من “الابتكار الشعبي” إلى “الخطر الصحي”

من “الابتكار الشعبي” إلى “الخطر الصحي”.. سرير (حسن عدس) بين الحل والمعضلة
aminoo.1961@gmail.com
بقلم: أمين الجاك عامر – المحامي

في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة والازدحام السكاني المتزايد في المدن السودانية الكبرى، مثل الخرطوم ومدني، ظهرت في السنوات الأخيرة حلول بديلة لتلبية حاجات المواطنين في الإقامة المؤقتة، خصوصاً للمرافقين للمرضى القادمين من الولايات البعيدة أو المسافرين عبر الطرق الطويلة. ومن رحم تلك الحاجة، وُلد ابتكار شعبي بسيط تحوّل مع الوقت إلى ظاهرة اجتماعية واقتصادية: سرير “حسن عدس”.

هذا السرير، الذي يمتاز بخفة وزنه ورخص تكلفته وسهولة نقله، أصبح مألوفاً في محيط المستشفيات ومواقف المواصلات العامة، حيث يُرصّ بعناية كل مساء ليستقبل المرافقين والعابرين مقابل أجر يومي زهيد. ومع مرور الوقت، تحوّل “حسن عدس” إلى مصدر رزق ثابت لكثير من الأسر والمتعهدين، وبديل مريح وميسور التكلفة مقارنة بالإقامة في الفنادق أو الشقق المفروشة، خصوصاً بعد توقف الوكالات القديمة عن العمل.

ومع اندلاع الحرب الأخيرة وما تبعها من موجات نزوح متتالية من الخرطوم ثم مدني والجزيرة وسنجة، وجد آلاف السودانيين في سرير “حسن عدس” الملاذ المؤقت في محطات السفر، والمنازل المستأجرة، والمعسكرات، وحتى الساحات العامة، ليصبح رمزاً للصمود الشعبي وحلاً اضطرارياً في مواجهة الواقع الصعب.

غير أن هذا “الاختراع الشعبي” بدأ مؤخراً يثير قلقاً واسعاً في الأوساط الصحية، بعد تداول مقاطع مصوّرة من داخل مستشفى ود مدني أظهرت استخدام هذه الأسرة كبديل مؤقت للأسرة الطبية في عنابر المرضى والنقالات، في ظل النقص الحاد في المعدات والمستلزمات الطبية.

إن استخدام أسِرّة غير طبية داخل المستشفيات يمثل خطراً كبيراً على صحة المرضى، كونها غير مطابقة للمعايير الصحية المطلوبة، وتفتقر إلى المراتب الطبية المخصصة لعلاج الحالات المرضية، مما يجعلها بيئة خصبة لانتقال العدوى والأمراض المعدية بين المرضى والمرافقين.

إن دخول “سرير حسن عدس” إلى المؤسسات الصحية يعكس تدهور الخدمات الأساسية في قطاع الصحة، ويدق ناقوس الخطر بشأن الأوضاع داخل المستشفيات العامة، التي تكافح لتغطية العجز في المعدات وسط تزايد أعداد المرضى بشكل يفوق الطاقة الاستيعابية.

لذلك، نطالب وزارة الصحة اليوم بالتدخل العاجل لتنظيم هذه الظاهرة ومنع استخدام الأسرة الشعبية داخل المرافق العلاجية، مع العمل على توفير بدائل صحية ومعقمة تلبي الحاجة المتزايدة دون تعريض حياة المرضى للخطر. كما نناشد الخيرين والمغتربين بالمساهمة في دعم المرافق الصحية، ونكرر الدعوة إلى رفع الجمارك مؤقتاً عن المستلزمات الطبية التي تحتاجها المستشفيات لتجاوز هذه الأزمة.

لقد لعب “سرير حسن عدس” دوراً إنسانياً مهماً في وقت الشدة، وأسهم في تخفيف معاناة كثير من الأسر، لكنه اليوم يقف على مفترق طرق بين الابتكار الشعبي النافع والخطر الصحي الداهم. وما بين الاثنين، تظل الحاجة ملحّة إلى وعي مجتمعي وتدخل رسمي يضع حدوداً واضحة لاستخدامه، حفاظاً على ما تبقى من صحة الناس وكرامتهم

عن امين الجاك عامر

امين الجاك عامر

شاهد أيضاً

من دلالة السمك إلى دلالة الذهب: فكرة سودانية لتنظيم سوق الذهب

aminoo.1961@gmail.comبقلم: أمين الجاك عامر – المحامي في سبعينيات القرن الماضي، كان مشهد دلالة السمك في …