وسط تقارير عن تورط مرتزقة أجانب بها.. إدانات واسعة لجرائم “الدعم السريع” في الفاشر

تصدّر الهجوم الذي شنّته قوات “الدعم السريع” على مدينة الفاشر في إقليم دارفور خلال الأيام القليلة الماضية عناوين نشرات الأخبار لوسائل الإعلام العربية والأجنبية، وسط إدانات عربية ودولية وأممية للهجوم وحديث عن آلاف الضحايا وانتهاكات بحق المدنيين.
ويأتي هجوم قوات “الدعم السريع” على الفاشر التي يسيطر عليها الجيش السوداني، بعد أكثر من عام على انتشار تقارير موثقة عن مشاركة مرتزقة أوكران وكولومبيين وأفارقة بالقتال في صفوف ميليشيا الدعم ضد الجيش السوداني، وبعد أيام قليلة من صدور دعوات من جهات رسمية وحزبية سودانية تطالب بتحقيق شامل بملف تجنيد مرتزقة أجانب بالحرب في السودان ومحاسبة المتورطين.

منظمات أممية: قوات “الدعم السريع” ترتكب الفظائع في الفاشر
في سياق متصل، بدأت التقارير الإعلامية والمعلومات المتضاربة تنتشر بأواخر أكتوبر الحالي حول سيطرة قوات الدعم السريع على الفرقة السادسة مشاة التابعة للقوات المسلحة السودانية في الفاشر ومطار المدينة. ليتم الإعلان لاحقاً عن سيطرت “الدعم السريع” على مقر قيادة الجيش في الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور، إثر هجوم عنيف ودموي شنته “الدعم السريع” على المدينة، بعد حصارها للمدينة لعدّة أشهر ومنع وصول المساعدات الإنسانية للسكان مما سبب انتشار المجاعة والأزمات الإنسانية بين السكان هناك.
في السياق ذاته، قال مكتب المحقق العام بالمحكمة الجنائية الدولية بتصريح صحفي أنه ثمّة أسبابا تدعو للاعتقاد بأن جرائم تدخل ضمن اختصاص نظام روما الأساسي تُرتكب حاليا في دارفور.
وبحسب مصادر رسمية سودانية ودولية فقد تجاوز عدد ضحايا الهجوم الذي شنته قوات “الدعم السريع” على مدينة الفاشر 2000 شخص، وخطف 1350 مدني، ونزوح أكثر من 26 ألف مدني إلى مدينة طويلة المجاورة للفاشر.

إدانات دولية لجرائم “الدعم السريع” ضد المدنيين بالفاشر
أدان مجلس الأمن الدولي بشدة الهجوم الذي شنّته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر في إقليم دارفور، في حين قالت محكمة الجنايات الدولية إنها تتحقق من ارتكاب جرائم في شمال دارفور.
وعبّر مجلس الأمن، عن قلقه من الفظائع المبلغ عنها التي ترتكبها قوات الدعم السريع ضد السكان المدنيين، بما في ذلك عمليات الإعدام بإجراءات موجزة، والاعتقالات التعسفية، والفظائع ذات الدوافع العرقية. مؤكداً في بيان رسمي بأن هجوم “الدعم السريع” على الفاشر ترك أثرا مدمرا على السكان المدنيين.
وحث مجلس الأمن جميع الدول على الامتناع عن التدخل الخارجي الذي يهدف إلى تأجيج الصراع وعدم الاستقرار في السودان. مؤكداً رفضه إنشاء سلطة حاكمة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع في السودان.
في سياق ذو صلة، قال مندوب السودان لدى الأمم المتحدة، إن “الدعم السريع” ترتكب إبادة جماعية في السودان. مؤكداً أن الدعم السريع هي امتداد طبيعي لميليشيا الجنجويد ولا شرعية لها، وأنها تستمد قوتها من ذهب دارفور المنهوب، وتستعين بمرتزقة من دول الجوار وأميركا اللاتينية، مستفيدة من غياب أي دعم رادع. داعياً لنزع سلاحها، وإلى إدانة الدعم الأجنبي لها، مؤكدا أن الصمت عن الرعاية الدولية للدعم السريع ليس حيادا.

الجيش السوداني يكشف عن تورط مرتزقة أجانب بأحداث الفاشر الدامية
في سياق متصل، أكد الفريق إبراهيم الماظ دينق القيادي في القوات المشتركة ومستشار رئيس حركة العدل والمساواة للشؤون الأهلية والمجتمعية، وجود مرتزقة أوكرانيين يقاتلون داخل الفاشر ضمن صفوف الميليشيات مطالبا حكومة وشعب أوكرانيا بسحب مواطنيهم فوراً من الأراضي السودانية.
وقال دينق: “إن وجود هؤلاء الأشخاص في صفوف ميليشيا الدعم السريع هو اعتداء على سيادة السودان وأمنه القومي وسيقوم الجيش والقوات المشتركة والقوات المساندة بملاحقتهم أينما كانوا”. مشيراً إلى أن الاتهامات الموجهة للدول لا تستند إلى اتهام دولة بعينها ولكن استندت إلى أدلة ملموسة، على حد تعبيره، والتي تضمنت ملفات ووثائق وهواتف نقالة تم الاستيلاء عليها من المقاتلين القتلى والأسرى الذين تبين انهم من اوكرانيا وكولومبيا.
وحمّل الفريق الماظ الإمارات بشكل خاص مسؤولية الرعاية والدعم اللوجستي لتنظيم تدفق المقاتلين الأجانب والمتخصصين الأجانب، مما سمح لمليشيا الدعم السريع بتجديد صفوفها وتسهيل الحصول على التكنولوجيا المتقدمة في المعدات العسكرية والأسلحة.
وكان المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة للجيش السوداني العقيد أحمد حسين مصطفى، قد كشف في وقت سابق عن تورط مرتزقة أوكرانيين في العمليات العسكرية التي تنفذها مليشيا “الدعم السريع” في إقليم دارفور وبالفاشر تحديداً. وأشار مصطفى إلى أن هؤلاء المرتزقة يعملون كخبراء في المدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة، والتي تُستخدم بشكل مباشر في استهداف المدن والمناطق السكنية، مما يسبب خسائر فادحة وسط المدنيين.
ويأتي تصريح العقيد مصطفى تأكيدًا للبيان الذي أصدره الجيش السوداني في وقت سابق، والذي أعلن فيه مقتل عدد كبير من المرتزقة الأجانب، بينهم أوكرانيون وكولومبيون، خلال محاولة هجوم فاشلة على مدينة الفاشر في 30 سبتمبر. وأكد البيان أن المرتزقة يشغلون مهام فنية متقدمة في تشغيل الطائرات المسيّرة وتوجيه المدفعية، وهو مؤشر خطير على تصاعد التدخل الأجنبي في النزاع السوداني. ويأتي كل ذلك، وسط مطالب متزايدة من جهات سودانية بضرورة التحقيق في طبيعة هذا التدخل ومحاسبة الجهات التي تسهّل وجود المرتزقة في البلاد.
وكانت صحيفة “لاسيلا فاسيا” الكولومبية قد كشفت في اذار/مارس الماضي، عن وجود مرتزقة كولومبيين يقاتلون إلى جانب قوات “الدعم السريع” في السودان ويتقاضون رواتب من الإمارات العربية المتحدة.
وحسب ما أوردت الصحيفة حينها، فإن المرتزقة الكولمبيين يتقاضون راتب شهري يقدر بـ 3000 دولار أمريكي للفرد. وفقاً للصحيفة فإن شركة “جي إس إس جي” الإماراتية التي يقع مقرها في دبي، تديرعملية توريد المرتزقة الكولومبيين، وتعمل مع شركة “إيه فور إس آي” الكولومبية لتجنيد المقاتلين الكولومبيين، وتتم إدارة هذه العملية بقيادة العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيخانو المقيم في دبي.
في السياق ذاته، كان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، قد قال في فبراير 2024 لـ”العربي الجديد”، بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد بالسودان، إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين”.

مطالب سودانية بتحقيق شامل بملف تجنيد مرتزقة أجانب بصفوف “الدعم السريع”
وقبل الهجوم على الفاشر بأيام قليلة صدرت دعوات رسمية وشعبية سودانية كثيرة تطالب بفتح تحقيق شامل بملف تجنيد مرتزقة أجانب في صفوف الدعم السريع، تقاتل الجيش وتقتل الشعب السوداني.
حيث تقدم مجلس الصحوة الثوري السوداني برئاسة موسى هلال في بداية اكتوبر الحالي بطلب عاجل للتحقيق في تجنيد المرتزقة الأجانب في السودان وتوجيه الاتهام للمتورطين. وقال المجلس في بيان له: “نسلط الضوء على ظاهرة خطيرة ومقلقة تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وهي عمليات تجنيد ونقل وتوظيف المرتزقة الأجانب من قبل أطراف النزاع، وبالأخص من قبل ميليشا الدعم السريع. لقد وصلت إلينا التقارير الموثوقة عن وجود مقاتلين مرتزقة قادمين من دول على رأسهم كولومبيا وكذلك أوكرانيا وجنوب السودان واثيوبيا وليبيا وتشاد وغيرها، يقاتلون ضمن صفوف هذه القوات المتمردة، مما يزيد من وحشية الصراع وتمديده، ويؤدي إلى ارتكاب فظائع وجرائم حرب بحق المدنيين السودانيين الأبرياء”.
وطالب المجلس في بيانه الموجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، بفتح تحقيق عاجل وشامل فيما يخص هذه الادعاءات والوقوف على حقيقة تواجد ودور المرتزقة الأجانب في السودان، وكذلك توجيه تهم رسمية لكل المتورطين والمشاركين في عمليات تجنيد وتمويل ونقل وتوظيف هؤلاء المرتزقة، سواءً أكانوا أفراداً أم قادة عسكريين في “الدعم السريع”، أم جهات ودولاً ترسلهم، ومساءلة الجهات الأمنية والعسكرية وأي جهات أخرى تثبت تورطها في هذه العمليات التي تنتهك مبادئ القانون الدولي.
وفي وقت سابق كان رئيس الوزراء السوداني كامل ادريس، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قد طالب المجتمع الدولي بالعمل على وقف تدفقات الأسلحة الفتاكة المتطورة لمليشيا “الدعم السريع” الإرهابية وإدانتها وتجريمها وتصنيفها مجموعة إرهابية ووقف تدفقات المرتزقة”.
وبحسب خبراء ومراقبين فقد سلطت أحداث الفاشر الدامية الضوء بشكل كبير على ملف المرتزقة الأجانب الذين يقاتلون بصفوف الدعم السريع ولفتت الانتباه إلى خطورة ملف التجنيد وحجم التدخل الأجنبي في السودان.

الكاتب .. الدكتور محمد صادق .. الكاتب والباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الدولية

شاهد أيضاً

مُورِّدو الأسلحة إلى السودان وسط الصراع المستمر

بدأت الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية (SAF) بقيادة عبد …