الجبهة السودانية للتغيير: بيان حول الوضع السياسي الراهن وموقف الجبهة من دعوة النظام للحوار والتفاوض

 


 

 



إن مرحلة الإنغلاق السياسي والرفض الشعبي التي يمر بها تنظيم جماعة الأخوان المسلمين العابر للحدود، الذي اتخذ من الدولة السودانية وشعبها رهينة لخدمة أجندته المعادية للشعب السوداني، أصبح الآن يراهن على عامل الوقت بما تبقى له من رصيد متآكل، يتمثل في عضويته وتابعيه والمنتفعين منه والمخدوعين بزيف شعاراته، في انتظار نجاح مناوراته السياسية لكي تمكنه من الامساك بزمام المبادرة، والاستمرار في كراسي الحكم لحقبة زمنية أخرى، يتخلص بها من أثقال حمولة الماضي وتداعياتها من  مساءلة ومحاسبة وعزل سياسي، وذلك بالدخول في عملية غسيل تراكم أخطاءه السياسية التاريخية، التي مهد لها بما أصطلح عليه بخطاب الوثبة الذي اختلط فيه بؤس اللغة بهوى النفس، ليشرعن وجوده كنظام ديكتاتوري شمولي تجاوز حدود الترميم والاصلاح.
إن انتهاج نظام جماعة الجبهة الإسلامية المتعدد الوجوه والمسميات سياسة القبضة الأمنية والعسكرية في مواجهة مطالب قوى الهامش والمهمشين العادلة تحت سيادة وهم النقاء العرقي والحق التاريخي في الحكم والريادة المسنود بالتحالف والاصطفاف العقائدي اليميني، بزعم "حماية العقيدة والأرض والعرض والمكتسبات"، مقابل مصادرة قيم الكرامة والحرية كعقد إذعان أحادي الصياغة والتوقيع والأطراف، بنوده القمع والقهر الاعتقالات والتعذيب والإذلال والتجويع والإفقار ومصادرة الحريات العامة والخاصة وأشعال حروب الهامش، والهروب من استحقاقات نتائجها المدمرة التي أثمرت حياة النزوح واللجوء والهجرة والتهجير والتشرد، والخطر الماثل في استمرار تماسك الدولة والحفاظ على وحدة ترابها وشعبها.
كل ذلك الدمار والخراب الذي حدث بالدولة وشعبها ما زال مشفوعا بنظرية ثنائية المفاضلة الخادعة بين الفوضى الشاملة التي تعقب إسقاط النظام الإسلاموي، أو الاستقرار المزعوم في استمراره وتمكينه، هذه المخاوف المتوهمة لم تعد كافية ومقنعة في تجسير الهوة الساحقة بينه وبقية أفراد الشعب السوداني، ممثلا في أجسامه السياسية الرافضة لسياساته الاقصائية. فالقيم المعيارية من ديمقراطية وحقوق إنسان بمختلف أجيالها أصبحت تحكم عالم اليوم وتُرضي تطلعات شعوبه التي قاتلت من أجلها طويلا، فالتنازل عنها يُعتبر خيانة للحق الإنساني في الحياة نفسها. والحل الجذري كما تراه الجبهة السودانية للتغيير لأزمات انهكت الوطن والمواطن يبدأ بإقرارها والاعتراف بها، لا بتجاهلها والقفز عليها والتمترس خلف كراسي الحكم كغاية، وليس وسيلة لتدبير شئون الدولة والشعب.
لقد ظلت الجبهة السودانية للتغيير تنادي في مثابرة دؤوبة مع غيرها من القوى الوطنية الأخرى، بأن نظام جماعة الجبهة الإسلامية يؤمن بأن للحقيقة وجه واحد وهو مالكها الحصري، ليؤسس عليها قناعاته الراسخة في انعدام الثقة المطلقة في الآخر، بل يعتبره عدوا محض خارج الملة والحظيرة يجب قتاله وقتله ونهب أرضه وأمواله وانتهاك أعراضه، ناهيك عن التفاوض والتحاور معه حول قضايا مصيرية، تتوقف عليها حياة شعب ووطن بأكمله.
لهذه الأسباب ترى الجبهة السودانية للتغيير الآتي:ـ
أولا: إن نظام جماعة الجبهة الإسلامية فاقد لكل مصداقية تؤهله أن يدير حوارا  أو تفاوضا يقدم فيه مصلحة الشعب والوطن على مصالحه الخاصة التي تبقيه في السلطة كما أكدت كل مواقفه الحوارية والتفاوضية الثنائية السابقة.
ثانيا: إن التغييرات الشكلية التي قام بها النظام لم تكن على قناعة داخلية منه بجدوى التغيير، بل كانت تحت ضغط خارجي خوفا من إنهيار جماعة التنظيم بعد الذي حدث لإخوته في مصر، وإن المصالحة بينه وبين المؤتمر الشعبي ليتصدر د. حسن الترابي المشهد السياسي من جديد، ليس إلا شأنا داخليا يخص جماعة التنظيم وحدهم ولا علاقة له بقضايا وأزمات الوطن والمواطن.
ثالثا: إن نظام جماعة الجبهة الإسلامية لا يشعر بتهديد جدي أو خطر حال ووشيك يجعله يتنازل عن السلطة عن طريق الحوار لصالح الشعب بعد أن خرب الحياة الحزبية وقام بتدجين وتحييد بعض قياداتها، فالحوار الذي يعنيه هو حوار من أجل استمراره وتمكينه في السلطة فقط..
رابعا: إن الإقصاء المتعمد للقوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني تؤكد أن النظام ماض في سياسة الإلحاق، بعد أن يحاور نفسه وحلفاءه ليضمن بقاءه واستمراره.
خامسا: إن الأنظمة التي تنتهج الحكم الرشيد تبحث عن إعادة انتخابها اعتمادا على الرضا الشعبي عن سياساتها، عكس هذا النظام الإسلاموي فإنه يتوسل الحوار حول أزمات صنعها بنفسه للإستمرار في السلطة.
سادسا: إن الأنظمة الديكتاتورية الشمولية لا تعترف بنظرية الهبوط الناعم لتفكيك نفسها وتسليم السلطة للشعب، بل أثبت التاريخ بأنها تنتزع الحكم غلبة وتنهار بذات الطريقة.
سابعا: إن بيان مجلس الأمن الأخير وموقفه السلبي من إسقاط النظام بالقوة المسلحة يؤكد عمالة النظام للدول الكبرى والقيام بمهام وكيلها في المنطقة. فالحوار الذي تشجعه هذه القوى يصب في مصلحة النظام القمعي على حساب قضايا الوطن وأزماته المعقدة. كما نناشد القوى الديمقراطية السودانية في دول المهجر وبخاصة أمريكا وأوربا لتكثيف العمل الإعلامي لفضح النظام وتعرية جرائمه وتوسيع حملات التضامن مع الشعب السوداني لاستثارة جماعة الضغط محليا وعالميا لتصويب قرار مجلس الأمن وسياسات الدول التي انحازت للنظام العنصري البغيض.
ثامنا: رعب قادة النظام عسكريين ومدنيين من مواجهة العدالة المحلية والدولية لارتكابهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية بحق الشعب السوداني، يجعلهم يتحصنون بالسلطة لآخر يوم في حياتهم.
لهذا، تؤكد الجبهة السودانية للتغيير ان التفاوض والتحاور مع هذا النظام الإسلاموي عبث لا طائل من وراءه. والحل يكمن في توحيد كل القوى التي تؤمن بالديمقراطية منهجا وسلوكا خلف هذا الشعب العظيم، الذي عانى كثيرا، لإعادة تصميم وتشكيل وبناء الدولة السودانية على أسس محترمة، حتى تصبح وطنا جامعا لكل أهله، وإقامة نظام ديمقراطي ليبرالي، بمرجعية تفصل الدين عن الدولة على أنقاض ثقافة سياسية إقصائية تاجرت بالدين واستثمرت فيه لتحتكر المسرح السياسي لأكثر من نصف قرن.
عاش كفاح الشعب السوداني
الجبهة السودانية للتغيير
٢٠ فبراير ٢٠١٤م

 

آراء