من طرف المسيد: حكايا عن الأطباء -4
عادل سيد احمد
9 August, 2024
9 August, 2024
من طرف المسيد: حكايا عن الأطباء -4
يرويها الاستاذ محمد سيد احمد الحسن
حررها عادل سيد احمد
ونذكر ايضا الدكتور لويس عبدو وهو طبيب قبطي كان يعالج المرضى مجانا ويصرف عليهم من جيبه، وكانت عيادته في حي باريس جنوب كبري الحرية وبعد المنطقة الصناعية؛ وجاء ابنه وواصل المسيرة من بعده، ولكن جهاز الامن لم يرتح لذلك وضايقوه واقفلت العيادة، وفي اخر مرة ذهبت الى هناك وجدت اطلالها. وبجانبه كان هناك دكتور مسلم يدعى محمد أدهم وكان يفعل نفس الشيء: العلاج المجاني والصرف على المرضى.
ومن اميز ما قام به دكتور أدهم انه اقترح عمل دراسة لتصنيع المريسة في المناطق التي يعتمد اهلها على هذا المشروب في عيشهم، ويبدو ان دكتور أدهم من منطقة جنوب كردفان حيث المريسة طعام شائع للسكان، ولكن واجه الناس اقتراحه بالسخرية والضحك.
وكثير من الاطباء ناس نكتة وشعراء وظرفاء مجالس. ويحبوا الخير ومساعدة الآخرين.
ومع ذلك فقد كان يوجد الاطباء الشتر، كذلك الطبيب الاشتر الذي كان يسال اهل المريض إذا ما كانت حالته متأخرة فيقول لهم:
- اها، هل حفرتم القبر؟
فكان الناس يسخرون من هذا النوع ويضحكوا منه.
ايضا لدي قصة مع احمد سعد وهو أخصائي جراحة، وقد أجري لي عملية ووصف لي ادوية مضادة للتي بي، وكان هذا المرض منتشرا في ذلك الوقت ومشهور ب (606)، والادوية كانت ترومايسين او ترمايسن او شيء من هذا القبيل، وقد اهلكتني تلك الادوية، وانا في آخر نفس ناديت على ابني وقلت له:
- يا عادل، تمشي لدكتور سليمان فضيل (وهو معرفة وزميل دكتور زين العابدين كرار ابن خالي وطبيب الاطفال المعروف)، فذهب اليه وقال له سليمان:
- احضروه.
وبعد مدة تماثلت الى الشفاء وذهبت له في العيادة، فقال لي:
- والله، عندما خرجت مني اعتبرت ان تلك اخر مرة اراك فيها، لأنك عندما وصلتني كنت تقريبا ميت.
وهكذا فقد عالجني فضيل بإيقاف جميع الادوية وقال لي ان سبب الانهاك هو الادوية وليس المرض، ولم يصف لي اي ادوية بديلة.
وفي تاريخ السودان هناك أطباء لهم باع طويل وادوارا في السياسة والادب والحياة الاجتماعية.
المحرر:
- عندك تجربة مع دكتور عبد البديع طبيب الاوعية الدموية؟
- عبد البديع التقيته في مستشفى الشرطة، وقد ذهبت الى هناك لأني كنت اشكو من ألام ظهري وارجلي وهي لا تزال تلازمني حتى الان.
وبحث اطباء مستشفى الشرطة عن سبب الالم واحالوني لقسم المخ والاعصاب لدكتور هناك اسمه عبد الملك، الذي قرر ازالة قضروف، وفعلا اكتملت التجهيزات وحضرنا الدم، ودخل علي شخص في المغارب وقال لي:
- ازيك يا حاج...
- اهلا يا دكتور، اتفضل.
- انا طبيب التخدير الذي سيخدرك غدا، اتيت الان للكشف عليك ولأرى الفحوصات.
وبعد الكشف علي قال لي:
- ياخي، الجزء الاسفل من جسمك لا يوجد به دم، وستنشل اذا ما تم تخديرك.
وكتب هذا الكلام وانصرف، فما كان من دكتور عبد الملك الا ان يلغي العملية ويحولني لدكتور عبد البديع، وقد عالجني عبد البديع في وقتها وزالت الالام.
وفي تلك الفترة شعرت ان الله قد سخر لي مجموعة من الاطباء الجيدين، وانا اشكرهم كلهم الاحياء منهم والاموات... وكنت اقارنهم بالأطباء الذين اجروا لي عملية في مستشفى سعد ابو العلا، فرق الليل من النهار، واطباء سعد ابو العلا لم يجروا الفحوصات بشكل دقيق: مجرد لمس وسمع... واعتبر انهم قد تمرنوا في ومنهم طبيب قريب لي ومن اهلي، اعطوني البنج مرتين ولم يسري لان البنج يسري في الدم وليس لدي دورة دموية. واعطوني بنج موضعي وفشل. وهكذا اجريت العملية بدون بنج، وحدث نزيف بعد العملية، فتركوني للممرض (يضحك) وهربوا.
