بعد مجزرة الفاشر: السودان أمام اختبار وجودي.. بين شفا الانهيار وبصيص الأمل

golden.wrist.sd@gmail.com
أمير حميده ابوالمك
🔹 الفاشر: القطرة التي أفاضت الكأس

لم تكن مجزرة الفاشر مجرد حلقة عنف عابرة، بل كانت علامة فارقة كشفت حقيقة المرحلة: السودان لم يعد على حافة الهاوية فحسب، بل على شفا اختفاءٍ من الخريطة. الفاشر، بوصفها العاصمة الأخيرة للمقاومة في دارفور، مثلت الخط الدفاعي الأخير ليس فقط عن المدنيين، بل عن فكرة السودان الموحد نفسه.

🔹ما بعد المجزرة: معادلة جديدة وواقع مأساوي…..

سقوط الفاشر في قبضة “قوات الدعم السريع” – التي تحولت من مليشيا محلية إلى جيش مرتزقة عابر للحدود – يضع البلاد أمام تحولات جيوسياسية خطيرة:

· ضعف مؤسسة الجيش: لم تعد القوات المسلحة ذلك الصرح الموحد القوي، بعد أن استعانت بالمليشيات المؤدلجة والانتهازية تحولت إلى كيانات داخلية متشرذمة تفتقد لعقيدة موحدة، مما يعني اهتزاز أهم ركائز الدولة.
· تدويل الصراع علناً: لم تعد التدخلات الإقليمية خافية، مع دعم الإمارات للدعم السريع عبر سلاح “الذهب”، ووجود مرتزقة “فاغنر” الروس، وموقف مصري يتراوح بين التواطؤ والصمت.
· كارثة إنسانية تلوح: مع سقوط هذه الحاضرة، انهار آخر ملاذ آمن للمدنيين، مما يهدد بموجة تطهير عرقي هي الأوسع في تاريخ الإقليم.

🔹مستقبل مجهول: ثلاثة سيناريوهات محتملة……

السيناريو التشاؤمي:

التقسيم الرسمي
انهيار تام للدولة المركزية،وتفكك السودان إلى دويلات قبلية وعرقية، تتحول دارفور فيها إلى “صومال جديدة”، فيما ينفصل إقليم كردفان وشرق السودان تدريجياً، ولا يتبقى من الدولة سوى مركز منهك في الخرطوم.

السيناريو الواقعي المر:

حرب أهلية ممتدة
استنزاف طويل الأمد بلا غالب أو مغلوب،لسنوات عديدة، يتحول خلالها السودان إلى ساحة حرب بالوكالة لقوى إقليمية، يتم فيه تدمير البنية التحتية تماماً، وتحدث موجة نزوح جماعي هي الأعلى في التاريخ.

السيناريو المأمول:

صحوة الإرادة الوطنية
قيام رد فعل شعبي عارم يعيد تشكيل المشهد،يتوحّد فيه أبناء القبائل ضد المليشيات، وتنشأ قيادة سياسية بديلة من رحم المعاناة، تعيد تنظيم الجيش على أسس وطنية، ويصاحب ذلك تدخل دولي جاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

🔹الوحدة الوطنية على المحك:
بين مؤشرات التفكك وبصيص الأمل……

💠مؤشرات التفكك:

· سيادة النزعات العرقية والقبلية على حساب الهوية الوطنية الجامعة.
· إخفاق النخب الحاكمة المتعاقبة في بناء دولة المواطنة المتساوية.
· تدمير المنظومة التعليمية وتفكيك النسيج الاجتماعي.

💠 بصيص الأمل:

· الإرث التاريخي للسودان ككيان موحد لقرون.
· مقاومة الشعب السوداني في معظم أقاليمه لمشاريع التقسيم.
· بروز وعي جديد لدى الأجيال الشابة يدرك خطورة المرحلة.

🔹الطريق إلى الخلاص:

معادلة المستحيل….

الخروج من هذا النفق المظلم يتطلب جرأة غير مسبوقة:

  1. اجتثاث الأوهام: التخلي النهائي عن وهم الحل العسكري الانتصاري، أو التفاوض مع مليشيات لا تؤمن بالدولة. ما نواجهه هو حرب وجود.
  2. قيادة بديلة: تشكيل قيادة وطنية حقيقية من خارج دائرة النظام البائد، مهمتها الأولى إعادة تأهيل وتنظيم الجيش على أسس وطنية مهنية.
  3. دبلوماسية استباقية: تشكيل فريق دبلوماسي سوداني مستقل ومحترف للتفاوض مباشرة مع المجتمع الدولي، وكشف حسابات ومشاريع التفتيت.
  4. العدالة الانتقالية: محاكمة عادلة وسريعة لكل المتورطين في المجازر منذ عام 1989، بدءاً بقادة الدعم السريع وانتهاء برموز النظام البائد.

🔹لحظة الحقيقة:

سقوط الفاشر هو جرس إنذار أخير…..

السودان أمام مفترق طرق تاريخي لم يشهده منذ الاستقلال. الثمن الباهظ للوحدة الوطنية يجب أن يُدفع الآن، قبل فوات الأوان. المعركة ليست مع مليشيات محلية فقط، بل مع مشروع تقسيم إقليمي ودولي. والشعب الذي قاوم الاستعمار قادر على صنع المعجزة.. لكن الوقت ينفذ، والفاشر تشتعل.

السودان سيظل موحداً إذا أدرك أبناؤه أن المعركة ليست مع مليشيات فقط، بل مع مشروع تقسيم إقليمي دولي.. والرد لن يكون بالسلاح فقط، بل بالإرادة التي تصنع المستحيل.

عن أمير حميده ابو المك

Avatar

شاهد أيضاً

تحليل الأزمة السودانية: قراءة في الجذور البنيوية ومآلات الصراع

أمير حميده ابوالمكمستشار حوكمة المؤسساتgolden.wrist.sd@gmail.com يمر السودان بحرب طاحنة ليست صراعًا عشوائيًا، بل هي تتويج …