محمد المكي ابراهيم الذي أتى من اقصى واحة البشيري يسعى
د. عبد السلام نورالدينِ
11 September, 2024
11 September, 2024
محمد المكي ابراهيم الذي أتى من اقصى واحة البشيري يسعى
قراءة الشاعر عالم عباس في احتفائية "دال" بالخرطوم رمضان 2022 بالشاعر محمد المكي
أمتي: تعليقات وتداعيات
- عبدالسلام نورالدين
-1-
مداخل –
ديوان أمتي
هل يمكن أن يقال أن التيار الجارف لشعر الحداثة بعربية السودان الدارجة الذي هب شاخصا وماثلا وجاذبا لاكثر من نصف قرن من الزمان عبر رموزه الاكثر بريقا وشهرة : محجوب شريف وعمر الطيب الدوش ومحمد الحسن سالم حميد ومحمد طه القدال وهاشم صديق وعاطف خيري وازهري محمد علي واخرين كثر من ذوي المواهب الوضيئة من شباب الجنسين ثم اتسع مجرى تدفق هذا التيار بثورة الثامن عشر من ديسمبر(2018)التي عمدت عربية السودان الدراجة وشعرها ونثرها بوصفها لغة مكتملة ذات مهارات وقدرات باذخة لها مستقبل واسهمت وسائط التواصل الاجتماعي في نشر وتعميق دلالاتها .
هل يمكن ان يقال ان هذا التيار الذي ما فتئء يتسع ويزداد باضطراد سيفضي في نهاية المطاف أن ينتقل السودان الى مرقى اجتماعي اعلى فتتحول عربية السودان الدارجة عبر مسارب ومعارج متعددة الى لغة الامة السودانية الادبية والعلمية واداة تعبيرها في فكرها اليومي وستتلاشى الازدواجيات اللغوية التي تعيقها الان وظلت تحد من نمو الامة العقلي والنفسي تماما كما تطورت اللغات الانجليزية والالمانية والفرنسية والاسبانية والايطالية والرومانية في عصر النهضة من اللغات الهندو اوربية واللاتينية واليونانية القديمة الى تمام نموها الحالي انئذ سيكتسب ديوان امتي لمحمد المكي ابراهيم بعدا فكريا جديدا بوصفه قنطرة الانتقال النوعية من الاغتراب الى العودة الى الذات اضافة الى قيمته الجمالية الاولى.
-2-
سبع حمائم -سيل عمائم - نحل في البرية هائم
ثم جاء محمد المكي ابراهيم ( 1939 ) من اقصى واحة البشيري وازحف وبارا وحي القبة في الابيض مستقلا قطار الغرب متجها الى عاصمة القطر في خواتيم الخمسين - عقد الستين 1958 - 1968 ) وحينما حطت قدماه في الخرطوم "ملأ الدنيا وشغل الناس" شاعرا مكتمل الادوات لغة وبناء وجزالة، ناضجا صقيل الجملة الشعرية، مبتدعا في فكرته الفنية ، طريفا في افتتاحياته، ساخرا ومخاتلا ومفاجئا في العبانياته السردية ويجسد قطار الغرب من قصائده الاولى "المانفستو" الكامل لشاعر تأتي له ان يصوغ مصطلحا جماليا مبتكرا للشعر في السودان تعبيرا عن باطن وتجليات ظاهر الامة السودانية لاتمام نقص القادرين من اجداده واعمامه واخوانه "شعراء الشعب" محمد ود الرضي " من الاسكلا وحلا وابراهيم العبادي " يا سايق الفيت " ومحمد سعيد العباسي وتوفيق صالح جبريل وحمزه الملك طمبل والتجاني يوسف بشير ومحمد المهدي مجذوب ومحمد الفيتوري وتاج السر الحسن والحسين الحسن وصلاح احمد ابراهيم ومحمد عثمان كجراي الذين لم يتسن لاي منهم ان يصوغ مصطلحا جماليا معادلا لوجود الامة السودانية كوضع مستقل عن عالم العرب والامم الافريقية الاخرى .
