لم تكن السابع من أكتوبر 2023 مجرد هجومٍ عسكريّ، بل زلزالاً في الوعي، وانفجاراً في وجه النسيان. في ذلك الصباح خرج الفلسطيني من عباءة الضحية إلى مشهد المقاتل، ودوّى صوتٌ ظنه العالم قد خفت إلى الأبد. فرح البعض، وارتبك آخرون، لكن أحداً لم يستطع أن يتجاهل أن التاريخ تحرّك مجدداً من بوابة غزة.
ومع مرور عامين، تبدّلت الأسئلة. لم يعد الجدل حول المفاجأة، بل حول الحصيلة: هل أعادت «عملية الطوفان» فلسطين إلى الخريطة أم عمّقت جرحها؟ وهل ما زال الدم الفلسطيني قادراً على تحريك الضمير العالمي الذي نام طويلا؟
يمكن القول إن 7 أكتوبر دشّنت الحقبة الثالثة من النضال الفلسطيني؛ بعد حقبة منظمة التحرير وبندقيتها العابرة للحدود، تلتها حقبة الانتفاضة واتفاق أوسلو، ثم جاءت مرحلة «الطوفان» لتعيد البندقية إلى الواجهة، ولكن بثمنٍ فادح.
فغزة دفعت ما لم تدفعه مدينة في هذا القرن: عشرات الآلاف من الأرواح، وحقول واسعة من الركام. ومع ذلك، فإن القضية التي نُسيت عادت إلى مركز النقاش الدولي، وأُجبرت العواصم على تذكّرها.
مفارقة 7 أكتوبر أن من أيّدها ومن رفضها وجد نفسه أمام واقعٍ جديد.
فقد دفعت المأساة دولاً أوروبية وكندا وأستراليا للاعتراف بدولة فلسطين، وأعادت العواصم العربية والأوروبية لتضعها في صدارة تحركاتها الدبلوماسية، كما فعلت السعودية وفرنسا. لقد تَعولمت فلسطين، وانتقلت من كونها قضية محلية إلى رمزٍ إنساني يختبر صدقية العالم.
اليوم، بعد عامين من الدم والنار، يظهر الدرس الأخير:
الإدانة لا تمحو أثر الحدث، والإشادة لا تُلغي مأساته.
لكن الثابت أن العالم ما بعد «الطوفان» ليس كما كان قبله.
لقد سقطت القبة الحديدية ومعها القبة الزجاجية التي كان تحمي العجز العربي من مساءلة التاريخ.
ربما يكون الثمن مرعباً، لكنّ ما بعد الركام يولد جيلٌ جديد،
جيلٌ يدرك أن الحرية لا تُنتزع فقط بالبندقية، بل بفهم العالم، ومخاطبته بلغته. جيلٌ يؤمن بأن الدم وحده لا يكفي، وأن فلسطين تحتاج اليوم إلى حقبة رابعة من النضال:
حقبة الوعي، والكلمة، والشرعية الأخلاقية التي لا يمكن للاحتلال أن ينتصر عليها مهما طال الزمن.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم