عصا الرحّالْ

 


 

 

عادل سيد أحمد

أبحرتُ اليوم بمركب نوح
بُعيد صياح الديك...وقبل الطوفان
متربِّع فوق الموج...مُتنقل في كل مكان
متوغل شرقا حيناً...وجنوبا بعض الأحيان
أتوكأ في الفلك هوينا...كما التأويل
مُتنقل جزلاً عبر الأزمان!
يشبه ترحالي تسفار الأسبان...
هنا ينتصبُ جبل طارق هذا الناطحُ كالمارق
ومضيق يحكي عن مأزقِ في التاريخ... أشر مآزق
لا أترك مركبتي... لا أعبث بالنار
ويجئ الصوت الآمر من خلف السدرة: احرق!
ما أنا بحارق ...ما أنا بحارق.. ما أنا بحارق ...
في البرزخ، أدعو الله يريني إسرافيل
تملأني الرهبة والخوف...
فيأتي بدلا عنه العلّامة غورباتشوف...
يرجُوني أن أذهب معه لزيارة إسرائيل
لأرى وأن أشهد كيف تُصان الآن حُقوق الإنسان!
وكيف من (اللا شيء) تُبنى هناك الأوطان
يحتج الثائرُ لينين، في الحين
ينتقد أباطرة التحريف ويسب عصابات التزييف
يُوصيني أن أكتب عنه مقالة شبهُ رسالة...
تتحدث عن سحر الشرق...وسِفر التكوين، وعن فقه التبجيل
ويطلب منّي أن آتيهِ، سريعا، بأصل الإنجيل
ويثُورُ الموج يُبلل سطح الفلك وتقرأ كل الدنيا آيات الملك
فرنسا، وهنا فرساي
تدعوني ماري ببهو القصر أن أشرب شاي
تقدّم كيكا ونبيذا نخب الثوّار خمر الخُمار...
مصنوعٌ للأحفاد يمهره توقيعُ الأجداد
وتُريني منتشية وشاح النصر
وتسألني ما ضرُّ البنطال؟
تصيبني ها السكت...أبتلع الرد
ما ضرَّ البنطال؟
وألاعب منتصرا نابليون الشطرنج
أهزمه بالحيلة والزند
وأهدي النصر لأجدادي ملوك الفونج
والنوبة وسادات الزنج
تدعوني فتاة باريسية أن أغزو قارتها بالتمليس، فألعن إبليس
ما شأن إبليس؟
وأقبل دعوتها رمزا: عطر من باريس
أتجه الآن جنوبا لأجلب عاجا ورقيقا وريش نعام
هذا الرقّ’ يكون الجيش وفوق الريش أنام
ثم إلى مدغشقر
وهُنا الصومال وهنا لا شيء يقال
ومنها شمالا إلى اليمنين
الأسعد والميت حزن
باب المندب صار أمامي بلا مزلاج
أتوغل منه عبر الأحمر
أصور فيلما تسجيليا عن أسراب الطير
متى تعبر؟
أهي أبابيل؟
وتلك الأفيال كيف لها أن تطفو فوق مياه البحر؟
بلا حارس ولا غاطس! اين الطوربيدات؟ أين رؤوس الحرب النووية؟
وكيف تصير عصوفا بعد الحرق؟
وبالصدفة أصور مشهد من داحس
وفارس من أحد الطرفين محكوم بالإعدام
تقرا من شفتيه آيات القرآن مترنح رهقا بعد الشنق
وأقفل باب المندب بالمزلاج
وأعطي الهدهد والمفتاح
وعطورا وتوابل وتمورا وخمور وأزاهر من بابل
لرسول سيدنا سليمان
وأوصيه بأن يرسل مكتوبا للفرعون
احذر موسى...احذر موسى فتلك بيمناه أخطر ثعبان
مصر
وهنا هرمُ الشيخ يحتضن جواسيس التاريخ
ويستقبل معلومات كونيّة من سطح المريخ
مات الجبلاوي مسموما بالزرنيخ
يمور الصخر يهتزّ كيان السد
يجيش الصدر يفوق الحد
ويدمع للمرّة السابعة والستين جمال الدين
ويمسح بالكفين وذاك المنديل الخد
وأعود الآن زمانا في الماضي ومكانا: صوب البيت
أحمل علبة كبريت
أشعل منها عود ثقاب ألقي به في بركة زيت
شبّت نار، وتراءى ظلي وتراءيت
فوصفني الكاهنُ بالعفريت
وأمر بأن أحفظ ملفوفاً في تابوت أو أرجع من حيثُ أتيت
لكن، احتفظ، كشرط، بالكبريت!

*******
صولو كمنجة عصا الرَّحال:

أختار العودة للهند
فهنا السحر يسير على قدمين
وحياة الناس تسير ...ضرب خيال
تطير الأفيال
تتراقص أفعى صماء... يشجيها أنين المزمار
والظلّ يحاكيها يتلوّى من خلف لهيب النار
ويعود البطل سليما بعد الحرق
ويقاتل هندي واحد: جيشا جرّار
وأعبئ مخلاتي بالصندل سر الأسرار...
وأواني منقوشة بالأسحار وعبق الشرق
وقطعة نقد محفور فيها من غاندي الوجه
وأسأل شيخا هنديّا: أين العنزة؟
أترافق جثمان مربيها أم ليس لها جثمان؟

ـــــــــــــــــــــــــــــ
عادل/ 2011م.

amsidahmed@outlook.com

 

آراء