الاقتصاد الدائري – كيف يواجه العالم أزمة النفايات وفقدان الموارد؟

من بطون كتب
sanhooryazeem@hotmail.com
منبر بنيان ،، مقالات من بطون كتب
أولاً: مدخل إلى الفكرة

في ظل الأزمات البيئية والاقتصادية التي يشهدها العالم، برز مفهوم الاقتصاد الدائري (Circular Economy) كأحد أهم التحولات في الفكر الاقتصادي الحديث.
يُعد هذا النموذج محاولة جادة لتجاوز النهج الخطي القائم على الاستهلاك المفرط وإهدار الموارد، إذ يهدف إلى إغلاق الدائرة الإنتاجية بحيث تعاد استخدام الموارد وتدويرها في نظامٍ مستدام.

ثانيًا: تعريف ومكونات الاقتصاد الدائري

الاقتصاد الدائري هو نظام اقتصادي يهدف إلى تعظيم الاستفادة من الموارد وتقليل الفاقد، عبر:

إعادة التدوير (Recycling).

إعادة الاستخدام (Reuse).

إصلاح المنتجات وإطالة عمرها (Repair & Refurbishment).

التصميم البيئي للمنتجات منذ البداية لتكون قابلة للدوران في السوق.

بهذا المعنى، يصبح الهدف ليس “النمو الكمي” بل “الكفاءة النوعية” في استخدام الموارد.

ثالثًا: التجارب الدولية النموذجية

  1. ألمانيا:
    أطلقت منذ التسعينات قانون الاقتصاد الدائري والنفايات، وأقامت نظامًا متكاملًا للفصل المنزلي وإعادة التصنيع، مما رفع نسب التدوير إلى أكثر من 65%.
  2. اليابان:
    تبنّت مفهوم “المجتمع القائم على التدوير (Sound Material-Cycle Society)” ضمن سياساتها الوطنية، ودمجته في التعليم والصناعة معًا.
  3. السويد:
    تحوّلت النفايات إلى مصدر للطاقة، حتى أصبحت تستورد نفايات من دول مجاورة لاستخدامها في إنتاج الكهرباء والتدفئة.

هذه التجارب أثبتت أن الاقتصاد الدائري ليس عبئًا، بل استثمار طويل الأمد في الاستدامة.

رابعًا: التحديات في الدول النامية

في العالم العربي والإفريقي، يواجه التحول إلى الاقتصاد الدائري عقبات حقيقية، أبرزها:

ضعف الإطار التشريعي والتنظيمي.

محدودية التكنولوجيا المتخصصة في إعادة التدوير.

غياب الوعي الاستهلاكي البيئي.

كما أن الاقتصادات القائمة على تصدير المواد الخام تفتقر إلى البنية الصناعية اللازمة لإعادة تحويل الموارد محليًا، ما يجعلها في وضع “الاقتصاد المبعثر” لا “الدائري”.

خامسًا: الأبعاد الأخلاقية والدينية

يرتبط الاقتصاد الدائري ارتباطًا وثيقًا بمبدأ العدالة بين الأجيال، وبقيم الإسلام في الترشيد وعدم الإسراف فمفهوم
“الاستخلاف في الأرض” يحمّل الإنسان مسؤولية الأمانة البيئية، وهو ما يجعل الاقتصاد الدائري ترجمة حديثة لمبدأ شرعي قديم.

سادسًا: نحو نموذج عربي إفريقي للاقتصاد الدائري

لكي يكون للاقتصاد الدائري وجود فعلي في منطقتنا، ينبغي:

تشجيع الصناعات التحويلية الصغيرة والمتوسطة القائمة على المخلفات الزراعية والبلاستيكية.

إدخال مناهج تعليمية بيئية منذ المراحل الأولى.

ربط المشتريات الحكومية بالمعايير الخضراء.

إنشاء بنوك للمواد القابلة لإعادة الاستخدام لتغذية السوق المحلي بالمدخلات المعاد تدويرها.

سابعًا: الخاتمة

الاقتصاد الدائري ليس خيارًا رفاهيًا بل ضرورة استراتيجية لحماية الإنسان والبيئة والاقتصاد في آنٍ واحد.
وفي زمن تتشابك فيه الأزمات، فإن تبني هذا النهج يعني اختيار البقاء في انسجام مع الطبيعة لا في صراعٍ معها.
إنه الطريق نحو تنمية مستدامة بضميرٍ أخلاقي واقتصادي واحد.

المراجع والمصادر:

  1. Ellen MacArthur Foundation (2019). Circular Economy: Principles and Concepts.
  2. European Environment Agency (2020). The Circular Economy and Europe’s Sustainable Future.
  3. Kirchherr, J., Reike, D., & Hekkert, M. (2017). Conceptualizing the Circular Economy: An Analysis of 114 Definitions. Resources, Conservation & Recycling.
  4. وزارة البيئة اليابانية (Japan MOE) (2018). Sound Material-Cycle Society Framework.
  5. تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي (World Economic Forum, 2022). Circular Transformation of Industries.
  6. الغزالي، عبد الحميد (1995). الاقتصاد الإسلامي ومشكلة الفقر. القاهرة: دار
    الشروق.

عبد العظيم الريح مدثر

عن عبد العظيم الريح مدثر

عبد العظيم الريح مدثر

شاهد أيضاً

من الذي سرق الفقراء؟ الأسواق، ،ام السياسات

من بطون كتبsanhooryazeem@hotmail.comمنبر بنيان مقالات من بطون كتب ليس جديدًا أن يرتفع الفقراء كل يوم …