أعراف وتقاليد (مُزيَّفة) !!
هيثم الفضل
28 December, 2022
28 December, 2022
صحيفة الجريدة
سفينة بَوْح -
أمس الأول شاهدتُ فقرةً إخبارية في إحدى القنوات الفضائية العربية إستضيفت فيها الأستاذة الإعلامية القديرة / رشا عوض رئيس تحرير صحيفة التغيير ، ودار محوَّر النقاش حول مُلابسات إغتيال فنانة الراب السودانية رنا بدرالدين التي تم الإعلان عن مقتلها قبل أيام بمدينة بحري وعلى جثتها آثار ضرب بآلة صلبة ، وبغض النظرعن تفاصيل ومُلابسات القضية التي توغَّل حولها النقاش في الحلقة المذكورة لغرابتها على المجتمع السوداني ، فقد أثار إنتباهي إتجاه النقاش الإيجابي والبَّناء نحو محور معاناة المرأة السودانية وإضهادها وحرمانها الكثير من حقوقها الشرعية والإنسانية ، وكالعادة كانت الأستاذة رشا عوض على قدر (المسئولية) والدراية والقُدرة على التعبير عن مُعظم ما تعانيه المرأة السودانية من مشكلات وإنتهاكات وأحياناً جرائم ، ولم يفُت على الأستاذة رشا أن تستصحب في مجموعة المُسبِّبات التي تحتاج إلى مُراجعات في حال أردنا إخراج المرأة السودانية من محنتها ، ما يجب أن يطال الدستور والقانون والثقافة المجتمعية العامة من (تغيير) أو (تعديل) في نظرته للمرأة من حيث المبدأ والمٌنتهى إنطلاقاً من الفهم الصحيح لدورها في (الحياة) ومساهماتها في رفد المجتمع والدولة بما لا يستطعهُ الرجال أحياناً ، وفي الحقيقة فإن المرأة السودانية تعاني من حالتين من الإضطهاد ، الأولى عامة ومنتشرة في معظم البلدان العربية ومن إنتمى إلى ثقافتها من بلدان أخرى وهي متعلِّقة بمتلازمة (السمو الذكوري) ، والثانية خاصة وهي متعلقة يمقتضيات فرضتها خصوصيات المجتمع السوداني والتبعات المُستخلصة من تأثير تعدُّد وتنوَّع الثقافات والعادات والأعراف.
طرحت المذيعة سؤالاً تقليدياً ومُتداولاً لكنه رغماً عن ذلك لم يفقد أهميته الإستراتيجية في محاور النقاشات التي تحاول تشريح وتفسير وتصوير مستويات وأبعاد محنة المرأة السودانية ، عبرالحادث المتعلِّق بإغتيال مغنية الراب رنا بدر الدين ، والسؤال هو : هل كان للأعراف والتقاليد السودانية دور في عدم تعاطف جزء كبير من المجتمع السوداني مع الفنانة الراحلة وعدم إستنكار القتل كجريمة أياً كانت أسبابها وكيفما كانت توجُّهات وقناعات ومُمارسات ضحاياها ؟ ، هل الأعراف السودانية لا تستنكر أو تُجرِّم قتل من يسلك سلوكاً شخصياً مخالفاً للتقاليد أو لما يتبنَّاه المجتمع من مُثل وقيِّم ؟ ، أجابت الأستاذة رشا عوض من منظور محدود و(آني) بنعم ، وفات عليها أن ما يتبَّناه المجتمع السوداني (اليوم) من أعراف وقيِّم ومُثل هو مجرَّد (قشرة سطحية) ومؤقَّتة ، تُغطي المضامين التاريخية الحقيقية لأعرافنا وتقاليدنا السودانية الراسخة في جذور التاريخ ، فالمرأة السودانية قبل (طُغيان) ثقافة التطرَّف الديني التي عمَّت البلاد بالقهر والقوة وسطوة السلطة ، لم تكن كما نحن عليه الآن ، فالمرأة السودانية على مر تاريخ الأمة التليد كانت محل إحترام وتقدير وإحياناُ (سطوة) تطغى على الرجال في حال إستحقاقها لذلك ، فالممالك السودانية القديمة في شتى بقاع الوطن تعجُّ بالماجدات من الملكات وربيبات الحكمة ورائدات التأثير الجماعي الإيجابي ، وكان للمرأة السودانية عبر تاريخنا المرصود صوتأ مسموعاً ومُقدَّراً وأحياناً يطالهُ التقديس ، كما هو حال دور الحكّاَمات في معظم القبائل الدارفورية ، أما على مستوى تاريخنا الحديث فقد إزدحمت الساحة الفنية والإبداعية والعلمية بالكثيرات من الماجدات اللاتي لم تستهِن أعرافنا وتقالينا السودانية الأصيلة وغير المُزيَّفة بأدوارهن ومجاهداتهن ومساهماتهن في الكثير من القطاعات الحيوية ، وقد كنَّ محل إحترام وتقدير لدى مُجمل المجتمع السوداني المتعدِّد الأعراف والتقاليد والثقافات ، رحم الله مهيرة بت عبود وعائشة الفلاتية ومنى الخير وأم بلينه السنوسي وحوى الطقطاقة والطبيبتين خالدة زاهر و زروى سركسيان ، وفاطمة عبد المحمود وفاطمة أحمد إبراهيم ، وأطال في عمر بلقيس عوض وفايزة عمسيب وغيرهن من اللاتي أضئن دروب الحياة للشعب السوداني ولم يتسع المجال لذكرهِن ، ثم المجد والخلود لملكات مملكة مروي الفتية أماني شاخيتي وأماني ريناس وشنكر خيتو ، وكل نساء بلادي الماجدات بكل ما بذلنه من تضحيات وجهود وطاقات ساهمت في بقاء هذه البلاد إلى يومنا هذا وما زلنا ننتظر منهن الكثير.
haythamalfadl@gmail.com
سفينة بَوْح -
أمس الأول شاهدتُ فقرةً إخبارية في إحدى القنوات الفضائية العربية إستضيفت فيها الأستاذة الإعلامية القديرة / رشا عوض رئيس تحرير صحيفة التغيير ، ودار محوَّر النقاش حول مُلابسات إغتيال فنانة الراب السودانية رنا بدرالدين التي تم الإعلان عن مقتلها قبل أيام بمدينة بحري وعلى جثتها آثار ضرب بآلة صلبة ، وبغض النظرعن تفاصيل ومُلابسات القضية التي توغَّل حولها النقاش في الحلقة المذكورة لغرابتها على المجتمع السوداني ، فقد أثار إنتباهي إتجاه النقاش الإيجابي والبَّناء نحو محور معاناة المرأة السودانية وإضهادها وحرمانها الكثير من حقوقها الشرعية والإنسانية ، وكالعادة كانت الأستاذة رشا عوض على قدر (المسئولية) والدراية والقُدرة على التعبير عن مُعظم ما تعانيه المرأة السودانية من مشكلات وإنتهاكات وأحياناً جرائم ، ولم يفُت على الأستاذة رشا أن تستصحب في مجموعة المُسبِّبات التي تحتاج إلى مُراجعات في حال أردنا إخراج المرأة السودانية من محنتها ، ما يجب أن يطال الدستور والقانون والثقافة المجتمعية العامة من (تغيير) أو (تعديل) في نظرته للمرأة من حيث المبدأ والمٌنتهى إنطلاقاً من الفهم الصحيح لدورها في (الحياة) ومساهماتها في رفد المجتمع والدولة بما لا يستطعهُ الرجال أحياناً ، وفي الحقيقة فإن المرأة السودانية تعاني من حالتين من الإضطهاد ، الأولى عامة ومنتشرة في معظم البلدان العربية ومن إنتمى إلى ثقافتها من بلدان أخرى وهي متعلِّقة بمتلازمة (السمو الذكوري) ، والثانية خاصة وهي متعلقة يمقتضيات فرضتها خصوصيات المجتمع السوداني والتبعات المُستخلصة من تأثير تعدُّد وتنوَّع الثقافات والعادات والأعراف.
طرحت المذيعة سؤالاً تقليدياً ومُتداولاً لكنه رغماً عن ذلك لم يفقد أهميته الإستراتيجية في محاور النقاشات التي تحاول تشريح وتفسير وتصوير مستويات وأبعاد محنة المرأة السودانية ، عبرالحادث المتعلِّق بإغتيال مغنية الراب رنا بدر الدين ، والسؤال هو : هل كان للأعراف والتقاليد السودانية دور في عدم تعاطف جزء كبير من المجتمع السوداني مع الفنانة الراحلة وعدم إستنكار القتل كجريمة أياً كانت أسبابها وكيفما كانت توجُّهات وقناعات ومُمارسات ضحاياها ؟ ، هل الأعراف السودانية لا تستنكر أو تُجرِّم قتل من يسلك سلوكاً شخصياً مخالفاً للتقاليد أو لما يتبنَّاه المجتمع من مُثل وقيِّم ؟ ، أجابت الأستاذة رشا عوض من منظور محدود و(آني) بنعم ، وفات عليها أن ما يتبَّناه المجتمع السوداني (اليوم) من أعراف وقيِّم ومُثل هو مجرَّد (قشرة سطحية) ومؤقَّتة ، تُغطي المضامين التاريخية الحقيقية لأعرافنا وتقاليدنا السودانية الراسخة في جذور التاريخ ، فالمرأة السودانية قبل (طُغيان) ثقافة التطرَّف الديني التي عمَّت البلاد بالقهر والقوة وسطوة السلطة ، لم تكن كما نحن عليه الآن ، فالمرأة السودانية على مر تاريخ الأمة التليد كانت محل إحترام وتقدير وإحياناُ (سطوة) تطغى على الرجال في حال إستحقاقها لذلك ، فالممالك السودانية القديمة في شتى بقاع الوطن تعجُّ بالماجدات من الملكات وربيبات الحكمة ورائدات التأثير الجماعي الإيجابي ، وكان للمرأة السودانية عبر تاريخنا المرصود صوتأ مسموعاً ومُقدَّراً وأحياناً يطالهُ التقديس ، كما هو حال دور الحكّاَمات في معظم القبائل الدارفورية ، أما على مستوى تاريخنا الحديث فقد إزدحمت الساحة الفنية والإبداعية والعلمية بالكثيرات من الماجدات اللاتي لم تستهِن أعرافنا وتقالينا السودانية الأصيلة وغير المُزيَّفة بأدوارهن ومجاهداتهن ومساهماتهن في الكثير من القطاعات الحيوية ، وقد كنَّ محل إحترام وتقدير لدى مُجمل المجتمع السوداني المتعدِّد الأعراف والتقاليد والثقافات ، رحم الله مهيرة بت عبود وعائشة الفلاتية ومنى الخير وأم بلينه السنوسي وحوى الطقطاقة والطبيبتين خالدة زاهر و زروى سركسيان ، وفاطمة عبد المحمود وفاطمة أحمد إبراهيم ، وأطال في عمر بلقيس عوض وفايزة عمسيب وغيرهن من اللاتي أضئن دروب الحياة للشعب السوداني ولم يتسع المجال لذكرهِن ، ثم المجد والخلود لملكات مملكة مروي الفتية أماني شاخيتي وأماني ريناس وشنكر خيتو ، وكل نساء بلادي الماجدات بكل ما بذلنه من تضحيات وجهود وطاقات ساهمت في بقاء هذه البلاد إلى يومنا هذا وما زلنا ننتظر منهن الكثير.
haythamalfadl@gmail.com