نحن و هُم : أزمة الضمير في السودان (5) الأخيرة

 


 

جبير بولاد
9 August, 2024

 

• جبير بولاد

( الأب يخفي أخطاء إبنه و الإبن يخفي أخطاء أبيه )
كونفوشيوس

.. في خواتيم مقالنا السابق، كنا قد حددنا الخيارات القاتمة التي تنتظر السودانيين إذا لم يستقيظ الضمير عند جماعة حلف النفعيين والرغبويين وفي هذا الحلف لا تغُرنّك التقسيمات القديمة ولا العداوات المصطنعة التي كانت تمارس أدوارها بإتقان في سلب العقول والحقوق العامة وتحتكر الدولة ومنافعها، مكللين ذلك بحق النسب الأشرف واحتكار مراكز القوى ( جيش، إعلام، اقتصاديات، ...الخ) متناسين أن التاريخ يمضي وتتصاعد معه إحداثيات اجتماعية وثقافية تفتح الباب واسعا لمساحات الوعي ، إذ لا يمكنك إحكام السيطرة عليها علي الدوام ولكن كيف لموتي الضمير ان يستوعبوا تلك الحقائق الوجودية البسيطة !
.. الآن هذا الخراب الماثل أمامنا ، هو حصاد زرع قديم ولكنه زرع بذرته فاسدة ومسمومة، أورثتنا كسودانيين هذا الدرس القاسي والمؤلم ، و رغم ذلك تجد من ينفخ حتي الآن في نار السموم ويقول هل من مزيد ؟ وهولاء لو تتبعت أحوال معظمهم لوجدتهم بعيدين كل البُعد عن دائرة هذه النيران التي ينفخون فيها صباحا و مساء دون خجل او وازع من ضمير . و هم الذين تفيئوا ظلال مدن (تنوم وتصحي على الطرب) كما تَغنّي المطرب الراحل حمد الريح، هؤلاء ثُلة من القوم أسوأ ما أنتجته سُلالة ال(نحن) ، لماذا؟ لأنهم رغم تلقِيهم حظ من العلوم و وجودهم في حواضر عالمية معنية بالمعارف و سُبل تطوير الحس والشعور الإنساني إلا أنهم بقوا بكل أمراضهم الموروثة ، وزادوا عليها ايضا إنتفاخ وتضخم ذات لا تري في اي تغيير سياسي في السودان منحي إيجابي إلا اذا كانوا ضمن تشكيلته، ويا ليتهم ممن يُرتّجي منهم ، بل بالعكس فهم مثل الأبالسة يأتي الواحد منهم فيخطف الخطفة ثم لا ينتظر الشهاب الرصدا (المُحاسبة) ، ثم يأتينا بعد خرف ليحكي أساطير تزيد في تدليس الواقع وتزييف التاريخ، فهو المتعّقر، المقعيٌ ككلب عقور، أن تركته ينبح وان أقتربت منك يعضُك . هؤلاء لن يجد السودان ولا أجياله القادمة منهم إلا الخُذلان والعقوق . وفي معارك الضمير الكبري تجدهم منهزمون، لذلك ستطويهم الذاكرة في مكان قصِي لن تدركه شمس التذّكُر أبدا .
.. علي خلفية شبح المجاعة الطاحن الذي بات يتربص بالسودانيين في الداخل، يمد العالم يديه ليفتح بوابة للأمل لإيقاف هذه الحرب المأساوية و عذاباتها والسودانيين المكتوين حقيقة بلظي الحرب يدعون الله أن يُهدي من تسببّ في هذه الحرب وأشعل نارها ان يجلس أولا لمراجعة الذات والإعتراف بالأخطاء، ثم يمضي لفتح صفحة جديدة للتاريخ السوداني لمعالجة المرارات و المظلومية التاريخية، ثم يطلب الصُفح والغفران من هذا الشعب المكلوم و الصابر ثم تسليمه سلطته المغتصبة منذ ذلك اليوم المشؤوم ( 25 أكتوبر 2021 )، ليمضي في حُلمه نحو التغيير المدني الديمقراطي، وليودّع تاريخ طويل من العذابات والاحباطات و الخذلان كان السبب فيها موتي الضمير ممن اختطفوا الدولة، وفي أنانية أبعدوا الآخرين من شركاء الوطن ، مما جعل هذه المظالم تتراكم الى حد الغِبن لتنفجر كلها دفعة واحدة لتحطم مركز الدولة وأسطورتها الكاذبة .
.. إذا اردت سماع الطيور، لا تشتري الأقفاص، بل إغرس الأشجار .
انتهي

jebeerb@yahoo.com

 

 

آراء