أمر اللواء المتقاعد خليفة حفتر قواته في مدينة الكفرة، الواقعة أقصى الجنوب الشرقي لليبيا، برفع مستوى الاستعداد القتالي وتكثيف الدوريات العسكرية قرب المثلث الحدودي مع تشاد والسودان. ووفقا لمعلومات أدلت بها مصادر عسكرية مطلعة لـ”العربي الجديد”، فقد بدأت كتيبتا سبل السلام، والـ77، التابعتين لحفتر في تعزيز انتشارهما على الشريط الحدودي مع السودان بشكل ملحوظ منذ الأحد الماضي. وذكرت المصادر أن المنطقة العسكرية بالكفرة استقبلت خلال الأيام الماضية آليات عسكرية ثقيلة وعربات تجر مدافع هاوتزر، وكميات من الذخيرة، في تعزيزات عسكرية للكتيبتين، بالتزامن مع وصول ضباط من رئاسة أركان القوات البرية التي يقودها صدام حفتر إلى الكفرة لتشكيل غرفة عمليات طوارئ.
وتأتي هذه التحركات في الكفرة وجنوبها وسط توترات متصاعدة في المنطقة الحدودية مع السودان، بعد تورط كتيبة سبل السلام في دعم هجوم شنته مليشيا الدعم السريع السودانية بقيادة محمد حمدان دقلو “حميدتي” على نقاط سيطرة للجيش السوداني في ذات المنطقة. وفي بيان لها أمس الثلاثاء، أعلنت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية، عن دعم قوات حفتر لهجوم شنته قوة الدعم السريع على مواقع الجيش السوداني في المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، متهمة قوات حفتر بالمشاركة في “الاستيلاء على المنطقة”، ومؤكدة أن الجيش السوداني “سيتصدى بقوة لهذا العدوان وسندافع عن بلدنا وسيادتنا الوطنية”.
وفيما يبدو تحاشيا للرد المباشر عبر المنصات الإعلامية الرسمية، وزعت قيادة حفتر بيانا على وسائل إعلام مقربة منها نفت فيه ما وصفته بـ”مزاعم الاستيلاء على الأراضي السودانية والانحياز لأحد أطراف النزاع”، معتبرة أنها “رواية مكررة لا تمت للواقع بأي صلة”. وحذر بيان حفتر من أن اتهامات السودان تمثل “محاولة مفضوحة لتصدير الأزمة الداخلية السودانية وخلق عدو خارجي افتراضي”، مشيرا في المقابل إلى أن القوات السودانية “كررت مؤخرا اعتداءاتها على الحدود الليبية”. وقال البيان إن قوات حفتر ترفض “المحاولات المتكررة” للجيش السوداني لـ”زج” اسمها في صراعاته الداخلية أو الإقليمية.
وقبل يومين تناقلت منصات ليبية وسودانية على مواقع التواصل الاجتماعي، مقاطع فيديو تظهر أفرادا وآليات تابعة لسرية من كتيبة سبل السلام، وقعت في أسر الجيش السوداني خلال مشاركتها في دعم هجوم للدعم السريع. وبينما امتنع الناطق الرسمي باسم قيادة حفتر، أحمد المسماري، عن التعليق على الفيديو، معتبرا في حديث مقتضصب لـ”العربي الجديد” أن نفي قيادة حفتر في مناسبات سابقة علاقتها بالصراع في السودان “كافيا”، كتب عبد الله سليمان أحمد، القيادي في كتيبة سبل السلام، على صفحته بفيسبوك، مؤكدا وقوع اشتباكات بين كتيبته وقوات الجيش السوداني التي وصفها بـ”العصابات” خلال الأيام الماضية.
وفي تدوينة له، احتفى أحمد بالعمليات التي نفذتها قوات الدعم السريع على مواقع الجيش السوداني في الشريط الحدودي، ما يعكس بوضوح عمق الارتباط بين الكتيبة التابعة لحفتر والقوة التي يقودها حميدتي. والعلاقة بين حفتر وحميدتي ليست جديدة، بل تمتد جذورها لسنوات طويلة، إذ قدم حميدتي، عبر مقاتلي “الجنجويد” الذين كان يقودهم، دعما عسكريا لحفتر في حروبه العديدة داخل ليبيا، وبالمقابل، وقف حفتر إلى جانب حميدتي منذ اندلاع الصراع في السودان في إبريل/نيسان 2023، حيث زوده بدعم لوجستي وعسكري حيوي عبر مسارين رئيسيين ينطلقان من وسط جنوب ليبيا: الأول مسار لوجستي لنقل الوقود عبر خزانات منطقة زلة إلى الكفرة ثم عبر الحدود إلى السودان، والثاني مسار عسكري لنقل الآليات والذخائر من قواعد الجفرة وسرت إلى مطار الكفرة ومن ثم إلى قوات حميدتي.
ويرى الخبير العسكري عادل عبد الكافي، المستشار السابق للقائد الأعلى للجيش الليبي، أن حفتر ليس سوى أداة تنفذ أجندات خارجية، حيث يتحرك مدفوعا بقرارات روسية وإماراتية، لدعم حميدتي، معتبرا أن سلوك حفتر وأطماعه في النفوذ والسيطرة حوّلا جنوب ليبيا إلى ساحة مفتوحة تعج بالمرتزقة بشتى أصنافهم، بما في ذلك المقاتلين الروس وحركات التمرد الأفريقية “بأعداد تفوق قدرته على السيطرة أو التوجيه الى حد أنه بات جزءا منها فقط”. ويربط عبد الكافي في حديثه لـ”العربي الجديد” حفتر وحميدتي في تشابه جوهري يتعلق بسعيهما لفرض سلطة خاصة خارج نطاق الشرعية في بلديهما، وذلك باعتبار أن “نجاح حميدتي في السودان عامل رئيسي لتعزيز هيمنة حفتر على جنوب ليبيا”.
ورغم طموح الرجلين، إلا أن عبد الكافي يرى أنهما مجرد “أدوات محلية” ضمن مشروع استراتيجي روسي أوسع يمتد إلى دول أفريقية كمالي والنيجر وبوركينا فاسو وجمهورية أفريقيا الوسطى، حيث تدعم موسكو أنظمة عسكرية مشابهة، لافتا إلى أن المشروع الروسي، الذي بدأ بمرتزقة فاغنر وتحول إلى كيان يعرف باسم الفيلق الأفريقي، يستفيد من القواعد العسكرية في مناطق سيطرة حفتر، وآخرها قاعدة السارة بالجنوب الشرقي، كنقاط ارتكاز للتوسع في العمق الأفريقي. وحول أبعاد تدخل حفتر في الصراع في السودان، يلفت عبد الكافي إلى عدة خلفيات قد تنذر بمخاطر على أمن ليبيا، منها هشاشة سيطرة حفتر على الجنوب الليبي، خاصة في الأشهر الماضية بعد عزل حسن الزادمة وحل كتيبته في يناير/كانون الثاني الماضي، وهي الكتيبة 128 أقوى أذرع حفتر المسلحة في الجنوب، ويقودها الزادمة الذي يحظى بظهير قبلي وعلاقات واسعة مع حركات التمرد الأفريقية، بل كان حلقة الوصل الحيوية بين حفتر وحميدتي.
ورغم حل الكتيبة 128 إلا أن مقاتليها لايزالون ضمن صفوف كتيبة سبل السلام، ما يجعل عودة الزادمة ممكنة بسبب نفوذه القبلي. ويحذر عبد الكافي من أن التحركات العسكرية الأخيرة لحفتر في الكفرة ودعمه لهجوم حميدتي على الحدود السودانية تمثل محاولات يائسة “لفتح خطوط إمداد جديدة”، لا سيما مع وجود ضغط تشادي لغلق منافذ رئيسية تمر من الأراضي التشادية إالى حميدتي، مثل منفذ “أدري”، مرجحاً فشل هذه المحاولة خاصة لقربها من الحدود المصرية التي تعترف بشرعية الجيش السوداني وترفض حميدتي. واعتبر أنها خطوة قد تزيد من الانزعاج المصري حيال موقف حفتر في السودان.
وعلى الرغم من محاذير علاقة حفتر بحميدتي وانخراطه في الصراع السوداني، إلا أن عبد الكافي يؤكد أن ارتباط حفتر بحميدتي “مصيري وليس رد جميل”، ففشل الأخير يهدد وجود حفتر في الجنوب الليبي الهش أساسا، خصوصا مع مشاكله في الشرق وأزمة الزادمة. وغير ذلك يلفت عبد الكافي إلى أن السيطرة على مثلث الحدود مع السودان وتشاد، حيوية بالنسبة لحفتر لاستمرار تدفق المهاجرين وتهريب الوقود والاستفادة من مناجم الذهب الحدودية، لتمويل أنشطته العسكرية ودعم حلفائه.
