العلاقة بين تحالف “صمود” وقوات الدعم السريع في السودان: دراسة تحليلية نقدية
د. عبد المنعم مختار
استاذ جامعي في مجال الصحة العامة
المدير العام للشركة الألمانية-السودانية للبحوث والاستشارات وبناء القدرات
المدير التنفيذي لمركز السياسات القائمة على الأدلة والبيانات
moniem.mukhtar@gmail.com
مقدمة
تُعد الحرب الأهلية الرابعة في السودان، الجارية منذ عام 2023، من أبرز التحديات السياسية والأمنية التي تواجه البلاد. يتميز النزاع بتداخل قوى مدنية وعسكرية متشابكة، أبرزها قوات الدعم السريع، وتحالفات مدنية مثل “تأسيس” و”صمود”.
في 1 يناير 2024، وقع تحالف “تقدم”، الذي شهد لاحقًا انشقاق تحالف “صمود” منه، اتفاقًا مع قوات الدعم السريع في أديس أبابا، تحت مسمى “إعلان أديس أبابا”، بهدف وقف الحرب وبدء مسار تفاوضي شامل. بعد الانشقاق، رفض تحالف “صمود” الانضمام إلى تحالف “تأسيس” الذي تقوده قوات الدعم السريع والجيش الشعبي لتحرير السودان-شمال، لكنه حافظ على موقفه السياسي من اتفاق أديس أبابا دون التخلي عنه، مما يعكس استراتيجية سياسية متحفظة تهدف للحفاظ على استقلاليته المدنية والسياسية.
اتفاق إعلان أديس أبابا: أهداف ومحددات التحالف
وقع الاتفاق بين تحالف “تقدم” بقيادة د. عبد الله حمدوك وقوات الدعم السريع بقيادة حميدتي، وشمل البنود الأساسية التالية:
وقف الأعمال العدائية فورًا.
إطلاق مفاوضات لإنهاء الحرب بشكل شامل.
تشكيل إدارة مدنية مشتركة تشمل الأطراف المختلفة.
تحقيق العدالة الانتقالية وإطلاق سراح الأسرى.
فتح الممرات الإنسانية لضمان وصول المساعدات.
يُعتبر هذا الاتفاق المرجعية الأساسية لموقف تحالف “تقدم” تجاه قوات الدعم السريع. بينما يظل موقف تحالف “صمود” غير واضح نسبيًا لأنه لم يعلن رسميًا التخلي عن الاتفاق، مما يجعله طرفًا ضمن شبكة علاقات سياسية معقدة. بالمقابل، أصبح تحالف “تأسيس” الواجهة المدنية الفاعلة لقوات الدعم السريع، مما يعكس ميل بعض الأطراف نحو توظيف القوة العسكرية لأهداف سياسية مباشرة.
الموقف العسكري: الجيش وحلفاؤه
رفض الجيش السوداني بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الاتفاق، معتبرًا إياه محاولة لشرعنة قوة الدعم السريع وتحويلها إلى لاعب سياسي مستقل. ونتيجة لذلك، تم فتح بلاغات جنائية ضد قيادات تحالف “تقدم” – معظمهم من قيادات تحالف “صمود” – بتهم تشمل التحالف مع قوات الدعم السريع والعمل لصالح الإمارات، كما صدرت نشرات عبر الانتربول لملاحقة عدد من القادة، ومن بينهم د. عبد الله حمدوك.
هذا الموقف يعكس تباين المصالح بين الجيش والتحالفات المدنية، ويبرز التوتر بين الشرعية الثورية وممارسة السلطة العسكرية المباشرة.
التحالفات والاتهامات: تعقيد المشهد السياسي
رغم إنكار تحالف “صمود” وجود تحالف عسكري مباشر مع قوات الدعم السريع، إلا أن تاريخه ضمن تحالف “تقدم” ورفضه التخلي عن اتفاق أديس أبابا جعلاه محور نقاش سياسي معقد. تُظهر هذه الديناميكية أن تحالف “صمود” يتحرك ضمن مساحة سياسية ضيقة، حيث يحاول الحفاظ على استقلاليته المدنية، لكنه مضطر للتفاعل مع قوى عسكرية مؤثرة، مما يخلق حالة توتر بين الاستقلالية والمشاركة في العملية السياسية.
الموقف من انتهاكات قوات الدعم السريع
أدان تحالف “صمود” بأشد العبارات جرائم قوات الدعم السريع، ولم تظهر أي أدلة على التهاون أو التحيز في موقفه، ما يعكس التزام التحالف بالمبادئ الإنسانية والقانونية حتى في ظل التحالفات السياسية المعقدة.
مواقع إقامة القيادات: دلالات سياسية
يتمتع د. عبد الله حمدوك، بصفته رئيس وزراء حكومتي الانتقال عقب ثورة ديسمبر المجيدة ورئيس تحالف “تقدم” ثم تحالف “صمود”، بشرعية ثورية وقبول شعبي واسع. وإقامته في الإمارات أثارت جدلاً سياسيًا، نظرًا للعلاقة الوثيقة بين الأخيرة وقوات الدعم السريع.
في المقابل، يقيم معظم قيادات تحالف “صمود” خارج الإمارات، ما يقلل من الشبهات حول وجود تحالف مباشر عبر الإمارات بين “صمود” وقوات الدعم السريع، ويعكس حرص التحالف على الاستقلالية السياسية والمدنية.
استنتاجات تحليلية
- يمثل تحالف “صمود” حالة سياسية فريدة تجمع بين الاستقلالية المدنية والارتباط التاريخي بتحالفات مدنية سابقة.
- رفضه التخلي عن اتفاق أديس أبابا يعكس محاولة الحفاظ على دور سياسي مستقل في السودان، رغم الضغوط العسكرية والسياسية.
- إداناته لجرائم قوات الدعم السريع تؤكد موقفه الأخلاقي والقانوني، مما يميزه عن تحالفات أخرى تتماهى مع القوة العسكرية.
- التباين بين مواقع إقامة القيادات يعكس تعقيد العلاقات الدولية والإقليمية وتأثيرها على السياسة الداخلية للسودان.
في الختام: نداء عاجل وواضح
يجب على تحالف صمود إعلان تخليه العلني والفوري عن اتفاق أديس أبابا بين حركة تقدم وقوات الدعم السريع، لتفكيك أي التباس يحيط بعلاقته بالاتفاق ولتوفير وضوح كامل للرأي العام حول التزامات الأطراف في الأزمة الراهنة. الشفافية الآن ليست خيارًا، بل ضرورة ملحة لتجنب مزيد من التضارب السياسي والانقسامات.
المراجع
- تحالف «صمود» السوداني يطرح رؤية شاملة لوقف الحرب. الشرق الأوسط. 2025-10-16 [تاريخ الدخول: 2025-10-19]. متوفر عبر: https://aawsat.com
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم