aminoo.1961@gmail.com
بقلم: أمين الجاك عامر – المحامي
في كل مرة نعود فيها للحديث عن مشروع الجزيرة، نشعر وكأننا ننقب في ذاكرة الوطن، تلك الذاكرة التي تختزن قرنًا من العطاء والجد والتحدي.
ولعل أغنية الراحل محمد إدريس، عضو فرقة الحجاب، التي أصبحت نشيدًا شعبيًا في الجزيرة:
“في الجزيرة نزرع قطنّا، نزرع نتيرب، نحقق أملنا”
ما زالت تلامس وجداننا جميعًا، لأنها تختزل روح الانتماء لمشروع كان رمزًا للإنتاج والعمل الجماعي، حتى صار شعارًا لتلفزيون الجزيرة الريفي.
ومع صدور القرار رقم (139) من رئيس مجلس الوزراء بإنشاء إدارة خاصة بريّ مشروع الجزيرة، تتبع إداريًا وفنيًا لإدارة المشروع، عاد الجدل مجددًا بين مؤيد ومعارض، ولكلٍ حجته ورؤيته التي تنطلق من حرصٍ صادقٍ على المصلحة العامة.
لكن، ونحن نسعى بخطى ثابتة نحو إعادة إعمار المشروع وفتح آفاق جديدة للتنمية المستدامة، لا بد أن ننظر بعينٍ متجردة إلى جذور الخلافات التاريخية التي عصفت بهذا الصرح العملاق.
تأسس مشروع الجزيرة عام 1925م عقب بناء خزان سنار لتوفير الري الدائم، وكان واحدًا من أضخم المشاريع الزراعية في إفريقيا والعالم العربي. وقد أُنشئ بنظام دقيق يقوم على الشراكة الثلاثية بين الحكومة والمزارع وشركة السودان الزراعية، بهدف رئيس هو زراعة القطن كمحصول نقدي لتغذية مصانع النسيج البريطانية.
ورغم نجاح المشروع في بداياته، إلا أن نظام الشراكة كان غير متوازن؛ فالحكومة والشركة امتلكتا السلطة والموارد، بينما تحمل المزارع العبء الأكبر من المخاطر، مما خلق شعورًا دائمًا بالظلم وسط المزارعين.
وبعد الاستقلال، حاولت الحكومات الوطنية تعديل نظام الإدارة لتحقيق العدالة، غير أن تلك التغييرات كانت في معظمها سياسية أكثر من كونها إصلاحية، مما أدى إلى ضعف الاستقرار الإداري وتضارب المصالح بين المزارعين والحكومة والنقابات.
وقد تفاقمت الأزمة بإلغاء قانون 1984م الذي كان ينظم العلاقة بين الأطراف الثلاثة، لتتعمق الخلافات حول ملكية الأرض والإدارة والتمويل، ويزداد المشهد تعقيدًا بفعل القوانين المتعاقبة التي أضافت مشكلات جديدة بدلًا من أن تقدم حلولًا ناجعة. وما زال ملاك الأراضي المملوكة ملكًا حرًا يبحثون عن حقوقهم الضائعة.
اليوم، وبعد مرور مائة عام على تأسيس المشروع، يقف مشروع الجزيرة على مفترق طرق حاسم. إنه بحاجة ماسة إلى رؤية قومية موحدة تعيد له مكانته وريادته.
ولن يتحقق ذلك إلا عبر تكوين لجنة قومية دائمة تضم نخبة من الخبراء والحكماء في مجالات الري والمياه والزراعة والبيئة، إلى جانب المهندسين الزراعيين وخبراء الغابات والباحثين والقانونيين وملاك الأراضي والمزارعين، لتشخيص جذور الأزمة ووضع خطط علمية لمعالجة التحديات الحالية والمستقبلية.
إن مشروع الجزيرة ليس مجرد أرض تُروى بالماء، بل هو رمز وطني يجسد روح العمل الجماعي والانتماء للوطن.
وحتى لا تتكرر الأخطاء، علينا أن نوحّد الجهود وننظر إلى المستقبل بعين الحكمة، قبل فوات الأوان
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم