عبدالحافظ سعد الطيب
hafiz_63@yahoo.com
في زمن الحرب السودانية الراهنة، تخرج علينا أصوات تحاول إعادة تشكيل الوعي السياسي، لا بالتحليل، بل بالتزوير المتعمد. ومن بين هؤلاء يظهر “صابر عبدالهادي” ومن على شاكلته، ممن يتحدثون باسم اليسار بينما يكررون خطاب السلطة والعسكر بوجهٍ مزيَّن بمفردات ماركسية باردة.
هؤلاء لا يدافعون عن الوطن، بل عن بقايا الدولة الطبقية القديمة، ويحاولون إلصاق الحزب الشيوعي السوداني بموقع لم يقفه قط: موقع الانحياز إلى الجيش.
أولًا: أصل التزوير
الذين يروّجون أن الحزب الشيوعي “انحاز للجيش ضد الدعم السريع” إنما يحرّفون الوقائع.
فمنذ اندلاع الحرب، أعلن الحزب بوضوح أن المعركة الجارية ليست حرب الشعب السوداني، بل حرب بين جناحين من اللجنة الأمنية لنظام الإنقاذ.
الجيش من جهة، والدعم السريع من جهة أخرى، كلاهما أدوات لنظام واحد انهار ولم يمت.
قال الحزب في بيانه يوم 17 أبريل 2023:
“هذه الحرب ليست حرب الشعب، بل حرب بين مراكز قوى داخل النظام القديم، يدفع الشعب ثمنها دمًا ونزوحًا ودمارًا.”
فهل هذا انحياز؟
أم وضوح ماركسي لا يهادن؟
ثانيًا: بين الحياد والانحياز للشعب
الحزب الشيوعي لم يتخذ موقف الحياد الأخلاقي، بل انحاز للشعب ضد طرفي الحرب.
منطق الماركسية واضح: لا تصطفّ مع مؤسسة عسكرية طبقية، ولا مع مليشيا ناهبة، بل مع الجماهير التي تُذبح بين الطرفين.
إنّ تصوير هذا الموقف النزيه كـ“حياد” أو “تخاذل” هو محاولة لطمس الوعي الثوري، واستبداله بخطاب وطني زائف يريدنا أن نختار بين قاتلين.
الحزب الشيوعي يقف مع الوطن الحقيقي، لا مع الدولة القديمة التي تُعيد إنتاج الخراب.
ثالثًا: الجيش ليس جيش الوطن
قال الحزب بوضوح إنّ الجيش في صيغته الحالية هو جيش اللجنة الأمنية، وأنه لا يمثل الشعب ولا الثورة.
منذ انقلاب 25 أكتوبر، ومن قبله مجازر القيادة العامة، والجيش الحالي متورط في قمع المدنيين وحماية مصالح النظام القديم.
“لن نقف مع من يذبح شعبه باسم الوطنية، ولا مع من يحرق المدن باسم التحرير.”
(بيان الحزب – مايو 2023)
الحزب يدعو إلى إعادة بناء الجيش على أسس مهنية وديمقراطية تحت قيادة مدنية حقيقية.
فأين هو الانحياز إذن؟
رابعًا: صابر عبدالهادي وصناعة الوعي المزوّر
حين يكتب صابر عبدالهادي ومن يشبهه، فهم لا يخطئون فهم الماركسية، بل يحرّفونها عمدًا.
يحاولون تقديمها كأداة لتبرير الاصطفاف مع “المعركة الوطنية”، وكأنّ الطبقات يمكنها أن تختفي مؤقتًا باسم العلم الوطني.
لكن الماركسية ليست شعارًا للوطنية الشعورية، بل منهجًا لتحليل الصراع الاجتماعي داخل الوطن.
والوطن، في المفهوم الماركسي، ليس الدولة، بل الناس ومصالحهم الطبقية.
كل حديث عن “جيش الوطن” دون تفكيك بنيته الطبقية، هو تكرار حرفي لخطاب السلطة نفسها بلسان يساري مستعار.
خامسًا: لماذا يُزوَّر الموقف الشيوعي؟
تزييف الموقف الشيوعي يخدم ثلاث قوى رئيسية:
- الإسلاميون (الزلنطحية الجدد)
يريدون تلميع اللجنة الأمنية التي أعادتهم للمشهد، عبر الادعاء بأن “حتى الشيوعيين” باتوا يعترفون بالجيش الوطني. - الليبراليون واليسار المروّض
الذين يرفعون شعار “الوطن أولًا” لتبرير اصطفافهم مع العسكر، ويخافون من وضوح الحزب الشيوعي الذي يربط الحرب بالطبقة. - الانتهازيون الإعلاميون
الذين يعيشون على اقتطاف الجمل من سياقاتها ليصنعوا رأيًا عامًّا مزيفًا يخدم مموليهم.
سادسًا: الماركسية ضد الحرب الطبقية
التحليل الماركسي يرى الحرب الحالية كصراع بين أجنحة رأس المال الطفيلي المسلح، لا كصراع وطني ضد عدو خارجي.
لهذا، فإنّ الحل لا يكون بدعم الجيش أو الدعم السريع، بل بوقف الحرب وإعادة بناء الدولة على أسس العدالة الاجتماعية.
الحزب الشيوعي لم يختبئ خلف العواطف الوطنية، بل واجه الحقيقة:
أنّ أي سلام لا يمر عبر تفكيك دولة اللجنة الأمنية، هو هدنة تُبقي الجرح مفتوحًا.
سابعًا: بين تحريف الماركسية وزيف الوطنية
صابر عبدالهادي وأمثاله لا يدافعون عن الوطن، بل عن وطنٍ متخيَّل يبرّر به العسكر بقاءهم.
يحاولون تحريف الماركسية لتصبح مرافعة عن “الواقعية الوطنية”، في حين أن جوهر الماركسية هو كشف الواقع لا تجميله.
ماركس نفسه قال:
“الفلاسفة فسّروا العالم بطرق مختلفة، لكن المطلوب هو تغييره.
وصابر يحاول أن يفسّر الحرب بلسان الماركسي، ليُبقيها كما هي.
ثامنًا: الوعي الماركسي لا يُحرّف
الماركسية ليست دينًا، لكنها أيضًا ليست عجينة في يد المحرفين.
هي موقف طبقي محدد: انحياز للجماهير، رفض للحرب، نقد جذري للسلطة، ودعوة لبناء دولة جديدة على أنقاض القديمة.
كل محاولة لتحريف هذا الموقف هي اغتيال للوعي الثوري، وتكرار لأساليب البرجوازية القديمة التي ترفع شعار الوطن لتبرير القمع.
تاسعًا: نحو وعيٍ جديد للثورة
الحزب الشيوعي السوداني اليوم يقف في خط النار الفكري والسياسي، مدافعًا عن جوهر الثورة لا عن رمادها.
يقول إنّ وقف الحرب ضرورة، لكن لا عودة لما قبلها.
يقول إنّ الوطن لا يُنقذ بالتحالف مع القتلة، بل ببناء سلطة مدنية جماهيرية تعبّر عن الشعب لا عنه باسمه.
الخاتمة
تزوير الموقف الشيوعي وتحريف الماركسية ليس مجرد خلاف فكري، بل معركة على وعي الشعب نفسه.
وما يفعله صابر عبدالهادي ومن يتبعه هو محاولة يائسة لإعادة العسكر إلى مركز “الشرعية الوطنية” عبر فمٍ يساري.
لكن الوعي الثوري لا يُشترى ولا يُحرّف.
سيظل الموقف الشيوعي واضحًا كما كان دائمًا:
مع الشعب ضد الحرب،
مع الثورة ضد الدولة الطبقية،
ومع الحقيقة ضد كل تزييف.
ملحوظة للقراء
هذا المقال لا يستهدف الأشخاص بأسمائهم، بل الخطاب الفكري والسياسي الذي يحاول التحدث باسم اليسار لتبرير الحرب والانحياز للسلطة.
الرد هنا فكري ومبدئي، غايته الدفاع عن الوعي الماركسي وعن الموقف الشيوعي السوداني الأصيل في وجه كل تزييف أو تحريف.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم