مُذَكِّرَات مُغتَرِبٍ في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي (٢٥)

 


 

 

بعد أنْ قَضَى أصْهارِى الأربعةُ وأُمُّهم ثلاثةَ أيامٍ في الخفجي ، غادَرُوا إلى الجُبيل البلد وأقامُوا عزاءاً جديداً في شقّتي التي تُطِلُّ على شارعِ القطيف . تَركُوا شقّتي للحَرِيم واتَخَذُوا مِن شقّة المُعلِّمين السُّودانيين المُقابِلة لها في الناحِية الأُخرَى مِن الشَّارِع مَجلِساً لِعَزاءِ الرجال . ظلُّوا هُنالِك أربعةَ أيامٍ ثُمّ أخَذُوا أُمَّهم وغادَرُوا إلى الرِّياض ولمْ يُعقِّبْ مِنهُم أحدٌ لزِيارَتنا في المُستشفى طِيلةَ وجُودِنا فيه . سافرَ عبدُ الرَّحمن بِأمِّه إلى السُّودان .
أمَّا في السُّودان فكَانَ الحُزنُ كَبِيراً . ارتَحلَ أهلِي كلُّهم مِن " وَد الهِندِي " إلى قَريةِ " القُصَيرَة " لِيُؤازِرُوا ويُواسُوا ويُخَفِّفُوا عن أهلِنا هناك وقعَ المُصيبةِ ، وكانَ على رأسِهم أخي وشَقِيقي فتحُ الرَّحمن الذي قامَ بِكلِّ الوَاجِب بِكُل تَجَرُّد ونُكرَان ذات أثناءَ ايّامِ العَزاءِ الثَّلاثة في القَرية . بعد أنْ غادَرتْ أمُّ أسماء إلى السُّودان ، قامَ شقيقي الأصْغَر زينُ العابِدين بِتَقدِيم طَلَب استِقدَام الوَالِدة مِن السُّودان لتَقُومَ بِدَورِ الأُم لِكُلٍّ مِن أبنائي عمر وأحمد في هذه الفترةِ الحَرِجةِ مِن حَياتِهما وهُما طِفلان لا يَزالان .
انْقضَتْ فترةُ العِلاج وتَقرَّر خُروجُنا مِن مُستَشفى الشَّرِكة العربية للزَّيت قبل عيدِ الأضحَى بيومين أو ثلاثة تقريباً. بعدَ أنْ شَكَرنا طاقَمَ الأطِبّاء والمُمرِّضين ، خَرجْنا بِصُحبةِ أخينا " أبو أحمد " إلى دارِه العامِرةِ فاسْتَقبَلتنا أُمُّ أحمد بالبُكاءِ والحُزنِ النَّبِيل . وتَعهَّدتْ أحمد بعِنايةٍ خاصّة إذ لا يزالُ الجبسُ على رِجلِه اليُمنَى . كانَ عُمُر أحمد في ذلك الوقتِ خمسةَ أعوامٍ وعُمُر أخيه سبعة . مَكَثنا لدَى " أبو أحمد " وعائلَتِه الكَرِيمةِ حتّى نهارِ اليومِ الأوَّلِ مِن عيدِ الأضحَى المُبارَك . ثُمَّ سافَر بِي أنا لوحدي إلى الجُبيل حتّى أتلقى تعازي الناسِ الذين لمْ يَتمَكَّنُوا مِن الذَّهابِ إلى الخفجي . وتَرَكنا عمر وأحمد تحتَ رِعايةِ أُم أحمد وصُحبةِ أحمد وأمجد وياسر حَفِظَهُم الله جميعاً .
كانَ العَزاءُ هذه المَرَّة في أحدِ أحياءِ المَنطِقة السَّكنِية بالجُبيل الصِّناعية، وكنتُ قد وصَفتُها مِن قَبلُ . كانَ مُضَيِّفَنا أخٌ عزيزٌ مِن أبناءِ " الدَّلَيبة " القريةِ التي لا تَبعُد عن القُصيرة أكثرَ مِن ٢ كم ، وزَوجَتُه " أُم أمَل " مِن القُصَيرة ذاتِها . استَقبَلَنا الأخُ الكريمُ عبدُ الرَّحمن إبرَاهيم بِحفَاوةٍ في دارِه الباذِخةِ ، وسُرعانَ ما تَقاطَر النّاسُ للعَزاءِ بعد أنْ عَرَفُوا مَوقِعَ الدَّار . كانَ المُعَزُونَ مِن كُلِّ مُدنِ المَنطِقة : الجُبيل ، الدّمام ، الخُبر ، الهُفُوف ، صفْوَى ، والقَطِيف . أكْرَمَ أبو أمَل وحَرمُه المَصُون وبناتُهم أمل وأسماء وإيناس كُلَّ الذين وَفَدُوا لعَزائِنا وأحَسنُوا وِفادَتَهُم أيَّما إحْسَان . فجَزاهُم اللهُ عنَّا خيرَ الجَزاء . بعد يومين أو ثلاثة رَجَعتُ الي الخفجي وعُدتُ منها وأبنائي إلى دارِنا في شارِع القَطِيف .
وصَلَتْ بعد الأيَّامِ الخَمسَةِ الأولَى مِن عيدِ الأضحَى المُبارَك الوَالِدةُ الغاليةُ زينب الشريف مختار وصَحِبتهَا الطُمأنِينةُ برداً وسلاماً هَبَطا معها علينا وعلى دارِنا وعلى أبنائِها عُمر وأحمد قبلَ كُلِّ شَئ .

محمد عمر الشريف عبد الوهاب

m.omeralshrif114@gmail.com

 

آراء