من طرف المسيد: حكايا عن الأطباء -2

 


 

 

من طرف المسيد: حكايا عن الأطباء -2
يرويها الاستاذ محمد سيد احمد الحسن
حررها عادل سيد احمد

اما دكتور آدم فضل الله فقد عرفته بواسطة شخص يدعى احمد رضا فريد وهو اخ او من أبناء عمومة اسرة طلعت فريد الشهيرة، وكان صديقه واتضح لي ان الاثنين كانا في الجنوب فاحمد كان عقيد في الجيش اما آدم فقد كان طبيبا بالمستشفى وهي الطبقة العالية التي تلتقي في الغربة، وقد كانا أصحاب هناك وظلا كذلك عندما عادا إلى الخرطوم.
وعرفت آدم عن طريق احمد رضا فريد وصرنا أصدقاء انا وهو، وآدم شخص فارع الطول ولا يشي منظره بلطافته ولكنه كان عكس المظهر فكه ونكتته حاضرة وكان لماحا شديد الذكاء.
ذهبت له ورجلي مكسورة، فقد وقعت من اللوري الذي اقلني من امدرمان لقريتنا المقل لإتمام مراسم زواجي الثاني بعد وفاة زوجتي الاولى، وكان معي محجوب كرار وأخي حسبو سيد احمد رحمهما الله وفيليب غردون وكان ثلاثتهم هم وزرائي.
وبعد أن شحن اللوري، والناس يركبون فوق الشحنة، افسحوا لي مجالا في وسطهم على اعتبار انني العريس المحتفى به، وفجاء هبط اللوري في مطب ووجدت نفسي طائرا في الهواء واللوري فات، فوقعت وكسرت ساقي فوق مفصل القدم، وقد أحسست انا بكسرها ودارت في راسي افكار كثيرة، فأنا لو أخبرتهم ان رجلي كسرت فسيعودون بي ولن يتم الزواج، فتمالكت نفسي وقلت لهم:
- بسيطة، ما في حاجة!
فقمت متوكئ على عصاتي وأكملت العرس ورجعت الخرطوم ومعي عروستي، وكنت في ذلك الوقت مقدم في عطاء لإدارة بوفيه مطار الخرطوم، فذهبت إلى هناك وأكملت العمل وبعد عشرة أيام ذهبت لآدم فضل الله، وكان آدم مثل المشاوي عندما أكون معه ينسى المرضى ويستغرق معي في الحديث، وحكيت له القصة بما فيها زواجي وموضوع العطاء، فقال لي:
- برجلك هذه؟
- نعم!
فقال لي:
- والله يا محمد عمليتك دي أبكر ما يعملا.
فقلت له:
- خلاص، امشي واجيئك...
فقال لي:
- تمشي وين؟ انت خلاص وصلت وما عندك طريقة غير تدخل اول عملية معنا في أول غرفة عمليات احضرناها لعمل المسامير التي تلزم هذا النوع من الكسر، وستكون انت اول شخص نجري له مثل هذه العملية.
وعندما هممت بالوقوف، أشار إلى قائلا:
- لا... لا!
ونادى على ممرض اظن ان اسمه عثمان وقال له:
- احضر نقالة وادخله غدا صباحا غرفة العمليات.
وفعلا عمل لي عملية تركيب مسمار في ساقي اليسرى فوق القدم بقليل... ورقدت في العنبر مستشفيا، وكان آدم بعد يكمل المرور على المرضى يجيء الي حيث نتجاذب أطراف الحديث لدقائق، وكان بجواري مريض اسمه الخير بترت رجله من نصف القدم وبقية الرجل كانت ملفوفة، وكان الخير يرفع رجله المقطوعة فوق السليمة، وعندما يجده دكتور آدم في هذا الوضع يمددها له، وفي مرة قال له:
- الله يا الخير، رجلك الذي راس البطة دي، اجي تاني ألقاها مرفوعة الا اقطعها ليك من الورك، مالك ياخي داير تبوظ (تفسد) على روحك؟
وحدث أن اشترى احمد رضا فريد سيارة، وكان لا يجيد القيادة، وفي مرة ضرب أحد المارة، وبدلا من الوقوف معه واسعافه، تحرك نحوي في طلمبة سوق نمرة اتنين مستغلا تاكسي. ولما وصلني حكي لي ما حدث، فهدأت من روعه وقلت له:
- بسيطة، هذه قضية حركة فقط لا غير!
وذهبنا بالمصاب للمستشفى، وكان كلما لمسنا موضع في جسده يصرخ ويتأوه، وادخلناه لآدم فضل الله الذي اكتشف ان الرجل يمثل وانه لا يعاني حقيقة من الآلام التي يدعيها... فقال له:
- دي أقيف.
- ما بقدر!
- ارفع يدك.
- ما بقدر!
فنادى دكتور آدم على الممرض قائلا له:
- يا فلان، الزول دة دايرك تجبِّصُو لي من راسه وحتى أرجله، ما تخلي حتة فاتحة غير اعينه... الزول دة كلو مكسر...
فخاف المصاب وقال لآدم:
- لكن، يا دكتور...
- ما لكن ولا حاجة، انت ما فيك حتة سليمة!
فقال له المصاب:
- كدي يا دكتور نجرب تاني...
فصار آدم يسأله:
- هنا؟
- ما في حاجة.
- هنا؟
- ما في حاجة.
وفي النهاية أعطينا المُصاب خمسين قرشا وانصرف.
فهذه واحدة من نوادر دكتور آدم فضل الله.
وفي مرة كان عديلي عبد الرحمن محمد شاويش قد بلغ به الضيق مبلغا كبيرا بالخرطوم فقرر الذهاب للبلد (الكرفاب) ومعه أولاده، واشترى حمارا وأصلح التمر واشتغل، ولكن ولده محمد وقع من الحمار فأصيبت يده، وجيء له ببصير ربط اليد بالخشب (الطاب) بطريقة خاصة وشده. وقد كانت معرفة قليلة فشد الطاب أكثر من اللازم وانتفخت اليد وشالت موية وعندما عاد إلى الخرطوم ذهبنا إلى دكتور آدم.
وحكى دكتور آدم القصة لأبي الولد فقال له:
- طبعا مشيت هناك، وركبته في الحمار، وقلت له اذهب واحضر الشيء الفلاني، ووقع كسر يده، وبدلا عن ان تنتبه لان اليد التهبت تركتها تنتفخ وتشيل موية... فماذا تريدني ان افعل؟
وبدأ يبحث في اليد، وقال:
- الولد دة لو محظوظ القى لي عصبة حية.
ولكنه لم يجد، ولم يكن الولد محظوظا. فقال:
- البقدر على عمله، اما ان اترك اليد مفتوحة على حالها او اغمتها.
وفعلا غمت اليد وظلت على حالها حتى يومنا هذا.
وذهبت اليه مرة أخرى، مع حفيدتي عزة إبراهيم عثمان (بنت نوال)، وعزة ولدت وباطن قدمها في ظهرها كالسلحفاة، وكان دكتور آدم فضل الله يدير دار شيشر وهو يتبع لجمعية خيرية مقرها في حي المطار جوار جهاز الأمن وخلف السفارة الكويتية القديمة، وقال آدم فضل الله:
- البنت دي ما عندها مشكلة، فهي كانت جالسة على أرجلها في بطن امها بدلا عن ان تكون راقدة.
وفعلا عمل لها جبص على مراحل، وعادت أرجل عزة لطبيعتها.
وهناك أطباء كثيرون مشهورون بالنكتة، منهم الكوباني وعوض دكام وغيرهم.
ويقال ان عوض دكام كان يقف بعربته في إشارة ضوئية (Stop)، فوقفت بجواره عربة فيها بنات يتهامسن وينظرن اليه ويضحكن، وأدرك عوض انهن يتهامسن حول شكله ولونه الأسمر وسحنته الزنجية، فمد رأسه من شباك العربة وقال لهن:
- اي العربية دي بتاعتي (ملكي)، وكمان انا دكتور!
وكان دائما ما ينكت على شخصه ويسخر من نفسه ومن الآخرين.

amsidahmed@outlook.com

 

آراء