العربي الجديد: أعادت هجمات المسيّرات التي تطلقها مليشيات الدعم السريع على مطار الخرطوم وبعض الأحياء السكنية والمرافق الاستراتيجية، إثارة مشهد القلق والنزوح مجدداً في أذهان مواطني ولاية الخرطوم.
في غضون ذلك، تعرضت مدينتا سنار والدمازين، جنوب شرق السودان، لانقطاع التيار الكهربائي في أجزاء واسعة من المنطقتين، مما أثار حالة من الهلع بين السكان، حيث استهدفت طائرات مسيّرة انتحارية المحطة التحويلية للكهرباء غرب خزان الرصيرص، ما تسبب في قطع التيار الكهربائي بالكامل، ودخول المدينة في ظلام تام.
تجدد النزوح
رصدت “العربي الجديد” تحركات واسعة من قبل مواطني ولاية الخرطوم للنزوح مجدداً من العاصمة الخرطوم إلى ولايتي نهر النيل والجزيرة عقب استمرار الهجمات على الخرطوم، فيما بدأت بعض الأسواق، خاصة السوق المركزي الواقع جنوب الخرطوم، في الإغلاق الجزئي تحسباً لأي طارئ، ما أدى إلى انعدام بعض السلع وارتفاع أسعارها. وقال مواطنون لـ”العربي الجديد” “إنهم بدأوا في التفكير بالخروج من الخرطوم حتى لا يتكرر السيناريو الأول رغم انعدام الخدمات”. في الوقت نفسه، شهدت محطات الوقود ازدحاماً وتدافعاً من قبل سائقي السيارات للتزود بالوقود تحسباً لأي طارئ محتمل.

ورأى آخرون أن تدهور الأوضاع الأمنية والمعيشية المتردية في الخرطوم دفع بآلاف السكان العائدين إليها خلال الأشهر الثلاثة الماضية إلى مغادرتها مجدداً، وسط تدهور مروع في الخدمات وانتشار وقائع النهب والقتل، مع تجدد استمرار الحرب في الخرطوم.
وقدَّرت منظمة الهجرة الدولية عدد العائدين إلى العاصمة خلال الفترة من نوفمبر 2024 وحتى أغسطس 2025، بنحو 815 ألفاً. لكن وفقاً لمجموعات محلية تعمل في مجال تقديم الخدمات، فقد نزح أكثر من نصف هذا العدد مجدداً إلى خارج الخرطوم خلال الأسابيع القليلة الماضية، بسبب انتشار الأمراض وتردي الأوضاع المعيشية والأمنية في ظل انقطاع الكهرباء والمياه، وتفشي الأمراض والمخاوف الأمنية حتى باتت بعض الأحياء خالية تماماً من السكان. وقال رئيس بعثة منظمة الهجرة الدولية في السودان محمد رفعت: “معظم العائدين يعودون إلى أماكن تفتقر إلى الخدمات وأساسيات ومقومات الحياة”.
أزمة وقود وشلل المواصلات
وتشهد الخرطوم موجة من الزيادات المتتالية في أسعار السلع والخدمات عقب الزيادات الأخيرة التي تمت في أسعار الوقود، في ظل استمرار أزمة الإمدادات وتدهور الأوضاع الاقتصادية في البلاد. وقد ارتفع سعر غالون البنزين إلى 18 ألف جنيه سوداني، بزيادة قدرها 2000 جنيه عن التسعيرة السابقة، في مؤشر واضح على تصاعد الضغوط المعيشية على المواطنين. كما ارتفع التضخم في الخرطوم بنسبة 22.29%، ما يعكس عمق الأزمة الاقتصادية التي تواجهها.
وعاشت الخرطوم صباح أمس الخميس صدمة كبيرة، توقفت على إثرها بعض خطوط المواصلات العامة وشهدت بعض الأسواق إغلاقات جزئية، وبدأ تجار ينقلون بضائعهم من الأسواق إلى مناطق وصفوها بالآمنة. وقال التاجر محمد شرف الدين لـ”العربي الجديد”: “كل الاحتمالات متوقعة، خاصة وأن الهجمات مستمرة على المنشآت الحيوية التي تجاور الأسواق، ولذلك نخشى من تكرار ما حدث سابقاً”. فيما يقول آدم إسحاق، سائق حافلة، إن كثيراً من المواطنين بدأوا في التحرك نحو ولاية الجزيرة ونهر النيل، ما أدى إلى اختناق في الحجوزات.
تعطل رحلات الطيران
كان من المقرر أن تُسيِّر شركة بدر للطيران أول رحلة داخلية تجارية الأربعاء، إلا أن الهجمات الجوية أعادت تسليط الضوء على هشاشة الوضع الأمني في محيط المطار. حيث كثفت قوات الدعم السريع من استخدام الطائرات المسيّرة لاستهداف البنية التحتية العسكرية والمدنية في المناطق التي يسيطر عليها الجيش. مصدر في شركة بدر للطيران أكد أن الرحلة تأجلت لعدة أيام على الأقل، وأن الشركة تراقب الوضع عن كثب. وكانت الشركة قد أعلنت في وقت سابق عبر صفحتها على “فيسبوك” عن هبوط طائرة تجريبية في المطار، ضمن خطة تقتصر حالياً على تشغيل الرحلات الداخلية فقط.
وأظهر جدول الحجوزات لشركة طيران بدر الخاصة، والتي كان من المقرر تسيير أولى رحلاتها من مطار بورتسودان إلى مطار الخرطوم الأربعاء، عن تأجيل إقلاع الرحلات أيام 22 و23 و24 و25 أكتوبر/ تشرين الجاري، على أن تكون أول رحلة يوم السادس والعشرين من أكتوبر 2025.
وقال مواطنون إنه بعد الهجمات المتوالية على المطار لن تستطيع الشركة مواصلة استمرار سفرياتها المجدولة، فيما أكد أحد المسافرين أن كثيراً من المواطنين قد ألغوا سفرهم إلى الخرطوم بسبب تكرار الهجمات.
وقال مصدر مطلع لـ”العربي الجديد” إن السلطات السودانية قررت تعليق استئناف الرحلات الداخلية في المطار إلى أجل غير مسمى، وذلك عقب تعرض المنشأة لهجوم جوي جديد بطائرات مسيّرة، هو الثالث من نوعه.
وحسب وكالة الأنباء السودانية (سونا) أول من أمس الأربعاء، أكدت سلطة الطيران المدني أنها أصدرت شهادة التشغيل الآمن لمطار الخرطوم الدولي، بعد استكمال عمليات التدقيق والتأكد من استيفاء جميع معايير السلامة والأمن، مؤكدة أن سلامة المواطن والطيران المدني هي الأولوية. وأصدرت السلطة بیانا توضيحيا الأربعاء، حول جهود إعادة تشغيل مطار الخرطوم الدولي وإصدار شهادة التشغيل الآمن.
وتواصلت الهجمات الجوية على العاصمة السودانية الخرطوم ومطارها الدولي لليوم الثالث على التوالي، باستخدام طائرات مسيّرة، وفق ما أكده شهود عيان في مناطق متفرقة من المدينة. وحسب التقارير، حلَّقت المسيّرات فجر الخميس فوق مناطق جنوب أم درمان، قبل أن تُسمع أصوات مضادات أرضية باتجاه سلاح المهندسين والسلاح الطبي ومحطة المرخيات التحويلية للكهرباء في مدينة أم درمان، فيما اتجهت طائرات أخرى نحو مطار الخرطوم الدولي، الذي كان قد أُعيد تشغيله مؤخراً بعد إغلاق دام منذ إبريل/ نيسان 2023 بسبب الحرب بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.
خسائر المطار
وأفاد مصدر مطلع بالطيران المدني لـ”العربي الجديد” أن هجمات الدعم السريع على مطار الخرطوم أصابت بنيته التحتية في الصالات ومواقف الطائرات وبعض المخازن، وأضاف: “هذا يشكل تهديداً مباشراً لسلامة الركاب وأطقم الطائرات ويضع مستقبل الطيران المدني في السودان أمام تحديات غير مسبوقة”.
إلا أنه لم تُصدر أي بيانات رسمية فيما يتعلق بحجم الخسائر، في الوقت الذي حذرت فيه منظمة الطيران المدني (إيكاو) من أن تصاعد الأعمال العدائية يشكل خطراً جسيماً على سلامة الملاحة الجوية المحلية والدولية ويهدد استقرار قطاع الطيران في السودان.
وأعلنت المنظمة أن مطار الخرطوم لا يحمل تصريحاً دولياً للتشغيل في ظل الظروف الراهنة وأي نشاط جوي فيه دون الحصول على التصاريح اللازمة يُعد انتهاكاً صريحاً للمعايير الدولية ويعرّض الحكومة السودانية للمساءلة.
وسبق أن قال المدير الأسبق لسلطة الطيران المدني إبراهيم عدلان إن خسائر مطار الخرطوم بلغت 3 مليارات من الدولارات، وبلغت أصول الملاحة الجوية 500 مليون دولار، بالإضافة إلى 300 مليون دولار ناتجة عن عدم التشغيل لمدة عامين، و600 مليون دولار ناتجة من قيمة الدمار في الطائرات، و250 مليون دولار أصول ثابتة غير المباني الرئيسية وما بداخلها من أصول ثابتة ومتحركة والتي تُقدَّر بأكثر من 750 مليون دولار.
ووسعت قوات الدعم السريع هجماتها بطائرات مسيّرة استهدفت منشآت استراتيجية في عدة مواقع، شملت خزان سنار ومحطة التوليد المائي، بالإضافة إلى قيادة الفرقة الرابعة في مدينة الدمازين، والمحطة التحويلية في الرصيرص بولاية النيل الأزرق.
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم