العنصرية عتمة عابرة!!!!
د. الهادي عبدالله أبوضفآئر
7 September, 2024
7 September, 2024
بينما الوطن شمس لا تغيب، تنشر دفء النور على كل القلوب.
*د. الهادي عبدالله أبوضفائر
العنصرية، ذلك العيب الجسيم، كوحش خفي يتسلل في ظلمة الليل بلا رحمة ولا هوادة، ينفذ إلى القلوب والعقول كالسُم الزاحف في العروق.
انها لا تأتي بغتة، بل تسير بخطواتها الوئيدة، تحمل قناع الخوف والجهل، تُفرّق وتفكك الروابط التي نسجتها الأيام والسنين إنها وصمة عار تشوه ملامح الإنسانية النبيلة وتدوس بأقدامها القاسية على مبادئ العدالة، تاركةً في القلوب جرحاً لا يندمل. تلتهم ببطء كل ما هو جميل ونقي، مثل النار تحت الرماد، لا تراها العين، لكنها تلتهم في صمت ما تبقى من دفء الإنسانية، وتترك خلفها أرضاً جرداء من المحبة والعدل..
تخنق العنصرية روح المجتمع وتتركه خاوياً من الألفة، مستسلماً للفرقة والضياع، ان المجتمعات التي تحمل في أعماقها بذور العنصرية، لا تنتظر سوى لحظة بث سمومها بهدوء ماكر، فتفكك الأسر، وتقطع خيوط الترابط، حتى تهوي في مستنقع الانقسام والفرقة بين أبنائه. فهي ليست مجرد عيب فقط، بل شر ينمو ويكبر ليطغى على كل القيم، يضع الحواجز بين الناس، ويمحو أي شعور بالانتماء أو الوحدة.
كلما انتصرت العنصرية، يخسر الوطن جزءاً من روحه، ويتراجع خطوة أخرى بعيداً عن الازدهار والتقدم. وتظل المجتمعات محاصرة في دائرة مفرغة من الكراهية والانقسام.
من أعماق الغاية التي توحدنا تحت مظلة وطن يحمل اسم السودان، ينبعث وهم قديم، كسراب يتشكل في أفق العقول، يوهمنا بأن اختلافاتنا تفصل بيننا. إنه وهم يشوش الرؤية، تحت ستار كثيف من الظنون والمخاوف، يُخبرنا أن من يشاركنا اللغة واللون، مهما ابتعدت به المسافات، فهو الأقرب إلى أرواحنا. لكن بعد الدموع والدماء والغوص في سرداب الانتماءات أدركنا أن القرب ليس في اللغة واللون، بل في نبضات القلوب التي تتشارك الجغرافيا والتاريخ، في العيون التي ترى نفس الغروب والشروق، ويشتمّ ذات الهواء، ويشاركنا الوطن ويمارس نفس الطقوس والعادات، هو أقرب إلينا من أي عنصر يتراءى لنا من بعيد عبر الصحراء. وكذلك من يبحث في قلب أفريقيا، ويهتف باسمها، يكتشف نفس الشعور، فالشخص الذي يعيش في أدغال أفريقيا، بنبضاته البطيئة وصوته الجهور، لن يكن أقرب لك من جارك في الحي. هكذا هي الحقيقة العميقة، الوطن لا ينحصر في انتماء العرق واللون، إنما خيوط غير مرئية، تُنسج من الماضي المشترك والحاضر المعاش، متجاوزاً كل التصنيفات الموروثة، وتربط المواطن بأعمق مما يمكن أن تبلغه كلمات اللغة أو حدود الخرائط ولون الدماء.
