محمود الدقم
mo2ahd@gmail.com
كمن يحرق عمارة سكنية عن بكرة أبيها لإشعال سيجارة لضبط دماغه، يحاول الجنرال البرهان التقرب مرة أخرى نحو موسكو طلبًا للمدد من بوتين، ولا ندري هل هي نكاية في مسعد بولس والرباعية أم في ترامب؟ المضحك المبكي أن البشير كان قد شحن نفسه في الثالث عشر من يوليو 2018 إلى موسكو في طائرة شحن، وهبطت الطائرة في أطراف مدينة موسكو، وذهب إلى بوتين مستغيثًا به من السياسات الأمريكية ضده، لكن الرجل لم تمضِ عليه بضعة أشهر حتى تمت الإطاحة به بشكل مزلزل.
الآن البرهان يريد أن يعيد الكرة مرة أخرى، وذلك عبر طرح مشروع منح روسيات قاعدة بحرية علي البحر الاحمر
الأمر الذي سيغضب حتمًا ترامب وسوف يغضب السيسي ودول الجوار أيضًا، فأي وجود عسكري أكبر من إمكانيات هذه الدول العسكرية سيتم تفسيره من قبلها بأنه تهديد مباشر لأمنها الجيوسياسي، بشكل مباشر أو غير مباشر.
الدب الروسي معروف عنه أنه يأخذ ولا يعطي، ولقد كانت هناك تجارب له مع بشار الأسد الذي هرول حبًّا إلى موسكو ، وكان البعثي بشار الأسد يظن أن تقرّبه وتمسّحه بالحذاء الروسي سيجلب له الأبدية في حكمه حتى يرثه ابنه وابن ابنه، لكن الروس كانوا ينظرون إلى مصالحهم الاستراتيجية أولًا وآخرًا، وأهمها استنزاف المعادن وعلى رأسها الفوسفات، وتوقيع عقود طويلة الأمد في مجالات الطاقة والاتصالات، شريطة حماية النظام العام للدولة السورية وليس الأسد وعائلته.
حتى النظام السوري كانت روسيا تتلاعب به وقتما تشاء؛ فإذا كانت هذه الحماية تلحق الضرر بمصالحها في سوريا، فمثلًا في الوقت الذي كانت إسرائيل تقصف المراكز الحيوية لسوريا، كانت موسكو تتفرّج، وعندما كانت تركيا تتغلغل في إدلب وشمال حلب وكانت المبادرة العسكرية في يد الجيش السوري، طلبت موسكو من دمشق سحب الجيش على أن تتفاهم موسكو مع أنقرة، لأن مصالح موسكو مع أنقرة مقدّمة على سمعة الجيش السوري. بل أجبرت موسكو بشار الأسد على توقيع اتفاقيات محلية مع فصائل مناوئة له، وهي ذات الفصائل التي استعان بالروس لمحاربتها، ورفضت موسكو أن يدخل بشار الأسد إحدى المقار الاستراتيجية لروسيا في سوريا.
فإذا كانت هذه المعطيات والوقائع قد حدثت لبشار الأسد ابن موسكو المدلّل، فماذا عسى أن تقدّمه للبرهان؟ الروس، في حال ذهبوا خطوات في قاعدتهم بالبحر الأحمر في السودان، فإنهم أيضًا سوف ينظرون لمصالحهم الخاصة، ولن يكون البرهان ولا الإخوان في قائمة اهتمامات الدب الروسي، لا أمس ولا اليوم ولا غدًا. فروسيا ما زالت لديها مصالح استراتيجية مع الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة الأمريكية، فما الذي يجعل الأب الروحي للمخابرات الروسية بوتين يضحي بهذه المصالح من أجل إيقاف تمدد جيوش الدعم السريع نحو بورتسودان؟
مشكلة البرهان ليست في الحوجة لعتاد حربي نوعي أو أسلحة إضافية؛ فالبرهان وميليشياته لديهم من الأسلحة ما يكفي. إشكالية البرهان الجوهرية هي: من يدير هذه الحرب؟ هل هو كجنرال عسكري والقائد الأعلى لمؤسسة الجيش؟ أم علي كرتي الشخصية المدنية التي لا تفقه في الفنون العسكرية، وكل ما يهمه هو إنقاذ التنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي أصبح أثرًا بعد عين، ولم يتبقَّ لهم إلا السودان أرض المعركة الأخيرة؟
في الخلاصات: القاعدة الروسية إن وطدت لنفسها في بورتسودان حتمًا سوف تكون لعنة بلغاء على البرهان والإخوان. فإذا كان ترامب حرّك أساطيله العسكرية كي يحارب المكسيك، وقبلها هدّد نيجيريا، فما الذي يمنعه أن يعطي الضوء الأخضر للأسطول الأمريكي في المتوسط ليكون جاهزًا لحماية المصالح الأمريكية في البحر الأحمر وعلى رأسها أمن إسرائيل طالما أن البرهان احتمى بالروس؟
سودانايل أول صحيفة سودانية رقمية تصدر من الخرطوم