-3-
من اعاجيب مسارات محمد المكي الذي اتى من اقصى واحة البشيري وازحف وبارا وحي السيد المكي بالابيض مستقلا قطار الغرب عابرا بلاد ما بين النيلين ليس مغتربا او غازيا او هاربا ولكن ليقدم اوراق اعتماده لمجتمع الثقافة ( 1958-1962) في جمهورية الخرطوم التي استبعد ان تكون بتلك الالوان الزاهية والطول التياة والاضواء الباهرة حاضرة لتلك الارياف التعيسة الغرقى في "ميعات" الاهمال والنسيان التي عبر منها اليها ومن جهتها لم تفتح ذراعيها ترحيبا به ولم تعبه بقادم قطع عشرات الاميال ليأنس ويسكن البها:
" ونزلنا في الخرطوم بلا استقبال
هذه ليست احدى مدن السودان
من اين لها هذي الالوان
من اين لها هذا الطول التياة
لا شك قطار الغرب الشائخ تاة"
أما مجتمع جمهورية الخرطوم فلم يتسن له الخروج من الدائرة المغلقة التي ما فتئت تئن وتستعيد سؤالا مكرورا عن هوية أهل السودان :عربي ام افريقي -أم المزيج كما تمزج الخمرة وهي العروبة بماء الخيران والرهود وهم المستعربين الزنوج وفي هذا تخليط وتلبيس شائن فتخطى محمد المكي ذلك اللجاج الفاسد برؤية ثاقبة ومشروع جمالي له مصطلح شعري جدبد له مذاق متفرد بعد ان صقلته تجربته في المانيا واقترابه من مدارس التشكيل المتباينة في القرن التاسع عشر والعشرين مفتتحا بوابته الجديدة "برمية " موسيقية تصحبها رسومات تبدو للوهلة الاولي تجريدية
" سبع حمائم
سيل عمائم
نحل في البرية هائم
موكب وعد موكب امكانات امتنا"
"نار ودخان
وثن طبل قران
طفل ظل يقوم الليل ويمسك في رمضان
حلم برفاة الارض وخوف
من فتكات الغيب المقبل امتنا"
-4-
أمنه التي تغسل صدر محمد المكي فتمنحه الامان
امنه التي يناديها محمد المكي أو مكي بلسانها من مئذنة شعره "بامان"لها لدية مقامان فهي أخته التي لا تكبره الا باعوام جد قليلة ورغم ذلك فهي في ذات الوقت أمه الثانية بعد مريم بت مساعد وتقوم أمنه بين الفينة والاخرى بغسل صدر محمد المكي بحبها النقي المتدفق كلما تبدى لها ان قد زاغ البصر منه والتوى فيعصمه ذلك الحب من الغوى والضلال:
محبتكم عصمتي يا امان
محبتكم محور الكون,قلب الزمان
عيوني التي تبصر الذر أو لا ترى
تناجي الصالحة امنه بصوتها الهامس اخاها " مكي" من منزلهم العامر بحي القبه بالابيض فيسمعها مكي بوضوح في غرب المانيا عبر الاف الاميال:
"تعال الينا كفاك اغترابا
كفانا عذابا
ويا أخت لا البعد يحلو
ولا مضجع الشوق طابا
ويا اخت كيف الميعاد
ولم افن ضرع الحياة احتلابا
ويا اخت لي موعد والشروق أتى حينه
قليلا وتصحو رياحينه
فأحضر عروس الشروق
أكون على الساحل اشبينه"
-5-
الشنفرى وعروة بن الورد ساهران
من اي المدارج والمداخل والزوايا يمكن الاقتراب والتعرف على محمد المكي الانسان ؟
هذا الحيي الرقيق الخجول الى حد الذوبان والتلاشي - أخو البنات التوب الكردفاني الباهي زيقو- الشجاع الجامح الذي طوح يوما ببدن صعلوك وسكير داخلية "سخدل" الفالت بذلك الحي من براغ Praha 06 حينما اتاها زائرا من داكار وباريس في صيف( 1967 ) ثم قذف بالمأفون بعيدا حينما حاول ان يستنسر عليه ككرة شراب هوت من الجدار المجاور فاعادها من حيث اتت فتوقف منئذ ذيالك البغاث المقهورعن تحرشاته العشوائية وكف عن سلوكه الجانح ومع ذلك خالج محمد المكي احساس بالندم اذ كيف يقسو على مثل هذا المتشرد الفالت روحيا.
لا ينافس محمد المكي الشاعر الفذ منذ الصبا الباكر في خورطقت الثانوية ( 1954- 1958 ) في وادي عبقر خورطقت سوى نظيره ورفيقه صافي الدين حامد البشير الذي رحل مأسوفا عليه وعلى نبوغه الشعري الذي تقضى باكرا-
أنا لنا أن نعثر على المصابيح ذات التصميم البديع التي تضيئ لنا على نحو شامل ابعاد ورؤى شخصية الشاعر والانسان محمد المكي الذي ينفر من التاطير والقوالب والاقانيم من كل شاكلة ولون ومع ذلك ليس خروجا على ما ارتضاه ان يكتب قصيدة رصينة يهديها الى الزبير العوام ابن حيه عندما حوكم من قبل نظام انقلاب 17 نوفمبر عام 1959 مع عبدالخالق محجوب والتجاني الطيب فيما عرفت بقضية الشيوعية الكبرى أو أن يتماهي مع فتاك ما قبل الاسلام االصعاليك من امثال الشنفرى وعروة بن الورد والسليك بن السلكة-تأبط شرا-سلمة بن الخرشب- الحادره واخرين لتمردهم على مجتمعات القبيلة وقيمها المتخثرة فكتب محمد المكي رائعته "الشنفرى وعروة بن الورد ساهران" (التي لم يضمنها في ديوانه أمتي) كتب رائعته " الصعاليك" تحت مصابيح ونفوذ افكار جون بول سارتر وعلى وجة الدقة كتابه الاساس" الوجود والعدم"الذي عرف بانجيل الفكر الوجودي Sartre’s Being & Nothingness: The Bible of Existentialism
الجدير بان لا يغفل أن قد حمل محمد المكي معه في صيف عام 1962 عندما عقد العزم مع صديقيه النور عثمان ابكر وعبدالمجيد عبدالرحمن اختراق افاق المانيا الاتحادية فتأتى لهم بلورة رؤى غير متضاربة رغم تباينهم تتمرأى فيها ذواتهم الفردية من خلال امتهم السودانية التي بدت لهم جماع الغابة والصحراء التي تتجلى –وثنا – طبلا- قران – ضربة لازب في لحظة واحدة فعدوا لذلك البناة الرواد الاول لسفراء الغابة والصحراء كما عرفوا في تاريخ الثقافة وأنثربولوجيا الادب في السودان ( 1963 –1969)
حمل محمد المكي معه في رحلته من الخرطوم الى المانيا في صيف 1962 ديوان المفضليات 1-2-اختيار ابو العباس المفضل بن محمد الضبي (المتوفى عام178 هجرية مطبعة الاباء اليسوعيين) الى جانب كتاب ابي حيان التوحيدي " الامتاع والمؤانسة"
لكل ذلك يشق كثيرا التعرف على مصدر الجزالة وذلك البناء اللغوي المغموس في طلاء البداوة في معجم محمد المكي الشعري الذي استخدمه في اثناء اقامته عاملا يدويا لعام كامل في المانيا دون الاعتبار الكامل لمفضليات الضبي واثرها النافذ على اسلوب هذا الشاعر الذي بلا نظير في الماضي أو الحاضر الذي اضحى للمفارقة بروليتاريا وفاتكا من صعاليك العقل يتمثل في تجديفه على الخلق والخالق بالوجوديين الذين يمتون الى البير كاميو وسارتر والشنفرى وعروة بن الورد في وقت واحد:
" ساعود لا ابلا وسقت ولا بكفي الحصيد روائعا"
" في ظلمة التابو تسلقنا نحاس البوق
وانفتحت مسالكنا الى رحم الحياة وطيبات عطائها
تذوقنا حلاوة ان نعيش الرعب والحمى
ونصمد للجليد"
" يا أم مفترق الدروب جلال ان نحيا ونعتنق الوجود "
**
فجأة ينقشع التبغ وتنزاح غشاوات الكحول
ويخر السقف والبار المعلى والسدول
يثب الجاز الى اعصابنا
أملسا, رخوا, مديدا , خائنا
ومليئا بالشجى والجوع والرعب الخرافي الاصول
فتكن من بعدنا اللعنة ولتأت على اعقابنا
هات خمرا ايها الساقي ولا تعبأ بنا
نحن جدفنا على الخالق قبل الخلق والتكوين
من قبل الخطيئة"
**
د. عبد السلام نورالدينِ
Leeds UK
abdelsalamhamad@yahoo.co.uk
قراءة الشاعر عالم عباس في احتفائية "دال" بالخرطوم رمضان 2022 بالشاعر محمد المكي
أمتي: تعليقات وتداعيات
- عبدالسلام نورالدين
-1-
مداخل –
ديوان أمتي
هل يمكن أن يقال أن التيار الجارف لشعر الحداثة بعربية السودان الدارجة الذي هب شاخصا وماثلا وجاذبا لاكثر من نصف قرن من الزمان عبر رموزه الاكثر بريقا وشهرة : محجوب شريف وعمر الطيب الدوش ومحمد الحسن سالم حميد ومحمد طه القدال وهاشم صديق وعاطف خيري وازهري محمد علي واخرين كثر من ذوي المواهب الوضيئة من شباب الجنسين ثم اتسع مجرى تدفق هذا التيار بثورة الثامن عشر من ديسمبر(2018)التي عمدت عربية السودان الدراجة وشعرها ونثرها بوصفها لغة مكتملة ذات مهارات وقدرات باذخة لها مستقبل واسهمت وسائط التواصل الاجتماعي في نشر وتعميق دلالاتها .
هل يمكن ان يقال ان هذا التيار الذي ما فتئء يتسع ويزداد باضطراد سيفضي في نهاية المطاف أن ينتقل السودان الى مرقى اجتماعي اعلى فتتحول عربية السودان الدارجة عبر مسارب ومعارج متعددة الى لغة الامة السودانية الادبية والعلمية واداة تعبيرها في فكرها اليومي وستتلاشى الازدواجيات اللغوية التي تعيقها الان وظلت تحد من نمو الامة العقلي والنفسي تماما كما تطورت اللغات الانجليزية والالمانية والفرنسية والاسبانية والايطالية والرومانية في عصر النهضة من اللغات الهندو اوربية واللاتينية واليونانية القديمة الى تمام نموها الحالي انئذ سيكتسب ديوان امتي لمحمد المكي ابراهيم بعدا فكريا جديدا بوصفه قنطرة الانتقال النوعية من الاغتراب الى العودة الى الذات اضافة الى قيمته الجمالية الاولى.
-2-
سبع حمائم -سيل عمائم - نحل في البرية هائم
ثم جاء محمد المكي ابراهيم ( 1939 ) من اقصى واحة البشيري وازحف وبارا وحي القبة في الابيض مستقلا قطار الغرب متجها الى عاصمة القطر في خواتيم الخمسين - عقد الستين 1958 - 1968 ) وحينما حطت قدماه في الخرطوم "ملأ الدنيا وشغل الناس" شاعرا مكتمل الادوات لغة وبناء وجزالة، ناضجا صقيل الجملة الشعرية، مبتدعا في فكرته الفنية ، طريفا في افتتاحياته، ساخرا ومخاتلا ومفاجئا في العبانياته السردية ويجسد قطار الغرب من قصائده الاولى "المانفستو" الكامل لشاعر تأتي له ان يصوغ مصطلحا جماليا مبتكرا للشعر في السودان تعبيرا عن باطن وتجليات ظاهر الامة السودانية لاتمام نقص القادرين من اجداده واعمامه واخوانه "شعراء الشعب" محمد ود الرضي " من الاسكلا وحلا وابراهيم العبادي " يا سايق الفيت " ومحمد سعيد العباسي وتوفيق صالح جبريل وحمزه الملك طمبل والتجاني يوسف بشير ومحمد المهدي مجذوب ومحمد الفيتوري وتاج السر الحسن والحسين الحسن وصلاح احمد ابراهيم ومحمد عثمان كجراي الذين لم يتسن لاي منهم ان يصوغ مصطلحا جماليا معادلا لوجود الامة السودانية كوضع مستقل عن عالم العرب والامم الافريقية الاخرى .
-3-
من اعاجيب مسارات محمد المكي الذي اتى من اقصى واحة البشيري وازحف وبارا وحي السيد المكي بالابيض مستقلا قطار الغرب عابرا بلاد ما بين النيلين ليس مغتربا او غازيا او هاربا ولكن ليقدم اوراق اعتماده لمجتمع الثقافة ( 1958-1962) في جمهورية الخرطوم التي استبعد ان تكون بتلك الالوان الزاهية والطول التياة والاضواء الباهرة حاضرة لتلك الارياف التعيسة الغرقى في "ميعات" الاهمال والنسيان التي عبر منها اليها ومن جهتها لم تفتح ذراعيها ترحيبا به ولم تعبه بقادم قطع عشرات الاميال ليأنس ويسكن البها:
" ونزلنا في الخرطوم بلا استقبال
هذه ليست احدى مدن السودان
من اين لها هذي الالوان
من اين لها هذا الطول التياة
لا شك قطار الغرب الشائخ تاة"
أما مجتمع جمهورية الخرطوم فلم يتسن له الخروج من الدائرة المغلقة التي ما فتئت تئن وتستعيد سؤالا مكرورا عن هوية أهل السودان :عربي ام افريقي -أم المزيج كما تمزج الخمرة وهي العروبة بماء الخيران والرهود وهم المستعربين الزنوج وفي هذا تخليط وتلبيس شائن فتخطى محمد المكي ذلك اللجاج الفاسد برؤية ثاقبة ومشروع جمالي له مصطلح شعري جدبد له مذاق متفرد بعد ان صقلته تجربته في المانيا واقترابه من مدارس التشكيل المتباينة في القرن التاسع عشر والعشرين مفتتحا بوابته الجديدة "برمية " موسيقية تصحبها رسومات تبدو للوهلة الاولي تجريدية
" سبع حمائم
سيل عمائم
نحل في البرية هائم
موكب وعد موكب امكانات امتنا"
"نار ودخان
وثن طبل قران
طفل ظل يقوم الليل ويمسك في رمضان
حلم برفاة الارض وخوف
من فتكات الغيب المقبل امتنا"
-4-
أمنه التي تغسل صدر محمد المكي فتمنحه الامان
امنه التي يناديها محمد المكي أو مكي بلسانها من مئذنة شعره "بامان"لها لدية مقامان فهي أخته التي لا تكبره الا باعوام جد قليلة ورغم ذلك فهي في ذات الوقت أمه الثانية بعد مريم بت مساعد وتقوم أمنه بين الفينة والاخرى بغسل صدر محمد المكي بحبها النقي المتدفق كلما تبدى لها ان قد زاغ البصر منه والتوى فيعصمه ذلك الحب من الغوى والضلال:
محبتكم عصمتي يا امان
محبتكم محور الكون,قلب الزمان
عيوني التي تبصر الذر أو لا ترى
تناجي الصالحة امنه بصوتها الهامس اخاها " مكي" من منزلهم العامر بحي القبه بالابيض فيسمعها مكي بوضوح في غرب المانيا عبر الاف الاميال:
"تعال الينا كفاك اغترابا
كفانا عذابا
ويا أخت لا البعد يحلو
ولا مضجع الشوق طابا
ويا اخت كيف الميعاد
ولم افن ضرع الحياة احتلابا
ويا اخت لي موعد والشروق أتى حينه
قليلا وتصحو رياحينه
فأحضر عروس الشروق
أكون على الساحل اشبينه"
-5-
الشنفرى وعروة بن الورد ساهران
من اي المدارج والمداخل والزوايا يمكن الاقتراب والتعرف على محمد المكي الانسان ؟
هذا الحيي الرقيق الخجول الى حد الذوبان والتلاشي - أخو البنات التوب الكردفاني الباهي زيقو- الشجاع الجامح الذي طوح يوما ببدن صعلوك وسكير داخلية "سخدل" الفالت بذلك الحي من براغ Praha 06 حينما اتاها زائرا من داكار وباريس في صيف( 1967 ) ثم قذف بالمأفون بعيدا حينما حاول ان يستنسر عليه ككرة شراب هوت من الجدار المجاور فاعادها من حيث اتت فتوقف منئذ ذيالك البغاث المقهورعن تحرشاته العشوائية وكف عن سلوكه الجانح ومع ذلك خالج محمد المكي احساس بالندم اذ كيف يقسو على مثل هذا المتشرد الفالت روحيا.