بين كثبان الرمال وتحت ظلال الأشجار، ألتقى مجموعة من الشباب، كانت حياتهم سلسلة من المظالم، عيونهم أنهكها النظر إلى أرض لم تنبت إلا الصبار، أجسادهم تعبت من حمل أعباء لا تنتهي. قرروا أن يهربوا، لكن ليس من الخوف، بل من الظلم والتهميش. تركوا وراءهم إلافكار الضيقة، وتحيزاتهم العمياء، حملوا أمانيهم نحو وطن يسع الجميع، لكنهم لم يجدوا لهم
مكانا فيه. كانت ثورتهم من اجل الخروج من الواقع المأزوم، تعثروا في البداية، لكن سرعان ما تعلموا أن الخطوات المتعثرة هي البداية الحقيقية للسير نحو الأفق. وكانوا يعلمون أن بناء وطن ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى تضحية، كان بينهم الشهيد عبدالله ابكر، والشهيد د. خليل إبراهيم وُلِدوا ونموا في قرى لم تعرف الدولة الحديثة ولم يروا يوما إلا الجدران التي تفصل الناس على أساس العرق والدين واللون والدم. ولكنهم كانوا يمتلكون فكراً مختلفاً و ايماناً صادقا بأن العالم يمكن أن يكون أفضل، وأن الإنسانية لا تعرف لوناً أو عرقاً، بل تعرف لغة الحب.
في إحدى الليالي المقمرة، وبينما كانوا يفترشون الأرض، وقف أمامهم وقال: إننا نعيش اليوم بين حدود لم نخترها، وفي واقع لم نصنعه، لكننا نملك القوة لتغيير كل ذلك. لن نبني وطننا على ظلم الآخرين بل سنبنيه لأنفسنا، ليكون لنا ولأبنائنا من بعدنا. هزَّ الشباب رؤوسهم موافقين، وكانوا يعرفون أن كلامه ليس مجرد كلمات، بل عهد وميثاق بينهم، ميثاق يقول: "نحن نترك كل مظالم الماضي وراءنا، لا نحمل في قلوبنا إلا النور، ونستغني عن كل الأفكار الضيقة لنفتح عقولا على سعة الإنسانية. وقلوبا تنبض بالإيمان بفكرة الوطن الواحد. لم يسألوا عن الأصول أو الديانات، بل كانوا يرون في كل فرد منهم قطعة من الحلم المشترك. في لحظة من الصمت العميق، وقف جندي صغير قائلاً تركنا كل شيء، لأننا نريد أن نعيش في وطن يستحقنا. وطن لا يُقاس بالمال أو القوة أو اللون أو العرق، بل بالكرامة والمساواة.
هؤلاء هم شباب السودان (المشتركة، المقاومة الشعبية والمستنفرين) بدأت ملامحهم تنبض بالحياة. اتسع صدر قواتهم المسلحة ليحتضنهم ويبشِّر بنصر قريب.
لم يكن بينهم من يسأل: من انت؟
تركوا كل المظالم، استرخصوا الغالي والنفيس، ولم يعد في قلوبهم سوى الرغبة في بناء وطن يحتضن الجميع، بدأوا في كتابة فصل جديد عن الوحدة والمساواة، ترك الجميع ماضيهم خلفهم، همهم بناء حلمهم وأملهم، وطن يستحق أن يُصان ويُحافَظ عليه. رغم العواصف العاتية والتحديات الجسام، يبقى الوطن شامخاً، لا تهزه الرياح ولا تزعزعه الأنواء. علمتنا التجارب في ظل الحرب، حين تعصف النيران وتهتز الأرض تحت الأقدام، تظهر الحقائق جلية، ويدرك الجميع أن العدو لا يسأل عن عرق أو لون أو جهة. حينها يقف الناس جنباً إلى جنب، يقاتلون بروح واحدة، متجاوزين كل الفروق والاختلافات. عندما تختلط دماء الجنود في ساحات القتال، تُمحى الحدود والأعراق، وتختفي الفوارق بين الوجوه، فقط يبقى شعور عميق بالانتماء إلى وطن ضاع في لحظة، كما يذبل الورد في غفلة الندى، ضاع من أيدينا، تاركاً في القلب حزناً عميقة، لكن حتما ستعود ونعود، ومؤمنين بأن فصول الوطن تتجدد، وأن ربيعنا سيزهر مرة أخرى مهما طال الانتظار.
abudafair@hotmail.com
*د. الهادي عبدالله أبوضفائر
العنصرية، ذلك العيب الجسيم، كوحش خفي يتسلل في ظلمة الليل بلا رحمة ولا هوادة، ينفذ إلى القلوب والعقول كالسُم الزاحف في العروق.
