انهيار سعر صرف الجنيه ورأى البصيرة أم حمد

 


 

عمر محجوب محمد
12 September, 2024

 

د. عمر محجوب محمد الحسين


أن سعر صرف العملة هو أحد أهم العوامل المحددة للمستوى النسبي للحالة الاقتصادية لأي بلد. يشغل انهيار سعر صرف الجنيه السوداني أمام العملات الأجنبية كثير من السودانيين المكتوين بنار ارتفاع سعر صرف الدولار بما في ذلك الاقتصاديين كأنه عامل رئيس وليس عرض للحالة المرضية لتدهور الاقتصاد، بصورة تمنع النظر بصورة شاملة وموضوعية إلى الأسباب الحقيقية وراء حركة تراجع قيمة الجنيه السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، من جانب آخر عطل هذا الانشغال القدرات الإبداعية في التفكير والاتجاه نحو آفاق جديدة لحل إشكالات اقتصاد السودان.

يعزى تراجع قيمة الجنية السوداني أمام العملات الأجنبية بسرعة في هذه الفترة إلى حالة الحرب المدمرة التي يعيشها السودان منذ ابريل 2023م، وتراجع عائدات الصادرات، وتحويلات السودانيين في الخارج، وانتقال العملات الأجنبية الى خارج السودان، بالإضافة الى شراء العملات الأجنبية في الخارج عبر وكلاء السوق السوداء وتحديدا في منطقة الخليج (من خلال تطبيق بنكك) ومن خلال المليشيا التي تمتلك أموالا تم نهبها من البنوك والمحل التجارية والشركات ومن المواطنين. أيضا ارتفاع معدلات التضخم لعدم وجود استقرار اقتصادي أو سياسي، من جانب آخر يشكل تفاقم عجز الميزان التجاري بين الدولة وشركائها التجاريين الخارجيين عقبة أمام تحسن سعر صرف الجنيه في المديين القصير والطويل.

في ظل هذه الحرب هل الدولة لديها القدرة على إدارة احتياطيات النقد الأجنبي، وهل هي قادرة على التدخل المباشر للتأثير على سوق العملات، وهل هي قادرة على منع شراء العملات من الخارج عبر وكلاء السوق السوداء في بلاد المهجر، أخيرا هل الجنيه ذو قيمة أعلى تجعل واردات السودان أقل تكلفة وصادراتنا أكثر تكلفة في الأسواق الخارجية، وهل الدولة في ظل هذا التراجع الاقتصادي والصرف على الحرب قادرة على تكوين احتياطي من الذهب ؟.

ان إجراءات الدولة تكون ناجزة في حال تمتعها باقتصاد قابل للنمو ومتحرك، على سبيل المثال يمكن ان يكون سعر الصرف وسيلة متحكم فيها للحفاظ على الاحتياطيات من النقد الأجنبي، ويمكن التأثير على سعر الصرف ضمن السياسات المالية لتحفيز وتعزيز النمو الاقتصادي (كحالة الصين في بعض الفترات).

ان وقف تدهور سعر صرف الجنيه امام العملات الأجنبية لا يجدي معه إجراءات أمنية أو توقع وديعة من دولة ما، ونشر اشاعات القصد منها التأثر على سعر الصرف لأن أثرها سوف يكون في مدى اقل من قصير (وهذه اجراءات أقل كفاءة من رأي البصيرة أم حمد). يتطلب وقف التدهور الاقتصادي وعامل تراجع سعر صرف الجنيه وقف الحرب، ثم تدخل الدول في سعر الصرف في المدى القصير، اتباع سياسة نقدية تبقى التضخم في مستوى معقول، تنمية الصادرات، خفض الواردات وبالتالي الحد من تراكم الدين الخارجي، اصدار سندات دين بالجنيه، ضرورة سعي البنك المركزي لتقليل المعروض من النقود وجعل الاقتراض أكثر كلفة، الوصول الى تفاهمات مع الدائنين من أجل اعفاء ديون السودان، التحكم في انتاج الذهب ووضع استراتيجية للتعامل مع التعدين الأهلي (حالة غانا) ووضع استراتيجية لمنع تهريب الذهب، وضع خطة عاجلة جدا لجذب الاستثمارات الأجنبية (رغم اتباع الدول المتقدمة سياسة التشديد النقدي، كما أن تراجع النشاط الاقتصادي العالمي وانخفاض عوائد الاستثمار على مستوى الاقتصادات العربية من خلال تراجع الصادرات وتدفقات الاستثمار الأجنبي وأسعار الصرف الحقيقية). التحكم والتأثير على سعر صرف العملات الأجنبية يتطلب استراتيجية طويلة المدى وليس على إجراءات ردود الأفعال.


omarmahjoub@gmail.com

 

آراء