البروفيسور عبد الرحمن الزاكي صالح 1944-2023 (1-2)

ms.yaseen5@gmail.com
محمد صالح عبدالله يس
البروف عبد الرحمن الزاكي هو احد العناوين البارزة لثورة اكتوبر عاصر مخاضاتها وولادتها جمعته صداقة قوية مع الشهيد احمد القرشي طه أيقونة ثورة اكتوبر تزاملا في مدرسة الفاشر الثانوية وتوطدت صداقتهما وقد رافق القرشي البروف الي مدينته امكدادة وقضيا اجازة قصيرة تعرف القرشي من خلالها علي أهل امكدادة ومازالت آثار اقدامه منقوشة علي جبال وصحاري امكدادة ثم ازدهرت هذه العلاقة في جامعة الخرطوم التي سبق فيها القرشي البروف بعام والتحق بصديقه في السنة الثانية بالجامعة في ذات كلية العلوم لم يكن البروف عبد الرحمن مجرد طبيب يعلق علي أذنيه سماعة أو شهادة يزين بها جدران عيادته ليراها المرضي بل كان ضميرًا يمشي على الأرض عاش عمره بين وجع الناس، يخفّف آلامهم بيدٍ من رحمة وقلبٍ من إيمان ويقين ظلّ في صفّ الضعفاء حين اختار كثيرون من رصفائه واندادة سياسة التربح والثراء من تخصصاتهم ي زمنٍ كانت فيه المواقف تُشترى ويُساوَم عليها، ظلّ البروف ثابتًا كالطود، يرفض أن يبيع قناعاته أو يساوم على كرامة وطنه.

ناضل بالكلمة والموقف، لا طلبًا لسلطةٍ ولا رغبةً في جاه، بل لأن العدل عنده كان فريضة، والحرية كانت عنده طريق الشفاء الأكبر لوطنٍ عليل. كان في عيادته طبيبًا للفقراء، وفي مواقفه طبيبًا للوطن. من يأتِه مريضًا لا يخرج إلا محمّلًا بالدواء والأمل معًا. لم يكن يكتفي بعلاج الجسد، بل كان يرمم ما تصدّع في النفس، بكلمةٍ دافئة، أو ابتسامةٍ تشبه وعد الفجر جعل من النجاح مدماك نهضة واشارة علم وصافرة بداية لعهد جراحة المخ والاعصاب وتوطين سيقانها في وطن تكاثرت جراحاته المعنوية والحسيةً انتظرناه طويلا .ليعود من ليبيا عاد ولكنه وجد العظام تهشمت والجراح تعفنت لكنه صابر فصبر وطبب كل مكسور وكسيح جعل من الطب شانا انسانيا وسودانيا تحكمه المروءة والاخلاقيات والقيم فهو شخص لن نستطيع التواجد معه مرة اخري ولكن ساحاول ان اسطر شيئا عن سيرته ومسيرته وكنت قد اجريت معه ثلاثة حوارات في راديو دبنقا باح فيها عن صديقه احمد القرشي واماط الكثير عن استشهاده يقول البروف ان ليلة ارتقاء القرشي كنا نتحدث مع بعض حتي الساعات الأولي من الفجر وقال لي الشهيد القرشي ان العسكر لن يسمحوا لنا بإقامة هذه الندوة ولكنا سنتحداهم رغم أني اعلم وحشيتهم وتعاملهم مع هكذا احداث وفي المساء ذلك اليوم حشدت الشرطة افرادهاوالحديي البروف فقد رفضت الحكومة عقد الندوة وقامت قوة من الشرطة بمحاصرة الحرم الجامعي ثم أمر أحد الضباط بفض الندوة ، لكن الطلاب أصروا على الاستمرار في عقد الندوة وواصلوا اجتماعهم غير عابئين بأمر الضابط، ومن ثم بدأت الشرطة في استخدام القوة لفضّ الإجتماع وألقت القنابل المسيلة للدموع. وحدث صدام عنيف بين الشرطة والطلبة الذين بدأوا في التراجع نحو مباني داخليته وانهالوا على الشرطة بالحجارة وقطع الأثاث الصغيرة، وكان القرشي ضمن مجموعة الطلبة التي كانت متواجدة بداخلية “السوباط”. القريبة من البوابة الرئيسية لمجمع الداخليات ( المعروفة لدى الطلاب باسم البركس). ووفقاً لرواية الدكتور عبدالرحمن كان هناك تجمع لرجال الشرطة على بعد 60 قدماً تقريباُ من مجمع البركس وقد اختبأ عدد من الطلاب وراء الممر الذي يربط مبنى داخلية السوباط بمبنى الحمامات التابعة لها وحدث كر وفر بيننا ورجال الشرطة وكنت اتحدث مع القرشي الذي كان يهتف بأعلى صوته ولم تمر لحظات حتى فتحت الشرطة النار وانسحاب الطلاب الي الداخليات بصعوبة بالغة حيث كان الميدان مغرقا بالماء والوحل كان الشهيد بين الحمامات والداخليات يراقب تحركات الشرطة وحينئذ سٌمع دوي طلق ناري سقط على إثره القرشي على الأرض وقد اخترقت طلقة رأسه قرب حاجبه الأيمن وخرجت من مؤخرة جمجمته.حملناه إلى الممر ثم إلى غرفة في مبنى الداخلية. وكان ينزف من مؤخرة جمجمته وسال دم من فمه ثم حول إلى المستشفى وتوفي في الطريق .توفي القرشي وسجي جثمانه بمشرحة مستشفى الخرطوم وتجمهر الطلاب وغيرهم من المواطنين وأرادوا نقل الجثمان إلى الجامعة ، إلا أن الشرطة منعتهم من ذلك ، وتدخل رئيس الجامعة آنذاك بروفيسور النذير دفع الله (وزير تربية لاحقاً) لدى السلطات وتمكن من تسلم الجثمان مع مجموعة من أساتذة الجامعة والأطباء وغيرهم وحملوه في موكب مر شارع الاسبتالية أمام المستشفى حتى كوبري الحرية وتوجهوا به إلى ساحة ميدان عبد المنعم بالخرطوم جنوب حيث تمت الصلاة عليه بحضور شخصيات سياسية معارضة لنظام عبود آنذاك من بينها الصادق المهدي زعيم حزب الأمة المنحل آنذاك و الذي أم المصلين، والدكتور حسن الترابي عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم حينئذ، وعبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي ومجموعة من المحامين والقضاة والطلاب وغيرهم من المواطنين. دفن رفات القرشي في مقبرة قريته القراصة أعلنت السلطات اغلاق الجامعة وكنت مذهولا ومرتعا من الذي حدث لم اكن استوعب استشهاد القرشي وكان يدور في عقلي المشاهد والمناظر التي عشناها سويا في الفاشر والخرطوم كنت اتصور موقف أسرته وكيف كان القرشي ذهب لوداع والده الذي كان مريضا ما مصير أسرته الصغيرة وماذا يخبئ لهم المستقبل والايام كل هذه الخواطر تزاحمت في عقلي وأنا في القطار المتجه الي مدينة الابيض التي وصلناها عصرا ووجدنا المظاهرات والمسيرات قد انطلقت فيها تندد بحكم العسكر وعصابة نوفمبر يقول البروف انه وصل الى امكداه ووجد والده الحاج الزاكي صالح وبقية الأسرة كانوا جميعا قلقين عليه خاصة وقد علمت باستشهاد القرشي وانقطعت اخباره عنهم وعندما استقبلوني عزوني في الأخ الشهيد القرشي وبكوا بكاء مرا علي فراقه .وفي معرض رده عن توجهات القرشي السياسية قال البروفيسور عبد الرحمن ان القرشي كان شيوعيا ملتزما منذ الثانوي وكان معروفا بتوجهاته الديمقراطية واكد ان هناك جهات سعت لتسويق القرشي بأنه مستقل ليس له أي انتماء بغية طمس مساهمات اليسار السوداني في ثورة أكتوبر وقال الزاكي في خاتمة حديثه انه ما كان يدري ان صديقه أحمد القرشي طه سيتحول إلى أيقونة للنضال الوطني ورمزا من رموز النضال الإفريقي ويخلد اسمه مثل لومومبا وكينياتا ومانديلا وبن بيلا ويصطف خلودا مع الآباء المؤسسين لنضالات افريقيا واسيا واوربا فقد خلده شعراء السودان ووضعت صورته في الطوابع البريدية والاواني المنزلية وقال ان الشعب السوداني مازال قادر ويستطيع أن ينجز ثورة أخرى مثل أكتوبر
ونواصل
ms.yaseen5@gmail.com

عن محمد صالح عبد الله يس

محمد صالح عبد الله يس

شاهد أيضاً

أبوعركي البخيت (ابكِ ما شئت)

وسط دخان الحرب وصوت الرصاص، كان الناس يهربون بحثًا عن الأمان لكن عركي اختار البقاء، …