انها لا تأتي بغتة، بل تسير بخطواتها الوئيدة، تحمل قناع الخوف والجهل، تُفرّق وتفكك الروابط التي نسجتها الأيام والسنين إنها وصمة عار تشوه ملامح الإنسانية النبيلة وتدوس بأقدامها القاسية على مبادئ العدالة، تاركةً في القلوب جرحاً لا يندمل. تلتهم ببطء كل ما هو جميل ونقي، مثل النار تحت الرماد، لا تراها العين، لكنها تلتهم في صمت ما تبقى من دفء الإنسانية، وتترك خلفها أرضاً جرداء من المحبة والعدل..
تخنق العنصرية روح المجتمع وتتركه خاوياً من الألفة، مستسلماً للفرقة والضياع، ان المجتمعات التي تحمل في أعماقها بذور العنصرية، لا تنتظر سوى لحظة بث سمومها بهدوء ماكر، فتفكك الأسر، وتقطع خيوط الترابط، حتى تهوي في مستنقع الانقسام والفرقة بين أبنائه. فهي ليست مجرد عيب فقط، بل شر ينمو ويكبر ليطغى على كل القيم، يضع الحواجز بين الناس، ويمحو أي شعور بالانتماء أو الوحدة.
كلما انتصرت العنصرية، يخسر الوطن جزءاً من روحه، ويتراجع خطوة أخرى بعيداً عن الازدهار والتقدم. وتظل المجتمعات محاصرة في دائرة مفرغة من الكراهية والانقسام.
من أعماق الغاية التي توحدنا تحت مظلة وطن يحمل اسم السودان، ينبعث وهم قديم، كسراب يتشكل في أفق العقول، يوهمنا بأن اختلافاتنا تفصل بيننا. إنه وهم يشوش الرؤية، تحت ستار كثيف من الظنون والمخاوف، يُخبرنا أن من يشاركنا اللغة واللون، مهما ابتعدت به المسافات، فهو الأقرب إلى أرواحنا. لكن بعد الدموع والدماء والغوص في سرداب الانتماءات أدركنا أن القرب ليس في اللغة واللون، بل في نبضات القلوب التي تتشارك الجغرافيا والتاريخ، في العيون التي ترى نفس الغروب والشروق، ويشتمّ ذات الهواء، ويشاركنا الوطن ويمارس نفس الطقوس والعادات، هو أقرب إلينا من أي عنصر يتراءى لنا من بعيد عبر الصحراء. وكذلك من يبحث في قلب أفريقيا، ويهتف باسمها، يكتشف نفس الشعور، فالشخص الذي يعيش في أدغال أفريقيا، بنبضاته البطيئة وصوته الجهور، لن يكن أقرب لك من جارك في الحي. هكذا هي الحقيقة العميقة، الوطن لا ينحصر في انتماء العرق واللون، إنما خيوط غير مرئية، تُنسج من الماضي المشترك والحاضر المعاش، متجاوزاً كل التصنيفات الموروثة، وتربط المواطن بأعمق مما يمكن أن تبلغه كلمات اللغة أو حدود الخرائط ولون الدماء.
