عفوا سيدي السيناتور.. أنتم لستم جادون
محمد عبد الحميد
8 August, 2024
8 August, 2024
كتب الأستاذ الجامعي د.محمد عبد الحميد
عفوا سيدي السيناتور.. أنتم لستم جادون
تلقى المهتمون بالشأن السوداني خطاب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بن كاردين Ben Cardin حول الحرب في السودان مطلع أغسطس 2024م بإهتمام بالغ... فقد جاء الخطاب محملاً بلغة أقرب للنزق ونفاد الصبر مما يجري في السودان، كما أتى مُدعماً بإحصاءات مجملة حول حجم الضحايا فضلاً عن حجم المنتظر أن يتأثروا بتفاقم الأوضاع حال استمرار حالة الحرب. كما تطرق بلهجة أقرب للعتاب لشركاء وحلفاء الولايات المتحدة خاصة الإتحاد الأوربي بأنهم لم يلتزموا بما اقدمت عليه أمريكا مِن فرض عقوبات على مَنْ أسماهم " الجهات الفاعلة من المتحاربين".
وقد مضى تفاؤل السودانيين المتطلعين لوقف الحرب بإدعاء أن السيناتور قد هدد بستخدام الفصل السابع في خطابه، وهذا فيما يبدو من فرط الأماني وإطلاق العنان للخيال فيما قاله الرجل، بيد أنه لم يتطرق لذلك مطلقاً في ثنايا خطابه.
ومبعث الإهتمام بالخطاب أنه أتى في الشهر المقرر أن تنطلق فيه مفاوضات جنيف بين الجيش والدعم السريع التي دعت لها إدارة بايدن.
على عموم الأمر، يبدو أن الإدارة الأمريكية غير جادة في وقف الحرب بصورة كافية أو بالأحرى إن كان السودان إنساناً او جغرافيةً يشكل هاجساً بالمعنى الاستراتيجي لمجال أمريكا الحيوي لما كان هذا الموقف الذي يمكن وصفه ب " المتلكأ" من وقف الحرب... ولما وصل حجم الضحايا هذا العدد المفزع الذي أكده السيناتور.. فمنبر جدة للسلام الذي كانت أمريكا أحد طرفي رعايته، لم يعبر عن موقف ورغبة حقيقيتين من أمريكا بوقف الحرب. فقد تركز جُله على ضرورة إعمال القانون الدولي الإنساني و فتح المسارات والممرات الآمنة للإغاثة وإعلان هدنة مؤقتة.. وهو ذات الموقف الذي احتشد به خطاب السيناتور الحالي.. فلو كانت أمريكا جادة في وقف الحرب، لمارستْ نفوذا حقيقيا على طرفي الحرب لوقفها مستخدمة في ذلك قوتها الناعمة والخشنة، فمنذ التوقيع الأول على إعلان جدة في مايو من العام الماضي لم ترواح المفاوضات مكانها، بينما في الأثناء تصاعدت أرقام الضحايا بشكل مفزع ووصلت لأرقام قياسية مع استمرار الحرب حتى أصبح الحديث عن المجاعة كهم أكبر من هم الحرب نفسها في بلد لا تقل قدراته الكامنة في الأمن الغذائي عن إطعام ربع سكان الكوكب.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية "الديمقراطية" قد وضعت قضية الحرب في السودان على "الرف" في ثلاجة حفظ الموتى بل ونسيانها وإخراجها متى ما دعت لذلك الضرورة الانتخابية، بصرف النظر عن أهمية هذا الأمر للناخب الأمريكي. أو تأثير ذلك على مجمل أمن وسلم الإقليم. أو أيضآ وهذا الأهم بغض النظر عن تفاقم مآسي الحرب التي عددها السيناتور.
إن الدعوة لوقف الحرب في السودان لا يمكن أن تُدرك وطرفاها يسعيان لتحقيق مكاسب في ميدان المعركة على أشلاء السودانيين ومقدراتهم وبناهم التحتية. فالأجدى أن يكون هنالك تحرك قائم على ممارسة النفوذ الحقيقي لحمل طرفي الحرب ومطالبتهما بوقف فوري لإطلاق النار بصورة غير مشروطة. مع توفير ضمان الحماية اللازمة للمدنيين وفصل كامل بين المتحاربين عبر قوى مسلحة Boots on the ground دولية أو إقليمية تحت البند السابع أو أي تدبير آخر مثل تطبيق مبدأ الحماية Responsibility to Protect R2P وهو المبدأ الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 2005 عندما تعجز الدولة أو لا ترغب في حماية المدنيين... بهذا يمكن لو كانت أمريكا او المجتمع الدولي جادون في وقف المحرقة التي يتعرض لها أهل السودان.
في هذا الصدد وبناءاً على ما يمكن أن يستند إليه التحليل في ظل معطيات الموقف الأمريكي "المائع" فإن مفاوضات جنيف ستكون مجرد معرض لعرض البدل ورباطات العنق الفاخرة لمفاوضين لبوا دعوة كريمة من مُضيف "كريم".
وستستمر المحرقة وستكون الدعوة لوقف الحرب كخطاب السيناتور Ben Cardin مجرد صدى لحالة تأنيب ضمير الرجل الأبيض بعد أن عجز عن حمل عبء مهمته الحضارية، أو تظل محل مماحكة بين الفاعلين الدوليين والإقليميين لتحقيق مكاسب من طرفي الحرب المنهكين معنوياً و اخلاقياً وعسكرياً.. بينما يظل النزوح في الفيافي هو النزوح.. واللجؤ في المنافي هو اللجؤ. والجوع ينهش في أحشاء بني السودان في الحواضر والنجوع. والموت يَحدِق بالجميع ولا وجيع.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com
عفوا سيدي السيناتور.. أنتم لستم جادون
تلقى المهتمون بالشأن السوداني خطاب رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ بن كاردين Ben Cardin حول الحرب في السودان مطلع أغسطس 2024م بإهتمام بالغ... فقد جاء الخطاب محملاً بلغة أقرب للنزق ونفاد الصبر مما يجري في السودان، كما أتى مُدعماً بإحصاءات مجملة حول حجم الضحايا فضلاً عن حجم المنتظر أن يتأثروا بتفاقم الأوضاع حال استمرار حالة الحرب. كما تطرق بلهجة أقرب للعتاب لشركاء وحلفاء الولايات المتحدة خاصة الإتحاد الأوربي بأنهم لم يلتزموا بما اقدمت عليه أمريكا مِن فرض عقوبات على مَنْ أسماهم " الجهات الفاعلة من المتحاربين".
وقد مضى تفاؤل السودانيين المتطلعين لوقف الحرب بإدعاء أن السيناتور قد هدد بستخدام الفصل السابع في خطابه، وهذا فيما يبدو من فرط الأماني وإطلاق العنان للخيال فيما قاله الرجل، بيد أنه لم يتطرق لذلك مطلقاً في ثنايا خطابه.
ومبعث الإهتمام بالخطاب أنه أتى في الشهر المقرر أن تنطلق فيه مفاوضات جنيف بين الجيش والدعم السريع التي دعت لها إدارة بايدن.
على عموم الأمر، يبدو أن الإدارة الأمريكية غير جادة في وقف الحرب بصورة كافية أو بالأحرى إن كان السودان إنساناً او جغرافيةً يشكل هاجساً بالمعنى الاستراتيجي لمجال أمريكا الحيوي لما كان هذا الموقف الذي يمكن وصفه ب " المتلكأ" من وقف الحرب... ولما وصل حجم الضحايا هذا العدد المفزع الذي أكده السيناتور.. فمنبر جدة للسلام الذي كانت أمريكا أحد طرفي رعايته، لم يعبر عن موقف ورغبة حقيقيتين من أمريكا بوقف الحرب. فقد تركز جُله على ضرورة إعمال القانون الدولي الإنساني و فتح المسارات والممرات الآمنة للإغاثة وإعلان هدنة مؤقتة.. وهو ذات الموقف الذي احتشد به خطاب السيناتور الحالي.. فلو كانت أمريكا جادة في وقف الحرب، لمارستْ نفوذا حقيقيا على طرفي الحرب لوقفها مستخدمة في ذلك قوتها الناعمة والخشنة، فمنذ التوقيع الأول على إعلان جدة في مايو من العام الماضي لم ترواح المفاوضات مكانها، بينما في الأثناء تصاعدت أرقام الضحايا بشكل مفزع ووصلت لأرقام قياسية مع استمرار الحرب حتى أصبح الحديث عن المجاعة كهم أكبر من هم الحرب نفسها في بلد لا تقل قدراته الكامنة في الأمن الغذائي عن إطعام ربع سكان الكوكب.
من الواضح أن الإدارة الأمريكية "الديمقراطية" قد وضعت قضية الحرب في السودان على "الرف" في ثلاجة حفظ الموتى بل ونسيانها وإخراجها متى ما دعت لذلك الضرورة الانتخابية، بصرف النظر عن أهمية هذا الأمر للناخب الأمريكي. أو تأثير ذلك على مجمل أمن وسلم الإقليم. أو أيضآ وهذا الأهم بغض النظر عن تفاقم مآسي الحرب التي عددها السيناتور.
إن الدعوة لوقف الحرب في السودان لا يمكن أن تُدرك وطرفاها يسعيان لتحقيق مكاسب في ميدان المعركة على أشلاء السودانيين ومقدراتهم وبناهم التحتية. فالأجدى أن يكون هنالك تحرك قائم على ممارسة النفوذ الحقيقي لحمل طرفي الحرب ومطالبتهما بوقف فوري لإطلاق النار بصورة غير مشروطة. مع توفير ضمان الحماية اللازمة للمدنيين وفصل كامل بين المتحاربين عبر قوى مسلحة Boots on the ground دولية أو إقليمية تحت البند السابع أو أي تدبير آخر مثل تطبيق مبدأ الحماية Responsibility to Protect R2P وهو المبدأ الذي اعتمدته الأمم المتحدة في العام 2005 عندما تعجز الدولة أو لا ترغب في حماية المدنيين... بهذا يمكن لو كانت أمريكا او المجتمع الدولي جادون في وقف المحرقة التي يتعرض لها أهل السودان.
في هذا الصدد وبناءاً على ما يمكن أن يستند إليه التحليل في ظل معطيات الموقف الأمريكي "المائع" فإن مفاوضات جنيف ستكون مجرد معرض لعرض البدل ورباطات العنق الفاخرة لمفاوضين لبوا دعوة كريمة من مُضيف "كريم".
وستستمر المحرقة وستكون الدعوة لوقف الحرب كخطاب السيناتور Ben Cardin مجرد صدى لحالة تأنيب ضمير الرجل الأبيض بعد أن عجز عن حمل عبء مهمته الحضارية، أو تظل محل مماحكة بين الفاعلين الدوليين والإقليميين لتحقيق مكاسب من طرفي الحرب المنهكين معنوياً و اخلاقياً وعسكرياً.. بينما يظل النزوح في الفيافي هو النزوح.. واللجؤ في المنافي هو اللجؤ. والجوع ينهش في أحشاء بني السودان في الحواضر والنجوع. والموت يَحدِق بالجميع ولا وجيع.
د. محمد عبد الحميد
wadrajab222@gmail.com