السودان لن يعود لما قبل الحرب
اسماعيل عبدالله
20 August, 2024
20 August, 2024
الحروب تقلب الأمور رأساً على عقب، وتغير المجتمعات تغييراً جذرياّ، وتعيد صياغة المفاهيم الثقافية والاجتماعية والسياسية، وتخلق قالباً جديداً لكل ظاهرة، فحرب منتصف ابريل التي أشعلها فلول النظام البائد تعتبر الأولى، بعد الحروب الطاحنة التي خاضها السودانيون نهاية القرن التاسع عشر، فسودان ما بعد الحرب سيكون مغايراً لذلك السودان، الذي كان محكوماً بأقلية اجتماعية وأيدلوجية وثقافية وجهوية محدودة العدد والفكر، وسيصبح دولة تتواثق شعوبها على عقد اجتماعي وسياسي محكم يرعى مصالح الجميع على قدم المساواة، أو دويلات متصالحة تحكمها علاقات حسن الجوار، وفي كلا الحالين ستجني شعوبه خير الحرب التي قال عنها المولى عز وجل: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، ففساد الخرطوم الذي بلغ ذروته في عهد البشير، ألهم عدد من علماء التصوف نبوءة نهاية المدينة الباذخة بالغرق أو الحرق، فالمشاهد المقززة لجثث الأطفال حديثي الولادة المقذوفة في مكبات النفايات، المبعثرة الأحشاء، المنهوشة بأنياب الكلاب الضالة في أحياء المثلث العاصمي، كانت نذير شؤم لما نحن فيه اليوم من بؤس وشقاء ويلات الحرب، وأكل أموال الناس بالباطل والربا ولعب الميسر والزنا في نهار أيام الشهر الفضيل، وقتل النفس التي حرم الله إلّا بالحق، جميع هذه الكبائر والموبقات كانت ترتكب في أزقة وحواري هذه المدن الثلاث المشكلة للعاصمة، وما جريمة إطلاق السم القاتل داخل مجاري الصرف الصحي وإزهاق أرواح العشرات من (الشماسة)، إلّا وجه سافر من وجوه دويلة (المشروع الحضاري)، لكل هذا وذاك كان لابد من تطهير الأرض التي غطاها الظلم وتفشت فيها الخطيئة وانتشرت بين أحياءها الرذيلة، ومن مدهشات هذه المدينة (ثلاثية الأبعاد)، أن المساجد تعلوها مآذن رفيعة يصدح فيها المؤذنون لصلاة الفجر بأصوات عالية، يصحو على إثرها كل قاصد لأداء الفريضة، ومع ذلك لم يتوقف المد الفاسد والصديد المتعفن لجراح الأنفس والأجساد، جراء الخطيئة الكبرى التي ارتكبها الحاكمون والمحكومون.
الملاحظ أن هذه الحرب شملت كل أرجاء السودان عدا ولايات الشرق والشمال، ما أدى لنزوح الحكام والمحكومين إلى تلك المدن الآمنة إلى حين ختام محادثات جنيف، إذا لم يتوصل الطرفان لصيغة توقف نزيف الحرب، وحينها سينتقل لهيبها إلى جميع أرجاء القطر، للأسف، فجنيف هي الفرصة الأخيرة لإنهاء المهزلة، ولكن كما هو مسموع من تصريحات الفاسدين أنهم يسعون لجعلها حرباً مستمرة، عساهم أن يستعيدوا ملكاً لم يحافظوا عليه كالرجال بإقامة العدل، ومن بديهيات التصاريف الكونية أن الزمن لا يعود للوراء، فالأمس ولى واليوم جاء، وغداً سيكون مولود مغاير لملامح أبيه وتقاسيم وجه جده، ولمّا لم يفقه قصار النظر مدلولات هذه المؤشرات الكونية، وقعوا في فخ الحمار الذي يحمل أسفارا، فما فقهوا من تجربة حكمهم طويلة الأمد أمراً واحداً ينقذون به رقابهم من سيوف الحق، فسدروا في غيٍ وعنجهية بلهاء حتى أتاهم اليقين، وهربوا هروب الدجاجات حينما تطلق إحداهن الريح، ورأينا رئيس جهاز المخابرات الأسبق يولي الدبر هارباً فزعاً، ليحتمي بإمبراطورية سليمان القانوني، خوفاً من قصاص أولئك الضحايا الذين قضوا تحت بطش آليات التعذيب والإرهاب التي كانت بيده، إنّ هذه الحرب بمثابة غسول وطهور للأرض والإنسان الذي دنس منظومته الأخلاقية رأس جهاز المخابرات هذا ومعه (إخوانه)، المجرم الذي أشرف على تنفيذ أبشع جرائم التصفيات الجسدية بحق الشرفاء، فأذله الله وأخزاه، بأن جعله يهرب مذعوراً هروب الفأر من القط المتربص، وهو الذي كان يسخر من معارضيه بالخارج ويتحداهم بلؤم، في أن يأتوا لأرض الوطن التي نصب حول مداخلها الشراك والفخاخ، ووزّع على ترابها زبانيته الذين كانوا يملكون المال والسلاح، أين أنت الآن؟ أيها الدكتور الزراعي المهين لأستاذه الجامعي.
رسالتي إلى المغيبين المتباكين والمستفيدين من فائض فساد وفتات الإخوان المسلمين، الحالمين بالعودة لوطنهم ليجدوه كما تركوه من حال يكسوه فجور الليالي الحمراء المقامة تحت رايات الدين، أقول لهم أن حلمكم سيطول وسباتكم سيكون عظيماً وعميقاً، واعلموا أن البلاد لن تكون كما كانت في سابق عهدها البائد، وليتهيأ العائدون لوطن الجراح بوجود شركاء أصيلين في الأرض والمصير، وعليهم أن يستأصلوا من مخيلتهم نزعة العنصرية والإقصاء ومفهوم الوطن الصفوي، وفي حال أصرّوا وتمادوا بخيالهم الفسيح القاصد لإعادة صناعة ذلك الوطن المتخيل العليل، سيدفنهم القهر وذل الحاجة وضعف وهوان الحال في العواصم العربية والأوربية والشرق آسيوية – القاهرة وأنقرة وكوالالامبور والدوحة، فكل الهذيان الذي تطرق له آذاننا صباح مساء من شاعر كان مداهن للعهد الفاسد، وكوميديان اعتاش على فتات موائد الدكتاتور مقابل إضحاكه بنكات خرقاء، عبر مؤسسات درامية فاسدة منحت مسمى الكوميديا، سيذهب جفاء ويبقى ما ينفع الناس من مبتكرات الحداثة لجيل جديد، لا يؤمن بالانحطاط الفكري والفني، فالسودان لن يعود لما قبل حرب أبريل، والحالمون بتلك العودة عليهم بالجهوزية لتقبل صدمات كهربائية عالية الفولتية، يحدثها الرجال العظماء الذين وضعوا حداً لتجبر الفاسدين وهزموا كبرياء الجهويين، وأرغموا أنوف العنصريين الذين يظنون ظن السوء بأن هذه الأرض لهم وحدهم، دون أن يقدموا لها ما تستحق من وفاء الأجيال وعزم الرجال وحسم الأبطال.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com
الملاحظ أن هذه الحرب شملت كل أرجاء السودان عدا ولايات الشرق والشمال، ما أدى لنزوح الحكام والمحكومين إلى تلك المدن الآمنة إلى حين ختام محادثات جنيف، إذا لم يتوصل الطرفان لصيغة توقف نزيف الحرب، وحينها سينتقل لهيبها إلى جميع أرجاء القطر، للأسف، فجنيف هي الفرصة الأخيرة لإنهاء المهزلة، ولكن كما هو مسموع من تصريحات الفاسدين أنهم يسعون لجعلها حرباً مستمرة، عساهم أن يستعيدوا ملكاً لم يحافظوا عليه كالرجال بإقامة العدل، ومن بديهيات التصاريف الكونية أن الزمن لا يعود للوراء، فالأمس ولى واليوم جاء، وغداً سيكون مولود مغاير لملامح أبيه وتقاسيم وجه جده، ولمّا لم يفقه قصار النظر مدلولات هذه المؤشرات الكونية، وقعوا في فخ الحمار الذي يحمل أسفارا، فما فقهوا من تجربة حكمهم طويلة الأمد أمراً واحداً ينقذون به رقابهم من سيوف الحق، فسدروا في غيٍ وعنجهية بلهاء حتى أتاهم اليقين، وهربوا هروب الدجاجات حينما تطلق إحداهن الريح، ورأينا رئيس جهاز المخابرات الأسبق يولي الدبر هارباً فزعاً، ليحتمي بإمبراطورية سليمان القانوني، خوفاً من قصاص أولئك الضحايا الذين قضوا تحت بطش آليات التعذيب والإرهاب التي كانت بيده، إنّ هذه الحرب بمثابة غسول وطهور للأرض والإنسان الذي دنس منظومته الأخلاقية رأس جهاز المخابرات هذا ومعه (إخوانه)، المجرم الذي أشرف على تنفيذ أبشع جرائم التصفيات الجسدية بحق الشرفاء، فأذله الله وأخزاه، بأن جعله يهرب مذعوراً هروب الفأر من القط المتربص، وهو الذي كان يسخر من معارضيه بالخارج ويتحداهم بلؤم، في أن يأتوا لأرض الوطن التي نصب حول مداخلها الشراك والفخاخ، ووزّع على ترابها زبانيته الذين كانوا يملكون المال والسلاح، أين أنت الآن؟ أيها الدكتور الزراعي المهين لأستاذه الجامعي.
رسالتي إلى المغيبين المتباكين والمستفيدين من فائض فساد وفتات الإخوان المسلمين، الحالمين بالعودة لوطنهم ليجدوه كما تركوه من حال يكسوه فجور الليالي الحمراء المقامة تحت رايات الدين، أقول لهم أن حلمكم سيطول وسباتكم سيكون عظيماً وعميقاً، واعلموا أن البلاد لن تكون كما كانت في سابق عهدها البائد، وليتهيأ العائدون لوطن الجراح بوجود شركاء أصيلين في الأرض والمصير، وعليهم أن يستأصلوا من مخيلتهم نزعة العنصرية والإقصاء ومفهوم الوطن الصفوي، وفي حال أصرّوا وتمادوا بخيالهم الفسيح القاصد لإعادة صناعة ذلك الوطن المتخيل العليل، سيدفنهم القهر وذل الحاجة وضعف وهوان الحال في العواصم العربية والأوربية والشرق آسيوية – القاهرة وأنقرة وكوالالامبور والدوحة، فكل الهذيان الذي تطرق له آذاننا صباح مساء من شاعر كان مداهن للعهد الفاسد، وكوميديان اعتاش على فتات موائد الدكتاتور مقابل إضحاكه بنكات خرقاء، عبر مؤسسات درامية فاسدة منحت مسمى الكوميديا، سيذهب جفاء ويبقى ما ينفع الناس من مبتكرات الحداثة لجيل جديد، لا يؤمن بالانحطاط الفكري والفني، فالسودان لن يعود لما قبل حرب أبريل، والحالمون بتلك العودة عليهم بالجهوزية لتقبل صدمات كهربائية عالية الفولتية، يحدثها الرجال العظماء الذين وضعوا حداً لتجبر الفاسدين وهزموا كبرياء الجهويين، وأرغموا أنوف العنصريين الذين يظنون ظن السوء بأن هذه الأرض لهم وحدهم، دون أن يقدموا لها ما تستحق من وفاء الأجيال وعزم الرجال وحسم الأبطال.
إسماعيل عبد الله
ismeel1@hotmail.com