الي الطيب صالح في مرقده : ها ،، قد تعبت جوانحنا

 


 

 

المغيرة التجاني علي

mugheira88@gmail.com

بقلب حزين أكتب اليك , وأعلم أن رسالتي هذه لا تصلك , وفي هذا كل الخير , فذلك القلب الكبير الطيب المحب لا أخاله يقوي علي تحمل كل هذا البلاء الذي حل ببلدك العظيم , بلداً طالما حلمت به في كتاباتك و أشواقك و أسفارك أمناً , سالماً و سعيدا .

أكتب لك من بين ركام البيوت المهدمة و من بين الشوارع و الجدران الملطخة بالدم العزيز الغالي , تقف شاهدة علي مأساة بنيه الكبرى . أحاول عبور الأزقة و الطرقات , فتتعثر خطاي بالجثث و أشلاء الموتى المبعثرة , تفوح منها الروائح الكريهة . الشيوخ جوعي شاخصة أبصارهم و الأطفال مرتعدون خائفون و الأمهات نائحات ثكلي , ترتسم علي وجوههم الشاحبة علامات الحزن والأسى و الضياع.

قلت يا الطيب مرة في حواراتك الشائقة (( أما السودان، فأنا أحمله بين جوانحي، حيثما ذهبت وحيثما أذهب، هذا هو الوجع الأول البدائي واللانهائي )) كانت هذه خلاصة قولك في وطن عزيز علي قلبك , وطن هو وجعك الأول ,, البدائي و اللانهائي, غصت في أغوار إنسانه و رسمت سيرته الطويلة في حكاياتك, رمزا للطيبة والبساطة و عنوانا للعزة والسماحة و الجمال , تحتفي به و تؤوب اليه من المهاجر لترتاح نفسك عنده من شقاء الاغتراب ,, ترافقه في جلسات العصاري علي الجداول و ضفاف النهر الخالد وعلي قيزان الرمال الفضية في ضيافة الأماسي الحالمة المقمرة , تستمتع بوجودك بين شيوخ القرية ونسائها لتذوب روحك في دنياواتهم و تستمد من فيض عذوبتهم سحرالحكاوي الآسرة . وكنت يا الطيب حفياً بالمدائن والقري و الأرياف , تنسج من رؤاها العامرة خيوط الأحلام الوردية لوطن سعيد متسامح , فالوطن عندك جنةً من الفردوس علي الأرض و ملاذًا تأوي اليه من ضجيجِ الحياةِ، ومكانًا لِراحةِ نفسكَ وجسدكَ رغما عن ما به من رقة عيش وبساطة مسكن .

لقد تعبت جوانحنا نخن يا أخي , ولم نعد ذلك الشعب الطيب الذي عرفت و أحببت . لقد تشتت شمله و فر بجلده في جماعات وأفراد الي الملاجيء البعيدة هارباً من جحيم الحرب و من رهق الجوع والعوز و المسغبة , تاركاً خلفه ذكريات حزينة و الآماً مرة و جراح لا تندمل . لقد تبدلت تلك الوجوه السمراء الضاحكة و ذبلت تلك الابتسامات المشرقة المضيئة و شخصت العيون الطيبة المتفائلة فتغيرت ملامحنا و حكاياتنا التي دونت قصتها , بصدق نفسك و شفافية روحك و نداوة عبارتك . إن ذلك البلد الجميل الذي عرفت ورسمت واقعه لوحات جميلة في رواياتك المجيدة وحملته معك في مهاجرك , حل به الخراب و انهكته الحروب و فتكت به الكوارث ومزقته الفتن و المحن و خلفت في نفسه جراحات عميقة بقيت علي جسده الأسمر الأصيل خدوش وجراحات و الآم. لقد تعبت جوانحنا نحن ي الطيب , فنم أنت في مرقدك غرير العين هانئها و دع لنا الرهق و الآلام وكل الأوجاع .

 

آراء