وايضا اشكرهم على ما قاموا به من جهد.
المحرر:
- قبل ذلك، ناس دكتور عبد البديع كانوا قد قالوا لك ان تتوقف عن التدخين؟
- ليس ناس عبد البديع وحدهم، اي طبيب ذهبت له طلب مني التوقف عن السجائر، وانا احاول واحاول التوقف، ولكن في الاخر اكتشفت ان هذه عملية ميؤوس منها، ولن أستطع ترك السجائر، فجاء الدكتور وقال لي ان اتوقف عن التدخين، ولكني أجبته:
- يا دكتور! والله انا لن اكذب عليك، فانا دخلت مع هذا السجائر في معركة قبل ذلك، وطبيعتي أنني لا اخسر معاركي التي اخوضها، ولكن مع التدخين سأخسر المعركة.
ومن النكات المشهورة في ترك التدخين قصة الاديب الامريكي (مارك توين)، الذي قال:
- ترك التدخين سهل، ويمكن لاي منكم ان يتوقف عنه، فانا قد امتنعت عنه أكثر من مائة مرة.
ومن الأطباء الذين أعرفهم الدكتور روبن برودهيد وهو طبيب بريطاني نذر نفسه للعمل في أفريقيا الغربية وهو الآن في ملاوي وقد جاب كل غرب أفريقيا وجاء السودان أكثر من مرة وهو صديق لفيليب غوردون البريطاني وقد كان صديقًا لي أيضا وهو أصلا زميل ودفعة دكتور زين كرار وهو رجل متواضع ويقال انه ثري من أولاد أثرياء بريطانيا وبهذا المعنى فهو لا يمارس الطب من أجل المال فوالده لورد وعنده إقطاعية، وكان روبن يزور بيوت السودانيين العادية ويأكل طبائخهم مثل الويكة والخدرة وفي مرة كنا نتحدث قال لي روبن:
- إن الله قد أنعم على السودان بشيئين.
- ما هما يا روبن؟
- الشمس والعرقي لولاهما لكان السودان غير موجود الآن فبيئته سيئة، ووعي السودانيين متدني، وقلة الماء لا تجعل الناس نظيفين فهم يتنظفون بالحجارة والورق، ولكن الشمس تبيد فضلاتهم، وهي نعمة من نعم الله أن شمسكم ساطعة وحارة.
ودكتور روبن الآن في ملاوي وقد علمت انه أصيب بمرض الشلل الرعاش وهو طبيب فنان، وإنساني ككثير من الأطباء الآخرين.
amsidahmed@outlook.com
يرويها الاستاذ محمد سيد احمد الحسن
حررها عادل سيد احمد
ونذكر ايضا الدكتور لويس عبدو وهو طبيب قبطي كان يعالج المرضى مجانا ويصرف عليهم من جيبه، وكانت عيادته في حي باريس جنوب كبري الحرية وبعد المنطقة الصناعية؛ وجاء ابنه وواصل المسيرة من بعده، ولكن جهاز الامن لم يرتح لذلك وضايقوه واقفلت العيادة، وفي اخر مرة ذهبت الى هناك وجدت اطلالها. وبجانبه كان هناك دكتور مسلم يدعى محمد أدهم وكان يفعل نفس الشيء: العلاج المجاني والصرف على المرضى.
ومن اميز ما قام به دكتور أدهم انه اقترح عمل دراسة لتصنيع المريسة في المناطق التي يعتمد اهلها على هذا المشروب في عيشهم، ويبدو ان دكتور أدهم من منطقة جنوب كردفان حيث المريسة طعام شائع للسكان، ولكن واجه الناس اقتراحه بالسخرية والضحك.
وكثير من الاطباء ناس نكتة وشعراء وظرفاء مجالس. ويحبوا الخير ومساعدة الآخرين.
ومع ذلك فقد كان يوجد الاطباء الشتر، كذلك الطبيب الاشتر الذي كان يسال اهل المريض إذا ما كانت حالته متأخرة فيقول لهم:
- اها، هل حفرتم القبر؟
فكان الناس يسخرون من هذا النوع ويضحكوا منه.
ايضا لدي قصة مع احمد سعد وهو أخصائي جراحة، وقد أجري لي عملية ووصف لي ادوية مضادة للتي بي، وكان هذا المرض منتشرا في ذلك الوقت ومشهور ب (606)، والادوية كانت ترومايسين او ترمايسن او شيء من هذا القبيل، وقد اهلكتني تلك الادوية، وانا في آخر نفس ناديت على ابني وقلت له:
- يا عادل، تمشي لدكتور سليمان فضيل (وهو معرفة وزميل دكتور زين العابدين كرار ابن خالي وطبيب الاطفال المعروف)، فذهب اليه وقال له سليمان:
- احضروه.
وبعد مدة تماثلت الى الشفاء وذهبت له في العيادة، فقال لي:
- والله، عندما خرجت مني اعتبرت ان تلك اخر مرة اراك فيها، لأنك عندما وصلتني كنت تقريبا ميت.
