتلتين تدعو إلى مواصلة الحرب و البَل و الجَغِم و المَتِك و الشَّفشَفَة مستعينة في ذلك بالأمن و الجن و قُوقُو و التكبير و سلاح الدعآء!!! ، بينما تدعي الأخرى حرصها على السلم و مدنية الدولة و في ذات الوقت تمارس الإغارات على المواطنين ”المدنيين“ العزل و التخريب و الإعتدآءات و الترويع و التقتيل و الشَّفشَفَة مستعينة بالأوامر الربانية و الرَّبَّاطَة و الغَنَّامَة من فصآئل الأشاوس و المرتزقة الذين يرطبون ألسنتهم بالتكبير و دمآء الضحايا!!!...
و يبدوا أن الإشكالية العظمى تكمن في تفعيل خيار (فَقَـٰتِلُوا۟ ٱلَّتِی تَبۡغِی حَتَّىٰ تَفِیۤءَ إِلَىٰۤ أَمۡرِ ٱللَّهِۚ) فالمراقبون و المحايدون و الوسطآء السودانيون يعلمون أن الطآئفتين باغيتان ، لكنهم لا يمتلكون أدوات القتل و لا المقدرة أو الرغبة في قتالهما ، كما أن ليس لديهم الأليات التي توقف الحرب و تفرض التفاوض و حل الأزمة و الصلح ، أما القوى الإقليمية و الدولية التي تمتلك الأليات و القوة و المقدرة على إيقاف القتال و فرض و تفعيل عمليات/طاولات المفاوضات و الصلح عن طريق الضغوطات و الإغرآءات أو عن طريق قوة السلاح و القتال فيبدوا أن الأزمة السودانية ليست في قآئمة أولوياتها و إهتماماتها و أن وقف القتال و الحرب ربما لا يخدم مصالحها في الوقت الحاضر ، كما أنه من العسير التأكد من حيادية تلك القوى و نفي الغرض و المصلحة عن مساعيها و تداخلاتها في الشأن السوداني ، و من الجانب الآخر فأنه من الصعب تصنيف بعض من تلك القوى في خانتي: الإخوة أو الإيمان إستناداً إلى النص الكيزاني!!!...
إحتمال تغلب أحد الطآئفتين الباغيتين على الأخرى في الحرب ضئيل و كذلك إحتمال الوصول إلى إعلان أو إتفاق لوقف القتال و الحرب و حل الأزمة عن طريق التفاوض المباشر أو من خلال الوسطآء ، و يبدوا أن الرهان الآن ينصب على الحل عن طريق الإرهاق الذي أصاب أو سوف يصيب الطآئفتين الباغيتين المتقاتلتين و من يساندهما/يسندهما و يقف من ورآءهما ، خصوصاً و أن هنالك الكثير من الإرهاصات و الشواهد و الدلآئل التي تشير إلى ذلك و إلى أن الكثيرين من المسيئين/المجرمين الوالغين في الشأن السوداني سوف يلوذون بالفرار ، بسبب العجز و الفشل و أن المسألة قد (وصلت حدها) و تحاشياً للعقاب الذي سوف يطال الرقاب (بالسكاكين المسنونة) و الإمتيازات و المصالح ، و إن حدث ذلك الفراغ فسوف تكون تلك فرصة عظيمة تتاح مرة أخرى لقطاعات عريضة من الشعوب السودانية ، من أصحاب المصلحة الحقيقية في إستمرار الثورة السودانية ، في العودة إلى الساحة السياسية و ملء الفراغ و فرض شروطهم و أجندتهم و (شرعيتهم الثورية) على الأوضاع السياسية و الدستورية و الإقتصادية و الإجتماعية و بما يخدم و يضمن إحداث التغيير المطلوب و تأسيس الدولة السودانية الجديدة التي ترتكز إلى القانون و العدل و المؤسسية...
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com