بين كثبان الرمال وتحت ظلال الأشجار، ألتقى مجموعة من الشباب، كانت حياتهم سلسلة من المظالم، عيونهم أنهكها النظر إلى أرض لم تنبت إلا الصبار، أجسادهم تعبت من حمل أعباء لا تنتهي. قرروا أن يهربوا، لكن ليس من الخوف، بل من الظلم والتهميش. تركوا وراءهم إلافكار الضيقة، وتحيزاتهم العمياء، حملوا أمانيهم نحو وطن يسع الجميع، لكنهم لم يجدوا لهم
مكانا فيه. كانت ثورتهم من اجل الخروج من الواقع المأزوم، تعثروا في البداية، لكن سرعان ما تعلموا أن الخطوات المتعثرة هي البداية الحقيقية للسير نحو الأفق. وكانوا يعلمون أن بناء وطن ليس بالأمر السهل، بل يحتاج إلى تضحية، كان بينهم الشهيد عبدالله ابكر، والشهيد د. خليل إبراهيم وُلِدوا ونموا في قرى لم تعرف الدولة الحديثة ولم يروا يوما إلا الجدران التي تفصل الناس على أساس العرق والدين واللون والدم. ولكنهم كانوا يمتلكون فكراً مختلفاً و ايماناً صادقا بأن العالم يمكن أن يكون أفضل، وأن الإنسانية لا تعرف لوناً أو عرقاً، بل تعرف لغة الحب.
في إحدى الليالي المقمرة، وبينما كانوا يفترشون الأرض، وقف أمامهم وقال: إننا نعيش اليوم بين حدود لم نخترها، وفي واقع لم نصنعه، لكننا نملك القوة لتغيير كل ذلك. لن نبني وطننا على ظلم الآخرين بل سنبنيه لأنفسنا، ليكون لنا ولأبنائنا من بعدنا. هزَّ الشباب رؤوسهم موافقين، وكانوا يعرفون أن كلامه ليس مجرد كلمات، بل عهد وميثاق بينهم، ميثاق يقول: "نحن نترك كل مظالم الماضي وراءنا، لا نحمل في قلوبنا إلا النور، ونستغني عن كل الأفكار الضيقة لنفتح عقولا على سعة الإنسانية. وقلوبا تنبض بالإيمان بفكرة الوطن الواحد. لم يسألوا عن الأصول أو الديانات، بل كانوا يرون في كل فرد منهم قطعة من الحلم المشترك. في لحظة من الصمت العميق، وقف جندي صغير قائلاً تركنا كل شيء، لأننا نريد أن نعيش في وطن يستحقنا. وطن لا يُقاس بالمال أو القوة أو اللون أو العرق، بل بالكرامة والمساواة.
هؤلاء هم شباب السودان (المشتركة، المقاومة الشعبية والمستنفرين) بدأت ملامحهم تنبض بالحياة. اتسع صدر قواتهم المسلحة ليحتضنهم ويبشِّر بنصر قريب.
لم يكن بينهم من يسأل: من انت؟
تركوا كل المظالم، استرخصوا الغالي والنفيس، ولم يعد في قلوبهم سوى الرغبة في بناء وطن يحتضن الجميع، بدأوا في كتابة فصل جديد عن الوحدة والمساواة، ترك الجميع ماضيهم خلفهم، همهم بناء حلمهم وأملهم، وطن يستحق أن يُصان ويُحافَظ عليه. رغم العواصف العاتية والتحديات الجسام، يبقى الوطن شامخاً، لا تهزه الرياح ولا تزعزعه الأنواء. علمتنا التجارب في ظل الحرب، حين تعصف النيران وتهتز الأرض تحت الأقدام، تظهر الحقائق جلية، ويدرك الجميع أن العدو لا يسأل عن عرق أو لون أو جهة. حينها يقف الناس جنباً إلى جنب، يقاتلون بروح واحدة، متجاوزين كل الفروق والاختلافات. عندما تختلط دماء الجنود في ساحات القتال، تُمحى الحدود والأعراق، وتختفي الفوارق بين الوجوه، فقط يبقى شعور عميق بالانتماء إلى وطن ضاع في لحظة، كما يذبل الورد في غفلة الندى، ضاع من أيدينا، تاركاً في القلب حزناً عميقة، لكن حتما ستعود ونعود، ومؤمنين بأن فصول الوطن تتجدد، وأن ربيعنا سيزهر مرة أخرى مهما طال الانتظار.
abudafair@hotmail.com