تجارب تهمل عمدا – استقلال جنوب السودان !

 


 

عدنان زاهر
12 July, 2014

 


احتفلت فى 9 يوليو 2014 دولة جنوب السودان بعيد استقلالها الثالث،جال بخاطرى مقال كنت قد كتبته و نشر فى المواقع الألكترونية فى العام 2006 بعنوان ( هل ينقسم تاريخ استقلال السودان الى عدة تواريخ أخر ) !......ذلك لم يكن تنبؤا و قراءة للغيب و لكن كان استقراءا موضوعيا لما كان يحدث فى السودان منذ سنوات طويلة.
بالطبع فقدان جزء من وطن موحد مؤلم للنفس و لكن من الجانب الآخر فالشعوب تملك الحق فى تحديد خياراتها،الدولة الجديدة فى الجنوب تواجه اختباراب صعبة نتمنى أن تعمل للخروج منها.ما يهمنى هنا وأنا أتناول الحدث هو الأسباب التى قادت الى أنفصال ذلك الجزء من الوطن و هل تلاشت تلك الأسباب الآن ؟ بمعنى آخر هل استفادة السلطة الحاكمة فى المركز من معطيات ذلك الحدث ؟
أبتداءا نقول و باختصار شديد ان اختيار مواطنى جنوب السودان و بشبه اجماع الاستقلال بدولتهم لم يكن نتيجة لعاطفة طارئة أو رد فعل مباشر لما كانت تكتب بعض الصحف " الانتباهة "، التى لا ينكر احدا أنها ساهمت فى اذكاء العواطف السالبة تجاه الوحدة الطوعية .
جنوب السودان ظل يحارب لمدة نصف قرن لنيل حقوقه ، بداية ذلك العمل المسلح فى عام 1955 لم يكن فى مدينة توريت وحدها كما درج على القول، بل ذلك النزوع نحو التحرر من المركز فى الشمال فد شمل عدة مدن أخرى فى الجنوب يهمل المؤرخون كتابتها.
تلك الأحداث لم يزرعها الأستعمار كما يكتب دائما، بالرغم من أن احدا لا يستطيع أن ينفى ان الأستعمار زاد فى معدلات التهابها و تأجيجها. التاريخ يقول ان الأصل فى تلك الأحداث هى ا لممارسات الخاطئة من المركز تجاه ذلك الأقليم و لفترات طويلة.تلك الممارسات ساهمت فى توليد و تثبيت، غبن و مرارات من الصعب نسيانها خلال اجيال كثيرة قادمة.
تمثلت تلك الممارسات فى الاضطهاد العرقى و الثقافى،الأستغلال الأقتصادى و الأهمال فى تنمية الأقليم حتى بعد خروج المستعمر و ممارسة الحكومات الوطنية الحكم.كما يتمثل ايضا فى أصرار المركز " المغلظ " فى انه هو من يحق له تحديد مصير ذلك الأقليم دون الألتفات لأهله و سماع رأيهم.
ذلك التعنت دفع المركز الحاكم الى خوض حرب طويلة راح ضحيتها الملايين،  ارتكبت فيها كثير من انتهاكات حقوق الأنسان و مجازر الابادة الجماعية. لا بد لنا فى هذا المقام أن نذكر انه و بالرغم من سكوت اتفاقية " نيفاشا "  عن التجاوزات التى تمت ابان تلك الحرب، فالجنوبيين لا زالوا يتذكرون بمرارة مذبحة " جوبا – واو " 1965 التى راح ضحيتها أكثر من 1400 شخص فى يوم واحد جلهم من مثقفى و متعلمى الجنوب.لا أود الأسترسال فى ذكر تلك المآسى لأن ذلك ليس هدف المقال كما ان تلك الأحدات سوف يكتبها التاريخ دون شك لاحقا، الغرض هو ايراد جزء منها فقط لتدعيم منطق المقال.
لم تتعلم النخب الشمالية التى تحكم المركز " المؤتمر الوطنى " شيئا من تجربة انفصال الجنوب كأن ابتعاد جزء من الوطن و استقلاله شيئا عاديا فى تاريخ الشعوب.ذلك التجاهل دفع لتكرار التجربة فى اجزاء أخرى من الوطن و ها نحن نشاهد مسلسل استخدام القوة تجاه الآخرين ذوى المطالب العادلة و الرؤيا السياسية المختلفة فى ادارة شئون السودان و مناطقهم، فى محاولات لاخضاعهم بالقوة.
دارفور تدور بها حرب منذ أكثر من عشر سنوات وصفت من قبل كل المراقبين انها حرب ابادة عنصرية" جوناسايد " مورس فيها سلاح الأغتصاب بشكل ممنهج لتغير المكون الدبموغرافى.قوات الجنجويد تمارس القتل و النهب و ازدراء الآخرين مما أدى لمقتل الألوف و النزوح الجماعى نحو المعسكرات.قتل أكثر من اربعمائة الف شخص و نزوح من مواطنين باعداد تزيد أكثر من ذلك العدد الى الدول المجاورة و البعيدة.
السلطة الحالكمة تكررنفس سيناريو الجنوب و تدير حربا أكثر بشاعة، ساهم فى حدتها و قسوتها صناعة السلاح فى السودان التى يصرف عليها من أموال الشعب السودانى الذى يتضور جوعا و فاقة !.....فرضت المجاعة القسرية بمنع وصول مواد الأغاثة و أجهزة الأعلام العالمية و المحلية تتحدث عن مجاعة تضرب الأقليم خاصة ما يجرى فى جبل مرة الآن.
طائرات الأنتنوف تقذف بشكل يومى المواطنين العزل فى جبال النوبة و تمنع عنهم الطعام، الأغاثة و المساعدات الطبية.الأمراض الغريبة تتفشى فى جبال النوبة و دارفور و المركز ينظر باهمال و عدم مبالاة كانما هؤلاء المواطنين من كوكب آخر!
ما يحدث فى جبال النوبة و دارفور يتم أيضا فى النيل الأزرق و نزوح الآلاف من المواطنين من مناطقهم الى الحدود المجاورة و السكن فى المعسكرات!
بالطبع لا يمكن لسلطة سوية أن تقوم بتكرار نفس الخطأ بحذافيره و تطبيق نفس السناريوهات التى تمت فى الجنوب الا أن يكون هدفها الوصول الى نفس تلك النتائج .كتب و تكلم الحادبون حتى بح صوتهم بأن القضايا السياسة لا تحل بالعنف كما أن مثل تلك القضايا تحل فقط بالحوار و الفهم المتبادل.السؤال الذى يجول بالخاطر كيف يطالب بأن تصبح الأمة متوحدة مع تلك الممارسات الفاشية ؟!
تجارب التاريخ تقول ان الشعوب المقهوره قد تلجأ فى بعض المنعطفات لقبول بعض التنازالات لتسوية الأزمات المستعصبة و ذلك مفابل امكانية قيام وطن موحد خالى من العنف و البغضاء و قابل للسير الى الأمام " جنوب افريقبا ".لكن من الجانب الآخر فالتاريخ ايضا يكتب بشكل واضح ان الشعوب التى يمارس ضدها أقسى أنواع الأضهاد العرقى،الأقتصادى و الثقافى تفضل قيام دولها المستقلة.
السودان يسير بخطى متسارعة نحو التمزق و التشتت ، دولة الأسلام السياسى " المؤتمر الوطنى " لا يعنيها شيئا طالما هى تتعامل مع السودان كضيعة تقوم بنهب مواردها و اضطهاد شعوبها.

عدنان زاهر
elsadati2008@gmail.com

 

آراء