ذهنية حداثية لمقاربة الرباعية

بقلم عمر العمر
aloomar@gmail.com

بمنطق البيئة الاقليمية لتأمين السلام عبر التفاوض،فإن مبادرة اللجنة الرباعية تشكل مدخلاً سلسًا أمام السودانيين للخروج من مستنقع الأزمة المدمرة . المبادرة ليست وصفة طبية لعلاج الأزمة .كما أنها ليست آلية للهيمنة كما يروّج أنصار الحرب . لكن السودانيين مطالبون باستيعاب دروس ارثهم التفاوضي إبان المراحل الانتقالية السابقة. فلاينبغي استثمار عملية التفاوض لمداواة أمراض السياسة أولاً .فمكمن الأزمات السودانية عللٌ ذات جذور وأبعاد أخلاقية . فالنخب السودانية تفتقد الالتزام الاخلاقي المنضبط طويل الامد تجاه المواطن والوطن . كما في اتفاق غزة ينبغي منح الأولوية العليا لإطفاء الحرب. فخلط الملفات كما دأب السودانيون يغرق العملية التفاوضية في فوضى تستنزف عادة جهودا مكثفة تستهدف انتشالها من الغرق . انهاء الحرب يسبق بالضرورة كل القضايا الأخرى .كذلك جاء اتفاق غزة مسبّقاً. انهاء الخرب على كل ما بات يعرف ب(اليوم التالي). معاناة قطاعات الشعب السوداني المعذب يسبق كذلك إخماد الحرب الانشغال ببناء مؤسسات الدولة ،تأمين الانتقال الديمقراطي وبسط العدالة.

ترتيب الأولويات على طاولة التفاوض يكرّس منهجًا أخلاقيًا ناجعا إذ يُيسّر عند كل ملف انتقاء الفريق المفاوض المقتدر . فدأب القوى السياسية عند كل مرحلة انتقالية مراكمة كل الملفات على طاولة التفاوض دون منح أي منها ماهي جديرة به من الاستقصاء والمعالجة بواسطة فريق اختصاصي. فمن المتبع اسناد مهمة التفاوض كلها إلى فريق محدد لا يكون مسلحا في الغالب بمؤهلات تحقيق النجاح في أي من قضايا المرحلة . الفريق نفسه يكون مهجوسا عادةً ببناء مؤسسات السلطة التنفيذية وشاغليها .عقب استكمال هذا المشوار -على عجل- يعود المفاوضون ليصطدموا بأُمهات القضايا . من لم يقنع بما حقق من مكاسب في عملية السلطة السياسية يلجأ ألى إعاقة عملية التفاوض . عندها يصبح تكريس الجهود للابقاء على المفاوضات واجبًا يستنزف الزمن . هكذا تتحول عملية التفاوض إلى طاحونة تستهلك الجهد والزمن دون تحقيق اختراق خالد.

مسألة انهاء الحرب تتضمن معالجات شؤون عسكرية شائكة.فبعد التوافق على اسكات المدافع تأتي قضية نزع السلاح وتحديد موقع تجمع المقاتلين ثم على مستوى الأهمية نفسها رسم آلية دمج المقاتلين في مؤسسات المجتمع وليس فقط استيعابهم داخل الثكنات العسكرية.فالفريق المكلف بهذا الملف يطلب عقليات ذات ابعاد اقتصادية واجتماعية أكثر من القدرات السياسية .على قدر النجاح على هذه الجبهة يتم تمهيد الطريق لاستكمال القضايا الأكثر إلحاحًا .في صدارة الأجندة تبرز إعادة بناء الدولة ،إعادة بناء البنى التحتية و شبكات الخدمات الأساسية وبسط ألأمن .هذه القضايا لايمكن معالجتها بواسطة فريق واحد مهما تعددت مهاراته.لذلك ينبغي مقاربة التفاوض تحت مظلة الرباعية بذهنية وطنية أكثر حداثة ومنظومة أخلاقية أكثر التزاما وأصدق شفافية.

إذًا النخب السياسية مطالبة بكسر آلية نمطيتها التقليدية والاقبال على تحول حذري على الصعيد الوطني.هي مطالبة بتبني ذهنية معافاة من الاستقطابات الضيقة والتجرد من الأنانية .هي كذلك مطالبةٌ بتجديد نسقها الفكري.من ذلك التأكيد على ان الانتصار ليس رهين هزيمة الآخر بقدر ما يتجلى في صوغ برنامج سياسي للبناء والتقدم جاذبٍ لقاعدة جماهيرية عريضة.كذلك عليها الأيمانُ بحتمية العمل الجماعي حينما تقتضي المصلحة الوطنية العليا بناء تحالف سياسي. لابد للنخب السياسية قبل ذلك ممارسة فريضة النقد الذاتي على المستوى الشخصي كما على الصعيد التنظيمي. بهذه العقلية يُفترضُ استكمال أبرز شروط مقاربة جهد اللجنة الرباعية إبان التفاوض بالتركيز على المؤسسات وليس الأشخاص . لتذهب كل الاسماء المتداولة في بورصة الأزمة و أُتون الحرب من أجل بناء دولة ديمقراطية في وطن موحّد وشعب متحد.

ربما يفيد الحركةَ الاسلامية مراجعةُ تجربتها في السلطة من زاوية نقد احتكار التفكير والتعبير واطلاق حرية امتلاك السلاح . هذه خطيئة ساهمت في تكوير الحرب الكارثية.الحركة السياسية السودانية برمتها تحتاجُ إلى التيقّن من ما إذا كان النظامُ الشمولي خيارًا ناجحا لتأمين الاستقرار . بسط قوة القانون والسيادة والوحدة! من شأن مثل هذه الرؤى مقاربةُ جهد اللجنة الرباعية بتفكير حداثي يمهد لبناء مشروع سوداني بعقليات وطنية نافذةِ . فالجدلَ المحموم في شأن التخويف من الرباعية ونفوذها كأنها رجس من عمل الشيطان الوطن ناجمٌ عن العقلية النمطية أو الشمولية أو الاثنتين معا.

عن عمر العمر

عمر العمر

شاهد أيضاً

القاهرة -الخرطوم … اتجاه واحد

بقلم عمر العمرالعلاقات السودانية المصرية الموسومة ب(الأزلية)يشوبها كثير من أعراض الأزل. فمنذ عهد الوالي المؤسس …