العلاقات السودانية المصرية، بين الأماني والأغاني!

 


 

 

يختلف الاخوان في مصر مع الحكومة المصرية لدرجة اهدار الدم، ويتفق أخوان السودان مع الحكومة المصرية في السودان لدرجة اهدار الدم أيضا، ولكن هنا يُهدر دم كل الآخرين من دعاة التحول الديمقراطي ومن مناوئي البرهان حصان (طروادة) رهان الحكومة المصرية.
استضافت مخابرات مصر الكتلة الديمقراطية محبة في انحيازهم للبرهان وانقلابه وتشبثه بالسلطة، وكإعلان متأخر للعالم أنّ السودان عمق استراتيجي لبلادهم كما يحرصون على الإعلان بمناسبة وبدون مناسبة (وعينهم على بحيرة تانا وعلى الأراضي الواسعة) وانهم غير مستعدين لتركه نهبا للمبادرات التي تصب كلها في تنازل البرهان عن سدة الرئاسة ما يفتح المجال ليس فقط لدعاة النظام الديمقراطي، بل أيضا لمن ينظرون للعلائق (الأخوية) وفق المصلحة التي لا تؤمن بالضرورة بجدوى الأماني والاغاني، ففي العلاقات بين الدول تسود حسابات المصالح التي يصعب بلوغها بالتمني والاغاني من نوع (يا أخت بلادي يا شقيقة الخ ..).
نظام ديمقراطي جنوب الوادي يساوي صداعا دائما، في الديمقراطية الثالثة كانت مخابرات مصر مشغولة بتدبير انقلابها في السودان، وبسبب العجلة يبدو أنهم لم يكونوا متأكدين حتى من أسماء الضباط الذين اختاروهم لتنفيذ انقلابهم، فور انطلاق المارشات العسكرية، اعلنوا ابتهاجهم واعترافهم بانقلاب البشير وسمّى حسني مبارك الانقلابيين ب(أولادنا) قبل ان يتبين لهم بعد فوات الأوان ان صداع الديمقراطية أفضل من انقلاب يصل عن طريقه الاخوان المسلمون الى السلطة في جنوب الوادي، فبعد حوالي خمس اعوام من انقلاب الترابي البشير حاول نفس (أولادنا) اغتيال الرئيس حسني مبارك الذي رحّب بإنقلابهم وقدمهم لبعض الحكومات باعتبارهم من الموالين لمصر.
يُحكى انّ مطربا سودانيا شهيرا عاش في مصر في تسعينات المعارضة السودانية، وقبل فراره الى مصر كان قد قام بتسجيل اغنية شهيرة مدح فيها جماعة الانقاذ واصفا العهد الديمقراطي بعهد الودار والاستهتار، ولم يترك نقيصة واحدة الا و ألصقها بديمقراطية الثلاث سنوات.
سأله بعض جماعة المعارضة السودانية في القاهرة كيف اتفق له الغناء للإنقاذ ثم الهروب لاحقا، في تلميح لعدم مبدأية مواقفه، لكنه برّر تناقضه بمنطق فضائحي حين اعلن (خليكم مني، هو المصريين اتغشوا)!!
المصريون (اتغشوا) بسبب العجلة للتخلص من صداع الديمقراطية، بحيث أنهم كانوا مستعدين للترحيب بأول عسكري يقضي على النظام الديمقراطي حتى لو كان منتميا للتكفير والهجرة!
برغم محاولة الاغتيال لكنّ النظام المصري كان أكثر المستفيدين من انقلاب الإنقاذ، فبجانب القضاء على الهواجس الديمقراطية، استطاعت مصر استثمار محاولة الاغتيال للاستيلاء على حلايب وشلاتين، بل ووجدت في ضعف الإنقاذ وحاجتها المُلّحة لكفيل أمام العالم خاصة بعد صدور امر القبض على عمر البشير من محكمة لاهاي، وجدت فيه النظام الأنسب الذي يضمن مصالحها في السودان.
ويفسِّر ذلك عدم خوف مصر الان من احتمال عودة الاخوان لسدة الحكم، بل أنها تشجع ذلك ويشهد على ذلك قوش وايلا وتِرك الذي نادى علنا بفتح الحدود، وأردول الذي تنبأ بسقوط أية حكومة لا (تباركها) مصر، وغيرهم من العملاء المحسوبين على نظام عمر البشير.
(المصريين اتغشوا) بسبب العجلة للتخلص من صداع الديمقراطية ومن الصادق المهدي الذي لم يكُن يُكنُّ لهم كثير ود آنذاك. تقوم علاقاتهم مع جنوب الوادي وفق مقولة (الكِبير كِبير) الرائجة في مصر (بكسر الكاف والباء والياء) قبل أعوام لعبوا مع أمريكا مباراة كرة قدم، ويبدو انهم كانوا يأملون في هزيمة أمريكا وبالتالي ضمان (الحُسنيين) (استنكاح) أمريكا ( قروض ومساعدات)وهزيمتها في آن!. وحين هزمهم الامريكان كان رد فعل بعض (القانعين من مجد استثنائي) الكِبير كِبير! بالنسبة لبقية الاعراب والافارقة تنقلب الأدوار، يصبحون هم الكبير والكبير اوي كمان، وذلك يفسر حرصهم الغوغائي على هزيمة الجميع بل والتعريض بهم لمجرد محاولتهم هزيمة الكِبير (مباراة الهلال والأهلي مثالا)
بالنسبة للسودان لا يجب ان يبقى فقط تابعا بل ايضا مخزنا للمواد الخام وسوقا للبضائع الكاسدة وتبقى الأراضي الزراعية الواسعة بورا حتى يحين أوانها (وربما يفسر ذلك حرائق النخيل الوبائية في الشمال).
أما من يجرؤ على محاولة تصنيع المواد الخام بدلا من تصديرها مقابل نقود سودانية (مضروبة) فسيكون مصيره مثل مصير حمدوك. ودائما ستجد هناك في شمال الوادي من يلوّح بورقة (الخمسة ملايين سوداني) الذين أجبرتهم الظروف على النزوح شمالا، حيث لا منفذ للمرضى او الطلاب حين تتعقد الأمور سوى الاتجاه شمالا.
ثورة ديسمبر أحدثت واقعا جديدا ووعيا جديدا سيكون الخاسر هو من يتجاهله او يفشل في التعامل معه.

محمد زبير أبو شوك


zebaira219@gmail.com

 

آراء