الاتحاديون ومعركة ما بعد قضية التفويض

 


 

 


شطبت محكمة مختصة، الطعن المقدم من قيادات في الحزب الإتحادي الديموقراطي الأصل ،ضد مفوضية الانتخابات لقبولها تفويض نجل رئيس الحزب مندوبا للحزب في المفوضية، دون مشاورة وعلم مؤسسات الإتحادي، ووجهت اللجنة القانونية في الحزب انتقادات عنيفة للحسن الميرغني ودمغته بالانسياق وراء المؤتمر الوطني والرضوخ لتعليمات جهاز الامن السوداني، واعلنت عن ترتيبات لعقد مؤتمر إستثنائي للاتحادي، كانت النخبة الاتحادية المفصولة تعلم إن معركتها في قضية التفويض سوف تخسرها لأسباب عديدة تتعلق بقضية العدالة و قضية الديمقراطية، و رغم ذلك سارت في طريق العدالة و هي تعلم إنها معركة خاسرة، و هذا ما قاله السيد علي السيد المحامي في تصريح لصحيفة "سودان تربيون" حيث قال علي السيد ( أن القرار لم يكن مفاجئا باعتبار ان قانون الانتخابات فصل على مقاس المؤتمر الوطنى الذي سعى بكل قوته مع المفوضية لادخال الحزب فى الانتخابات القادمة) وأضاف (أن قرار المحكمة إستند أيضا على قانون الانتخابات الذى ينص على أن قرار المفوضية فيما يختص تعيين الوكلاء واعتماد المناديب لا يخضع لرقابة القضاء) و السؤال لماذا إختاروا هذا الطريق رغم علمهم بإنها معركة خاسرة؟ الإجابة ربما تكون معروفة للمتابع الشأن الاتحادي، إن النخبة المفصولة أرادت أن تكسب وقت لكي تجمع أطرافها، و تعرف مدي قدرتها علي المواجهة، أو إنها كانت في حالة من الإرباك فقدت خلالها البوصلة. و هذا يبين إن النخبة المفصولة قد وضعت أمام أمرين، الرجوع لجسم الحزب من خلال وساطة تقوم بها بعض الشخصيات في الطريقة الختمية، و هذا الخيار سوف يخلع باقي أنيابهم، إذا كان هناك أنياب، أو الرجوع للحزب بشروط السيد الحسن، أو إنها سوف تغادر الحزب الأصل، و تبحث عن واجهة اتحادية جديدة، و ما أكثر الواجهات الاتحادية الآن.
و يقول علي السيد ( إن هناك عددا من قيادات الاتحادي، تقدموا بطلب لمسجل الاحزاب السياسية لعقد مؤتمر استثنائي للحزب الاتحادي، وزاد بقوله"المؤتمر الاستثنائي يعقد بأي عدد، ونرجح أن تواجه الخطوة بمقاومة عنيفة من الحسن الميرغني ومجموعته)  و هذا صحيح إن السيد الحسن، لن يقبل أن يدخل مؤتمرا استثنائيا دون أن يكون هو الذي رتب لذلك المؤتمر، و هل علي السيد و مجموته يملكون ثلث الجمعية العمومية لكي يتقدموا بهذا الطلب؟ فإذا كانت النخبة الاتحادية المفصولة وراءها ثلث الجمعية العمومية، كانت دخلت في معركة سياسية بعيدا عن المعارك القانونية، و هي خطوة ربما تقود النخبة للتفكير في الخروج من الاتحادي الأصل، و تكوين جسم جديد يضاف لبقية الاجسام الاتحادي التي في حالة تشظي يومي. 
حتى الآن، إن القاعدة الاتحادية تقف في السياج تتفرج، دون أن يكون لها موقف محدد من القضايا و الأحداث التي تخص الحزب الاتحادي الأصل، و هي تراقب الاوضاع الجارية من البعد، و إذا كانت هناك معركة حقيقية تريد النخبة المفصولة دخولها، عليها إقناع القاعدة الاتحادية أن تعبر عن رؤيتها فيما يجري، و أن يكون لها موقفا واضحا من الأحداث الجارية، لكن دلائل الأشياء تبين إن النخبة المفصولة لا تملك وسائل إقناع القادة الاتحادية لكي تدخل معها في معركة خاسرة، و أفضل لها أن تدخل في معركة مرفوع فيها شعار التحديث و الإصلاح، حتى إذا كان من باب التكتيك، لأنها تستطيع أن تحولها من معركة تكتيكية، إلي معركة ، تهدف إلي تحديث الحزب و ضخ دماء جديدة، و تضغط في إتجاه أن يتحول الحزب إلي مؤسسة ديمقراطية، فبدلا أن تذهب وراء قيادات، لا تعرف إنها صارعت في يوم من الأيام من أجل توسيع مواين الحرية و الديمقراطية، لا في الحزب، و لا في أية مكان أخر يتطلب النضال من أجل الديمقراطية، فالقيادات المصنوعة لا تدخل في معارك مصيرية، و لا تستطيع مواصلة النضال لنهاياته، لأنها منذ البدية قبلت أن تكون في دور الكمبارس، و قبلت أن تصعد علي القمة دون أية قواعد ديمقراطية، إذا معركة المؤتمر الإستثنائي التي تنادي بها بعض القيادات الاتحادية، هي معركة خاسرة، و لا تستطيع أن تكسبها، في صراعها مع الطائفة المنظمة، و الموحد رأيها، كما إن هناك العديد من النخب الاتحادي التي تفضل أن تدخل الحلبة وفقا لدعم مصالحها الخاصة، و هؤلاء سوف يرجحون الكفة، و هؤلاء سوف يقبلون أن يعينوا في المواقع القيادية شريطة أن ينفذوا ما هو مطلوب منهم، و بالفعل أصبحوا يقدمون فروض الولاء و الطاعة، في ظل غياب كامل للمؤسس و قوانينها و اللوائح.
وإعتبر العباسي قرار المحكمة، يعني إمكانية تنفيذ انقلاب في الحزب الاتحادي، وأوضح بقوله "أنه يجيز لبابكر عبد الرحمن وعلي السيد، إتخاذ قرارات شبيهة بالتي اتخذها الحسن الميرغني بفصل وعزل اي شخص، باعتبارهم يتمتعون بذات الصلاحيات الممنوحة للحسن الميرغني" إن السيد الحسن عندما أقدم علي هذا القرار كان يستند علي ركيزتين، الأولي راهن علي إن القيادات التي سوف يفصلها، سوف تكتفي ، و تعتريها حالة من الغضب، ثم تهدأ الأحوال عندما تتيقن إن معركتها خاسرة، و هناك حالات شبيه قد خرجت النخب من الحزب و فقدت مواقعها، دون أن تدخل في أية معركة مؤسسية، الركيزة الثانية إن أي قضية ديمقراطية في ظل القوانين و اللوائح و الثقافة الحالية، هي معركة خاسرة، و إن تحالف الأحزاب مع الحزب الحاكم سوف يضمن لهم المساندة و الدعم غير المحدود، و ربما يتمتع السيد الحسن بصلاحيات و دعم، قد يمنع منه أخرين، و هي معركة تتعلق بقضية الحرية و الديمقراطية و إحترام القوانين.يقول السيد الحسن في إحدي تصريحاته، إن معركته مع دواعش الحزب، و هي صفة تحمل مضامين عديدة، و إشارات تتعلق بقضية الإصلاح داخل المؤسسة، و هي قضية كل النخبة الاتحادية تتحدث عنها في مواقعها المختلفة، كما ترفع شعاراتها كل النخب الاتحادية، و لكنها لا تلتزم بها، و لا تملك ثقافتها لكي تطرحها في المجتمع، الأمر الذي يجعل الشعار معلق في الهواء دون أن يكون له أي أثر في الواقع، لا من ناحية الممارسة، و لا من الناحية الفكرية، حيث إن 98% من النخب القيادية الاتحادية هي نخب يغلب عليها الطابع التنفيذي، و لم تعرف بأنها تشتغل بالقضايا الفكرية، و هذا الذي جعلها تبحث عن المواقع و المناصب و تبحث عن مصالحها الذاتية، دون البحث عن المؤسسة الحزبية، و هي تلتفت إلي المؤسسة الحزبية و شعارات الديمقراطية عندما تخسر معاركها الخاصة، لذلك هي تتنقل بين المجموعات المختلفة، بحثا عن المصالح، و تعدد التكوينات الاتحادية، يؤكد إنها نخب ليس لديها علاقة بقضية الديمقراطية، و إن مساحات الديمقراطية عندها محدودة و ضيقة جدا، لذلك هي فشلت في تكوين حزب واحد، فكل مجموعة لا تصل إلي القيادة من خلال الممارسة الديمقراطية، تعلن إنها انشقت من مجموعتها، و بدأت تكون لها مجموعة جديدة، هذه الإنشاقات المتواصة تبين حالة الإضطراب، و ضعف و فقر الثقافة الديمقراطية، مما يبين إن النخبة المفصولة سوف تسير في نهاية المطاف علي ذات طريق الأوائل البحث عن مؤسسة جديدة، فهي لا تملك الامكانيات المادية و لا الفكرية، و لا تملك حتى التصورات التي تؤهلها علي خوض معارك مصيرية ضد الطائفة.إذا المعركة من أجل الإصلاح لا يمكن أن تتم دون برنامج سياسي، و فكر يستطيع أن يقرأ هذا الواقع و يحلله، و يقدم إجابات جديدة علي أسئلة هذا الواقع، كما إن عمليات التشخيص التي تتم من خلال الأطروحات المقدمة تفتقد للمنهجية، فهي لا تخرج من دائرة الشعارات التي فقدت مضمونها، كما إن النخب التي تنادي بالإصلاح هي نفسها ليس لديها الرغبة الحقيقة في عملية الإصلاح، كما إن الأدوات التي تستخدمها أصبحت عقيمة و غير فاعلة، و في كل إن النخبة خسرت معركة التفويض في المحاكم، إذا ما هي الخطوة الثانية، الله أعلم.
نشر في جريدة إيلاف بالخرطوم


zain.salih1954@gmail.com

 

آراء