حكومة وحدة وطنية قبل قيامة السودان

 


 

حسين التهامي
28 January, 2016

 


husselto@yahoo.com

    من غير الدخول فى تفاصيل صورة المشهد السياسى فى  بلادنا  الان والجدال الذى يبدو عقيما حول الحكومة المقبلة  : انتقالية ام قومية ؟ فان  الإجابة ببساطة هى : بل حكومة وحدة وطنية . وهى حكومة تحالف واسع لاحزاب رئيسة او كل الأحزاب داخل او خارج البرلمان - كما فى حالة وجود ممارسة سياسية  حرة وحقيقية -  تنشأ لمواجهة حالة حرب او أزمة . وماشاء الله نحن لدينا الاثنين معا ... الحرب والازمة فى كل شىء من الضمير الحى الى أسطوانة الغاز  المنزلى والطبى ومرورا بالكادر البشرى المؤهل والأفكار التى تضج  بالحيوية التى تصنع الحياة والقائمة لا تنتهى.
    وليست حكومة الوحدة الوطنية بدعا فى السياسة فقد وجدت طريقها الى الحياة السياسية لتجمع بين المتناقضين والشركاء المتشاكسين فى العديد من  دول العالم من الولايات المتحدة الامريكية والمملكة المتحدة واللكسمبورج والنيبال ولبنان وكرواتيا وكينيا واليونان وإيطاليا وهنجاريا-  وحتى اخر الذين تسعى الحكومة لخطب ودهم - اسرائيل .
    ففى الولايات المتحدة الامريكية خلال الحرب الأهلية وفى مسعى لتجسير الهوة بين الجمهوريين والديمقراطيين قام الرئيس ابراهام لنكولن فى دورة حكمه الثانية بتعيين الديمقراطي أندرو جونسون نائبا له . وعلى الرغم من انها كانت السابقة الوحيدة  من حيث وزنها واهميتها فى التاريخ السياسي للولايات المتحدة الامريكية الا انها تكررت بشكل او اخر هناك ان يلتف الحزبان الجمهورى والديمقراطي حول رأس الجهاز التنفيذي او الرئيس كما وقع خلال الهجوم اليابانى على بيرل هاربور فى الحرب العالمية الثانية او حادث اغتيال الرئيس جون كينيدي او هجمات ١١ سبتمبر ٢٠٠١م .
    اما لبنان فان نظام المحاصصة والكوتات الطائفية يجعلان من المستحيل على حزب او طائفة المقدرة على قيام حكومة بالانفراد . وعقب فوزه بالانتخابات سنة ٢٠١٥م فى سريلانكا  اختار  الحزب الوطنى المتحد تشكيل حكومة وحدة وطنية مع الحزب المعارض الرئيس وهو حزب حرية سيرلانكا .والقصة هى نفسها مع اختلاف فى التفاصيل  فى الدول الاخرى التى ذكرت.
    وسيتعين على حكومة الوحدة الوطنية ان تقوم بمهمتين  :  ١/ وقف الحرب ورعاية اتفاق سلام  يضع نهاية لمسلسل العنف فى الأجزاء الملتهبة من البلاد وبالضرورة الإعداد لانتخابات نزيهة .
    ٢/ الشروع فى برنامج إصلاح اقتصادى عاجل يكافح الفساد ويعالج قضية الحصار الاقتصادى وتبعات إجراءاته .انظر فى هذا الأخير ليس رأى الحكومة بل  رأى  الحزب الشيوعي السودانى فى العقوبات الامريكية على السودان  والذى  أعلنه  سنة ٢٠٠٧م   : ( العقوبات كلما اتسع نطاقها، كلما عبرت عن تردي علاقات السودان الخارجية وبالتالي تقل فرص وإمكانيات توظيف هذه العلاقات لخدمة عملية التنمية، فالعقوبات تنال من البلاد وتشوهها في أوساط المستثمرين الأجانب بمختلف جنسياتهم. فالأثر السلبي لهذه العقوبات على مناخ الاستثمار لا يحول فقط دون دخول مستثمرين جدد بل يشجع على هروب رؤوس الأموال الأجنبية المستثمرة فعلاً. وهنا ليس من المصلحة في شيء التقليل من شأن الولايات المتحدة الأمريكية وقدرتها على ممارسة الضغوط على البلدان الأخرى وكذلك توظيف نظامها المالي بهدف زيادة تأثير هذه العقوبات.
    الأثر التراكمي للنتائج السلبية المترتبة على هذه العقوبات.. ارتفاع تكاليف الإنتاج، ضمور القاعدة الإنتاجية، التمادي في زيادة الإنفاق الحكومي خاصة على الأجهزة الأمنية والسيادية، وزيادة الإنفاق العسكري... الخ. سينتج عنه انخفاض في سعر العملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية وبالتضافر مع العوامل الأخرى سيأخذ التضخم في الارتفاع، وترتفع أسعار السلع الإنتاجية والاستهلاكية لتزداد معاناة محدودي الدخل.. وتتراكم المزيد من عوامل الكبح التي تعرقل مسار تطور الاقتصاد ). انتهى
    اما مسالة الدستور فان من الأوجب تركها الى مجلس او برلمان منتخب فى اجواء حرية ورشد تتيح مشاركة حقيقية لجميع أهل السودان فى التقرير بشأنه .
    ومن المستحسن ان لا تتجاوز فترة حكومة الوحدة الوطنية السنتين اذ ان الاطالة تبطل دواع الناحية العملية فى قدرتها على الحسم والانجاز .
    ولاسباب معلومة تخشى الحكومة من الانتقالية والتى تؤذن   بذهاب ريحها بل الأدهى والامر فتح باب الأسئلة المقلقة حول حقبة الإنقاذ منذ ٣٠ يونيو ١٩٨٩م.
    فقد نقلت قناة الشروق بتاريخ  الثانى من الشهر الجارى عن  الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي  د.حسن الترابي  :  ( إن الرؤية التي يقدمها حزبه في مؤتمر الحوار الوطني تقترح حكومة انتقالية لمدة عامين، ويرأسها عمر البشير، وبعد نهايتها تُجرى انتخابات عامة في البلاد.وأبان الترابي أن الرؤية التي طرحها حزبه، بجانب رئاسة البشير للحكومة الانتقالية، أن تكون لمجلس وزرائها سلطات تنفيذية، وتواصل المؤسسات التشريعية الحالية عملها في تقنين مخرجات الحوار.وأضاف في حوار مع صحيفة قطرية نشرته، السبت: "بعد نهاية الفترة الانتقالية تجرى انتخابات عامة يُحظر عن خوضها شاغلو المناصب الدستورية والتشريعية، وذلك لتحييد آلية الدولة، وأن الجمعية التأسيسية المنتخبة تتولى إجازة دستور دائم للبلاد، وتكون الرئاسة دورية في مجلس سيادة يراعي التنوع في السودان". وحذَّر الترابي من خطر (الصوملة) و(التفتت) و(الاحتراب)، والانزلاق إلى حرب أهلية، مثل سوريا وليبيا واليمن، مشيراً إلى أن كيان السودان ليس قوياً، وهناك مهددات داخلية وخارجية). انتهى
    وسارعت الحكومة فى اليوم التالى مباشرة الى نقض فكرة الحكومة الانتقالية جملة وتفصيلا فقد نقلت صحف الخرطوم :  ( نفى حزب المؤتمر الوطني الحاكم في السودان، يوم الأحد، مناقشة مؤتمر الحوار الوطني خلال جلساته مقترح تشكيل حكومة انتقالية لعامين، مبيناً أن المقترح يمثل فقط رؤية حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الدكتور حسن الترابي .وقال ممثل الحزب بلجنة قضايا الحكم بمؤتمر الحوار، صلاح علي آدم في تصريحات أوردها المركز السوداني للخدمات الصحفية، إن مقترح الحكومة الانتقالية طُرح من قبل ممثل المؤتمر الشعبي، ولكن لم تتم مناقشته داخل جلسات الحوار الوطني). انتهى  

    مخاوف وصول بلادنا الى نقطة اللا عودة حقيقية وحتى الان ساعدت قوة الشد الذاتى مجتمعنا على البقاء والتماسك لكن خيوط الثوب تتساقط وتبلى بسرعة وقد نستيقظ يوما ونجد نفوسنا - قبل اجسادنا -عراة غرلا. عن عائشة رضى الله عنها ، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « يحشرالناس يوم القيامة حفاة عراة غرلاً »
    قلت: يا رسول الله, الرجال والنساء جميعاً ينظربعضهم إلي بعض؟ قال: يا عائشة, الأمر أشد من أن ينظر بعضهم لبعض»
    أخرجه مسلم. فذلك يوم القيامة وأمرها عند مليك مقتدر ولكننى اقصد  بالاشارة قيامتنا أهل السودان!

    حسين التهامى
    كويكرتاون ، الولايات المتحدة الامريكية

 

آراء