وهكذا فقد عالجني فضيل بإيقاف جميع الادوية وقال لي ان سبب الانهاك هو الادوية وليس المرض، ولم يصف لي اي ادوية بديلة.
وفي تاريخ السودان هناك أطباء لهم باع طويل وادوارا في السياسة والادب والحياة الاجتماعية.
المحرر:
- عندك تجربة مع دكتور عبد البديع طبيب الاوعية الدموية؟
- عبد البديع التقيته في مستشفى الشرطة، وقد ذهبت الى هناك لأني كنت اشكو من ألام ظهري وارجلي وهي لا تزال تلازمني حتى الان.
وبحث اطباء مستشفى الشرطة عن سبب الالم واحالوني لقسم المخ والاعصاب لدكتور هناك اسمه عبد الملك، الذي قرر ازالة قضروف، وفعلا اكتملت التجهيزات وحضرنا الدم، ودخل علي شخص في المغارب وقال لي:
- ازيك يا حاج...
- اهلا يا دكتور، اتفضل.
- انا طبيب التخدير الذي سيخدرك غدا، اتيت الان للكشف عليك ولأرى الفحوصات.
وبعد الكشف علي قال لي:
- ياخي، الجزء الاسفل من جسمك لا يوجد به دم، وستنشل اذا ما تم تخديرك.
وكتب هذا الكلام وانصرف، فما كان من دكتور عبد الملك الا ان يلغي العملية ويحولني لدكتور عبد البديع، وقد عالجني عبد البديع في وقتها وزالت الالام.
وفي تلك الفترة شعرت ان الله قد سخر لي مجموعة من الاطباء الجيدين، وانا اشكرهم كلهم الاحياء منهم والاموات... وكنت اقارنهم بالأطباء الذين اجروا لي عملية في مستشفى سعد ابو العلا، فرق الليل من النهار، واطباء سعد ابو العلا لم يجروا الفحوصات بشكل دقيق: مجرد لمس وسمع... واعتبر انهم قد تمرنوا في ومنهم طبيب قريب لي ومن اهلي، اعطوني البنج مرتين ولم يسري لان البنج يسري في الدم وليس لدي دورة دموية. واعطوني بنج موضعي وفشل. وهكذا اجريت العملية بدون بنج، وحدث نزيف بعد العملية، فتركوني للممرض (يضحك) وهربوا.
وايضا اشكرهم على ما قاموا به من جهد.
المحرر:
- قبل ذلك، ناس دكتور عبد البديع كانوا قد قالوا لك ان تتوقف عن التدخين؟
- ليس ناس عبد البديع وحدهم، اي طبيب ذهبت له طلب مني التوقف عن السجائر، وانا احاول واحاول التوقف، ولكن في الاخر اكتشفت ان هذه عملية ميؤوس منها، ولن أستطع ترك السجائر، فجاء الدكتور وقال لي ان اتوقف عن التدخين، ولكني أجبته:
- يا دكتور! والله انا لن اكذب عليك، فانا دخلت مع هذا السجائر في معركة قبل ذلك، وطبيعتي أنني لا اخسر معاركي التي اخوضها، ولكن مع التدخين سأخسر المعركة.
ومن النكات المشهورة في ترك التدخين قصة الاديب الامريكي (مارك توين)، الذي قال:
- ترك التدخين سهل، ويمكن لاي منكم ان يتوقف عنه، فانا قد امتنعت عنه أكثر من مائة مرة.
ومن الأطباء الذين أعرفهم الدكتور روبن برودهيد وهو طبيب بريطاني نذر نفسه للعمل في أفريقيا الغربية وهو الآن في ملاوي وقد جاب كل غرب أفريقيا وجاء السودان أكثر من مرة وهو صديق لفيليب غوردون البريطاني وقد كان صديقًا لي أيضا وهو أصلا زميل ودفعة دكتور زين كرار وهو رجل متواضع ويقال انه ثري من أولاد أثرياء بريطانيا وبهذا المعنى فهو لا يمارس الطب من أجل المال فوالده لورد وعنده إقطاعية، وكان روبن يزور بيوت السودانيين العادية ويأكل طبائخهم مثل الويكة والخدرة وفي مرة كنا نتحدث قال لي روبن:
- إن الله قد أنعم على السودان بشيئين.
- ما هما يا روبن؟
- الشمس والعرقي لولاهما لكان السودان غير موجود الآن فبيئته سيئة، ووعي السودانيين متدني، وقلة الماء لا تجعل الناس نظيفين فهم يتنظفون بالحجارة والورق، ولكن الشمس تبيد فضلاتهم، وهي نعمة من نعم الله أن شمسكم ساطعة وحارة.
ودكتور روبن الآن في ملاوي وقد علمت انه أصيب بمرض الشلل الرعاش وهو طبيب فنان، وإنساني ككثير من الأطباء الآخرين.
amsidahmed@outlook.com