لا ينافس محمد المكي الشاعر الفذ منذ الصبا الباكر في خورطقت الثانوية ( 1954- 1958 ) في وادي عبقر خورطقت سوى نظيره ورفيقه صافي الدين حامد البشير الذي رحل مأسوفا عليه وعلى نبوغه الشعري الذي تقضى باكرا-
أنا لنا أن نعثر على المصابيح ذات التصميم البديع التي تضيئ لنا على نحو شامل ابعاد ورؤى شخصية الشاعر والانسان محمد المكي الذي ينفر من التاطير والقوالب والاقانيم من كل شاكلة ولون ومع ذلك ليس خروجا على ما ارتضاه ان يكتب قصيدة رصينة يهديها الى الزبير العوام ابن حيه عندما حوكم من قبل نظام انقلاب 17 نوفمبر عام 1959 مع عبدالخالق محجوب والتجاني الطيب فيما عرفت بقضية الشيوعية الكبرى أو أن يتماهي مع فتاك ما قبل الاسلام االصعاليك من امثال الشنفرى وعروة بن الورد والسليك بن السلكة-تأبط شرا-سلمة بن الخرشب- الحادره واخرين لتمردهم على مجتمعات القبيلة وقيمها المتخثرة فكتب محمد المكي رائعته "الشنفرى وعروة بن الورد ساهران" (التي لم يضمنها في ديوانه أمتي) كتب رائعته " الصعاليك" تحت مصابيح ونفوذ افكار جون بول سارتر وعلى وجة الدقة كتابه الاساس" الوجود والعدم"الذي عرف بانجيل الفكر الوجودي Sartre’s Being & Nothingness: The Bible of Existentialism
الجدير بان لا يغفل أن قد حمل محمد المكي معه في صيف عام 1962 عندما عقد العزم مع صديقيه النور عثمان ابكر وعبدالمجيد عبدالرحمن اختراق افاق المانيا الاتحادية فتأتى لهم بلورة رؤى غير متضاربة رغم تباينهم تتمرأى فيها ذواتهم الفردية من خلال امتهم السودانية التي بدت لهم جماع الغابة والصحراء التي تتجلى –وثنا – طبلا- قران – ضربة لازب في لحظة واحدة فعدوا لذلك البناة الرواد الاول لسفراء الغابة والصحراء كما عرفوا في تاريخ الثقافة وأنثربولوجيا الادب في السودان ( 1963 –1969)
حمل محمد المكي معه في رحلته من الخرطوم الى المانيا في صيف 1962 ديوان المفضليات 1-2-اختيار ابو العباس المفضل بن محمد الضبي (المتوفى عام178 هجرية مطبعة الاباء اليسوعيين) الى جانب كتاب ابي حيان التوحيدي " الامتاع والمؤانسة"
لكل ذلك يشق كثيرا التعرف على مصدر الجزالة وذلك البناء اللغوي المغموس في طلاء البداوة في معجم محمد المكي الشعري الذي استخدمه في اثناء اقامته عاملا يدويا لعام كامل في المانيا دون الاعتبار الكامل لمفضليات الضبي واثرها النافذ على اسلوب هذا الشاعر الذي بلا نظير في الماضي أو الحاضر الذي اضحى للمفارقة بروليتاريا وفاتكا من صعاليك العقل يتمثل في تجديفه على الخلق والخالق بالوجوديين الذين يمتون الى البير كاميو وسارتر والشنفرى وعروة بن الورد في وقت واحد:
" ساعود لا ابلا وسقت ولا بكفي الحصيد روائعا"
" في ظلمة التابو تسلقنا نحاس البوق
وانفتحت مسالكنا الى رحم الحياة وطيبات عطائها
تذوقنا حلاوة ان نعيش الرعب والحمى
ونصمد للجليد"
" يا أم مفترق الدروب جلال ان نحيا ونعتنق الوجود "
**
فجأة ينقشع التبغ وتنزاح غشاوات الكحول
ويخر السقف والبار المعلى والسدول
يثب الجاز الى اعصابنا
أملسا, رخوا, مديدا , خائنا
ومليئا بالشجى والجوع والرعب الخرافي الاصول
فتكن من بعدنا اللعنة ولتأت على اعقابنا
هات خمرا ايها الساقي ولا تعبأ بنا
نحن جدفنا على الخالق قبل الخلق والتكوين
من قبل الخطيئة"
**
د. عبد السلام نورالدينِ
Leeds UK
abdelsalamhamad@yahoo.co.uk