اطفاء الحرائق وصناعة سلام

aloomar@gmail.com
بقلم عمر العمر
نهاية أزمة الأسرى والتجمع الرئاسي في شرم الشيخ يؤكدان انقشاع غبار حرب غزة. تلك صفحة شرق أوسطية جديدة كما قال دونالد ترامب لكنها ليست مرحلة جديدة. الحرب ألقت أثقالها لكن السلام لا يزال حلماً غير قريب . غزة تُنقل من الاحتلال الاسرائيلي إلى استعمار دولي متعدد الجنسيات. حماس تنهض مخضبة بالدم والخيبات تحت ضغوط مركبة مكثفة داخلية وخارجية. رغم خروجها من تحت الأنقاض بتفويض مؤقت تظل هي الضحية والشاهد الحي على نهاية حقبة الاسلام السياسي بعد لبنان وسوريا.على الآخرين مراعاة فروق الأولويات . أمام حماس فرض الجهاد الأكبر على درب الوحدة الفلسطينية.فالمسالة الفلسطينية تتطلب أكثر من أي زمن سابق مشروعا وطنيا حداثياً وقيادة شابة الرؤى .نتانياهو يفيق على كابوس مطاردا بفساده القديم ويمينه المتطرف .وحده ترامب هو البطل .لأن العرض مكرّس منذ البدء على نسق عرض الرجل الأوحد بتكنيك هوليودي.حرب غزة انتهت ،لكنها ليست آخر الحروب في المنطقة كما تمنى السيسي.

وثيقة ترامب ذات العشرين نقطة لم تذهب أبعد من سياسات اليمين الاسرائيلي ، إذ استهدفت تفكيك هياكل حماس،تصفية كوادرها وتهجير قياداتها وصولا إلى تدمير الحركة .لكن الوثيقة تلتزم الصمت عمداً ازاء جوهرة القضية الفلسطينية المركزية المجسدة في الدولة.الوثيقة تبث الزعر من فوبيا الفوضى وفوبيا الارهاب .لكنها تغض الطرف عن أشكال عنف ألدولة الاسرائيلية الممنهج
والمدجج تجاه الفلسطينيين بدءًا من (تكسير العظام) مرورًا بتدمير البيوت وانتهاءا بعمليات التقتيل وحملات الاقتلاع و الإبادة العسكرية والمدنية المحدودة والمفتوحة. مالم يتوافق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة من هذه المحنة على بناء الوحدة الوطنية على نحو ديمقراطي تبقى الدولة حلما عصي المنال،كما يظل اللحم الفلسطيني عرضة للشواء والدم للنزف والشجر والحجر والبشر للاقتلاع.

كذلك تغرق اسرائيل في الوهم إن ظنت أن وثيقة ترامب جففت حلم الدولة المستقلة . لذلك يبقي الجدل الاسرائيلي المحموم يشكل الوقود المحرك للساسة والسياسة داخل اسرائيل. هناك ثمة قواسم مشتركة بين القيادات الحزبية المتنافسة على السلطة تجاه المسألة الفلسطينية.لعل أبرزها رفض خيار سلام يفضي إلى الاعتراف بدولة فلسطينية.كلهم يتفقون على تبني سياسة الردع الهجومي-وإن تباينت شراسته- و بناء أدواته ضد العالم العربي بأسره. لو أن أي زيارة رئاسية تاريخية تكفي لاختراق حواجز الخوف والتربص والعداء لكانت زيارة السادات أنجزت تلك الغايات بثقل توقيتها وجرأتها السياسية. من زاوية مغايرة فإن نزع سلاح حماس لا يعني تجريد الفلسطينيين من القدرة على ابتكار أدوات النضال.فالانتفاضة عند حدبة القرن مثّلت حرب تحرير حقيقية بأسلحة مغايرة هزت جزع الاحتلال.

تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي مشحون بعنف لا يهدأ ، على خط بياني يبلغ ذروته في نحو خمس حروب ضروس وأكثر من عشرين صدام عنيف وكثير من الاشتباكات المسلحة.عديد كذلك وثائق السلام لكنها لم تنجز نصوصها أو تنجح في كبح أشكال التوتر و إخماد بؤر العنف. دعك عن فتح أفق لمرحلة شرق اوسطية جديدة .مرد ذلك تفشي ثقافة العنف في المنطقة بأسرها.إذ لا تبرأ العلاقات العربية البينية من انفجارات وصدامات مسلحة. كما فرّخت سياسات النخب الحاكمة جيوب العنف والارهاب داخل كثير من الاقطار .لكن ثقافة الحرب هي الغالبة على المجتمع الاسرائيلي؛داخله وبينه وبين محيطه العربي.باستثناء رابين لاتحتفظ الذاكرة العربية بسياسي اسرائيلي حاول اختراق حاجز المحيط الملغوم بالعنف .كل القيادات على خشبة المسرح السياسي الاسرائيلي حاليا مشبعة بالثقافة ذاتها و ملتبسة بالضعف والارتباك.سقف طموحها ازاحة نتنياهو من على المسرح. بعد ان كاد يصبح ملكاً.

الرهان على ترامب في تثبيت سلام دائم لا يعززه المنطق السياسي.فحرب غزة نفسها تكشف تأرجح مواقف الرئيس الأميركي من التحريض و المناداة بالتهجير إلى التفويض والاعتراف الضمني بهيبة حماس وسط الاطلال.ترامب المندفع بطموحات ذاتية آنية -جائزة نوبل-نجح في دور الاطفائي على خطوط نار مشتعلة في مناطق متباينة .كلها ربما يغلب علبها طابع النزاع الحدودي.لكن عقلية رجل الصفقات لاتذهب إلى دور صانع السلام.تلك مهمة تتطلب فكرًا أبعد وأناةً أطول وبحثًا أعمق .تلك ليست ضمن مواصفات صفقات البورصات السياسية و اطفائي البؤر الحدودية.كما أن نتانياهو لم يوقع اتفاق سلام مع رئيس عربي او زعيم فلسطيني .حتى مناحيم بيغن وقّع اتفاق ديفيد بفضل حسابات ساداتية ذاتية و ضغط كارتري حصيف .مع ذلك غلب الطبع الارهابي التلمودي على أحد قتلة دير ياسين فدبر قصف المفاعل العراقي ثم احتلال الجنوب اللبناني على عتبة ثمانينيات القرن الفائت.

سريعاً ما طويت أنباء مشاركة نتنياهو قمة شرم الشيخ . الجميع ادرك الجميع تداعياتها غير الإيجابية على أهل القمة وزبانية الصراع السياسي الاسرائيلي.مع ذلك بدأ ترامب في يومه ذاك الطويل كمن نفض يديه عن تبعات اتفاق غزة في شرم الشيخ .فالرئيس الأميركي عمد إلى إشراك أطراف بعينها في تحمّل تداعيات لا مهرب منها.انه توريط أكثر من مما هو ببدو تشريف أو تكليف. وحده ترامب انفرد بعواصف التصفيق .وحده تصدر المشهد السياسي الدولي بلا منافس على البطولة.قامات سامقة ارتضت لنفسها الصفوف الخلفية(كومبارس) . ربما فتح طوفان الأقصى المنطقة على بحر الفوضى لكن من الصعب استشراف ساحل شرق اوسط جديد على بوصلة اتفاق غزة أو أضواء شرم الشيخ.

نقلا عن العربي الجديد

عن عمر العمر

عمر العمر

شاهد أيضاً

القاهرة -الخرطوم … اتجاه واحد

بقلم عمر العمرالعلاقات السودانية المصرية الموسومة ب(الأزلية)يشوبها كثير من أعراض الأزل. فمنذ عهد الوالي المؤسس …