القمح ،، والبارود

 


 

 

المغيرة التجاني علي

mugheira88@gmail.com

لا أعرف أحداً من أبناء بلدي السودان يشك لحظة في أن سياسيينا و قادتنا الذين تشربوا الفشل جيدا ,ثم أدمنوه , هم سبب كل مصيبة حاقت بنا و كل بلوة أصابتنا و كل كبوة أعاقت مسيرتنا نحو النهضة و التقدم و الازدهار . و هذه التهمة التي ظلت تطاردهم , هي تهمة بائنة لا تحتاج الي جهد لكي يحقق ثبوتها و لا تنتطح في برهان صدقيتها عنزتان.

كما أنه لا يساورني أدني شك في أن قادة دولتنا و من قبل الاستقلال الي يوم الناس هذا , يفضلون الاحتراب و التجاذب التي تقود الي القتل و السحل و جزء الروؤس و تقليم الرقاب, أكثر من حبهم و سعيهم لبناء مشفي أو تأسيس مدرسه أو زراعة حقل أو تشييد جسر أو حفر بئر ليعملوا علي إعمار البلاد و إسعاد العباد و لينتشلوها البلاد من وهدتها و ينقلوها من حالة العيش في خصام و كراهية الي فضاءات النهضة والتطور و الحداثة .

و غني السودان بموارده من أراض و أمطار وأنهار و معادن وغابات و حيوانات لهو من المعروف الذي لا يحتاج الي اثبات و لا الي تذكرة , فهو موثوق في مخيلة ابنائه ومرصود في مدونات المنظمات و المؤسسات العالمية ولدي الدول و الشركات و رؤوس الأموال القريبة والبعيدة و يصبح التحدث به من جديد محض ثرثرة وباباً من ابواب التكرار الممل الذي ظللنا نمضغه في مجالس الأنس و صوالين الثقافة و مهرجانات السياسة . حتي صار ينطبق علينا قول الشاعر " كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ *** و الماء فوق ظهورها محمول "

بل أنني و في تتبعي لوصفة الكسل التي نسمعها من جيراننا , لا ترد الي العوامل الثقافية و الجغرافية و لون بشرتنا الأسمر أو الأسود أو ترجع الي حالة الطقس عندنا , بل لأن بلادنا في مخيلة الآخر أرض تتوافر فيها كل الامكانات و الموارد الطبيعية وتصعد فيها فرص الوفرة و الرخاء و مع ذلك يعيش انسانها حالة البؤس و الشقاء و يضطر ليهجرها , فتزداد بؤساً و فقراً مما يعظم من أسباب الصراع و الخصومة و الفتن التي تتعدي ذلك الي الاحتراب و الدمار الشامل .

و للفرد منا أن يتصور مألات أحوالنا لو أن قادتنا و سياسيينا غرسو شجرة أو رعوا حيوانا مكان كل قتيل أزهقت روحه و أهريق دمه في حروبنا المستدامة , أو زرعوا حبة قمح بدل كل رصاصة او عبوة بارود , , ليجعلوا من هذا البلد العظيم دولة وفرة , حديثة متطورة غنية بخيراتها , تعتمد علي نفسها و توفر احتياجات ابنائها و ينتفع بخيرها جيرانها بما يتوافر لها من مقومات و موارد متنوعة. ان خيرات بلادنا الوفيرة تحتاج الي الاستقلال الأمثل بما يعمل علي زيادة الانتاج الزراعي و الحيواني و ترشيد انتاج البلاد من المعادن و كل الثروات الطبيعية التي تتمتع بها .

ان الحروب التي ظلت تدور في بلادنا لا تقوم الا بسبب عجز الساسة عن استقلال الموارد لينعم الشعب بالاستقرار و الرفاه و لتنتفي اسباب التنازع و تزهر في ربوعه القناديل و يبتسم في حقوله النوار و تنبت بدل كل رصاصة حبة قمح , فتنتج كل حبة سنبلة و في كل سنبلة مائة حبه يضاعفها الله ما يشاء بفضل حقن الدماء و اشاعة السلام و تكريس المحبة والوئام .

 

آراء