وسط دعوات سودانية لمحاسبتهم.. مرتزقة أوكران ينسقون هجمات “الدعم السريع” ضد الجيش بدارفور

احتل ملف المرتزقة الأجانب الذين يشاركون بالصراع في السودان الحصة الأكبر من التغطية الإعلامية واهتمام النشطاء والصحفيين مع تصاعد الأصوات الوطنية السودانية المطالبة بفتح تحقيق عاجل في تجنيد مرتزقة أجانب للقتال بصفوف “الدعم السريع” ضد الجيش، والقبض على المتورطين.
يأتي ذلك وسط انتشار معلومات بشكل شبه يومي حول تورط دول وجهات عدّة بملف المرتزقة. ولعل المعلومات التي كشف عنها الجيش السوداني اليوم حول مشاركة مرتزقة أوكران بصفوف “الدعم السريع” من الخبراء والمقاتلين، في المعارك الدائرة في دارفور، ستكون سبباً إضافياً في تصعيد المطالب الرسمية والشعبية السودانية للحكومة والجهات الدولية للتعامل بحزم وجدية مع ملف المرتزقة.
القوات المشتركة: مرتزقة أوكران يديرون العمليات العسكرية للدعم السريع بدارفور
في سياق متصل، كشف المتحدث الرسمي باسم القوات المشتركة العقيد أحمد حسين مصطفى، عن تورط مرتزقة أوكرانيين في العمليات العسكرية التي تنفذها مليشيا “الدعم السريع” في إقليم دارفور. وأشار مصطفى إلى أن هؤلاء المرتزقة يعملون كخبراء في المدفعية الثقيلة والطائرات المسيّرة، والتي تُستخدم بشكل مباشر في استهداف المدن والمناطق السكنية، مما يسبب خسائر فادحة وسط المدنيين.
ويأتي تصريح العقيد مصطفى تأكيدًا للبيان الذي أصدره الجيش السوداني في وقت سابق، والذي أعلن فيه مقتل عدد كبير من المرتزقة الأجانب، بينهم أوكرانيون وكولومبيون، خلال محاولة هجوم فاشلة على مدينة الفاشر في 30 سبتمبر. وأكد البيان أن المرتزقة يشغلون مهام فنية متقدمة في تشغيل الطائرات المسيّرة وتوجيه المدفعية، وهو مؤشر خطير على تصاعد التدخل الأجنبي في النزاع السوداني. ويأتي كل ذلك، وسط مطالب متزايدة من جهات سودانية بضرورة التحقيق في طبيعة هذا التدخل ومحاسبة الجهات التي تسهّل وجود المرتزقة في البلاد.
جهات رسمية وحزبية سودانية تطالب بتحقيق شامل بملف تجنيد مرتزقة أجانب
في سياق متصل، تقدم مجلس الصحوة الثوري السوداني برئاسة موسى هلال في بداية اكتوبر الحالي بطلب عاجل للتحقيق في تجنيد المرتزقة الأجانب في السودان وتوجيه الاتهام للمتورطين.
وقال المجلس في بيان له: “نسلط الضوء على ظاهرة خطيرة ومقلقة تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني، وهي عمليات تجنيد ونقل وتوظيف المرتزقة الأجانب من قبل أطراف النزاع، وبالأخص من قبل ميليشا الدعم السريع. لقد وصلت إلينا التقارير الموثوقة عن وجود مقاتلين مرتزقة قادمين من دول على رأسهم كولومبيا وكذلك أوكرانيا وجنوب السودان واثيوبيا وليبيا وتشاد وغيرها، يقاتلون ضمن صفوف هذه القوات المتمردة، مما يزيد من وحشية الصراع وتمديده، ويؤدي إلى ارتكاب فظائع وجرائم حرب بحق المدنيين السودانيين الأبرياء”.
وطالب المجلس في بيانه الموجه إلى المحكمة الجنائية الدولية، بفتح تحقيق عاجل وشامل فيما يخص هذه الادعاءات والوقوف على حقيقة تواجد ودور المرتزقة الأجانب في السودان، وكذلك توجيه تهم رسمية لكل المتورطين والمشاركين في عمليات تجنيد وتمويل ونقل وتوظيف هؤلاء المرتزقة، سواءً أكانوا أفراداً أم قادة عسكريين في “الدعم السريع”، أم جهات ودولاً ترسلهم، ومساءلة الجهات الأمنية والعسكرية وأي جهات أخرى تثبت تورطها في هذه العمليات التي تنتهك مبادئ القانون الدولي.
وختم المجلس بيانه بإحصائيات موثوقة لمنظمات دولية عن حجم الخسائر الهائل التي تكبدها الشعب السوداني والأزمة الإنسانية الهائلة نتيجة الحرب.
وفي وقت سابق كان رئيس الوزراء السوداني كامل ادريس، في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قد طالب المجتمع الدولي بالعمل على وقف تدفقات الأسلحة الفتاكة المتطورة لمليشيا “الدعم السريع” الإرهابية وإدانتها وتجريمها وتصنيفها مجموعة إرهابية ووقف تدفقات المرتزقة”.
وأشار ادريس في كلمته، إلى أن انتهاك القرار 1591 الذي بموجبه تم فرض حظر توريد السلاح للسودان وحظر السفر على من يعرقلون عملية السلام، “يهدد باستمرار الحرب، وإطالة أمدها، ومعاناة المدنيين، ويقلّل من فرص التوصل للسلام ويهدد سلامة ووحدة واستقرار السودان والمنطقة بأسرها”.
تقارير دولية ووسائل إعلام: مرتزقة أجانب يشاركون بالقتال مع”الدعم السريع”
في السياق ذاته، كانت صحيفة “لاسيلا فاسيا” الكولومبية قد كشفت في اذار/مارس الماضي، عن وجود مرتزقة كولومبيين يقاتلون إلى جانب قوات “الدعم السريع” في السودان ويتقاضون رواتب من الإمارات العربية المتحدة.
وحسب ما أوردت الصحيفة حينها، فإن المرتزقة الكولمبيين يتقاضون راتب شهري يقدر بـ 3000 دولار أمريكي للفرد. وفقاً للصحيفة فإن شركة “جي إس إس جي” الإماراتية التي يقع مقرها في دبي، تديرعملية توريد المرتزقة الكولومبيين، وتعمل مع شركة “إيه فور إس آي” الكولومبية لتجنيد المقاتلين الكولومبيين، وتتم إدارة هذه العملية بقيادة العقيد الكولومبي المتقاعد ألفارو كيخانو المقيم في دبي.
وكانت تقارير لاحقة تحدثت عن تلقي المقاتلين الكولومبيين لتدريبات على يد خبراء عسكريين أوكرانيين في دولة مولدوفيا قبل إرسالهم للسودان عن طريق الإمارات.
وكان تقرير سري صادر عن جهات أمنية أوكرانية في يونيو الماضي، قد أشار إلى أن “هجمات الطائرات المسيّرة التي تشنها القوات الأوكرانية المتخصصة هي التي تُلحق الضرر الأكبر والرئيسي بقوات الجيش السوداني، وتُعيق تقدمها، وتطيل أمد الحرب”.
في السياق ذاته، كان الممثل الخاص لأوكرانيا في الشرق الأوسط وأفريقيا مكسيم صبح، قد قال في فبراير 2024 لـ”العربي الجديد”، بأن “بعض المواطنين الأوكرانيين يشاركون في الصراع بشكل منفرد بالسودان، إلى جانب قوات الدعم السريع. ومعظم المقاتلين الأوكران هم من المتخصصين التقنيين”.
الجيش السوداني: مقتل مرتزقة كولومبيين وأوكران بالفاشر
في سياق ذو صلة، شن الجيش السوداني سلسلة من الغارات الجوية على مناطق واسعة في كردفان ودارفور في 30 سبتمبر الماضي، مستهدفاً مراكز وتجمعات ميليشيات “الدعم السريع” والمرتزقة الأجانب. وبحسب مصدر عسكري بالجيش السوداني فقد أسفرت الغارات عن مقتل 47 عنصراً من الميليشيات بينهم 22 مقاتلاً من المرتزقة الأجانب، بالإضافة لتدمير عدد كبير من آلياتهم وعتادهم.
وبحسب الرقيب أول في الفرقة السادسة للجيش آسيا الخليفة، تمكنت قوات الجيش العاملة في الفاشر من إلحاق خسائر كبيرة بقوات “الدعم السريع” بعد نصب كمين محكم أدى إلى هلاك عدد كبير من المرتزقة الأجانب من بينهم كولومبيين وأوكرانيين.
ووفقاً لخليفة، فإن “المرتزقة الأجانب كانوا قد تسللوا إلى بعض أحياء المدينة والمباني العالية، وكان بعضهم مهندسين في مجال المسيرات والمنظومات، فيما أُرسلوا قناصة لتتمركز داخل المدينة، لكن قوات الجيش كانت لهم بالمرصاد وتمت مكافحتهم بنجاح.”.
وبعد سيطرة الجيش السوداني على الكثير من النقاط التابعة “للدعم السريع” في العاصمة الخرطوم ومحيطها نهاية عام 2024، تم اكتشاف العديد من مخازن الأسلحة التابعة “للدعم السريع” والتي تحوي على أسلحة أجنبية ومسيّرات مقدمة من أوكرانيا، أتت من الإمارات العربية المتحدة بعد المعارك في محور “ود الحداد”.
وبحسب بعض الخبراء والمراقبين فقد لعب التدخل الأجنبي والمرتزقة دوراً حاسماً في استمرار الصراع في السودان.
الكاتب: الدكتور محمد صادق
الكاتب واالباحث في شؤون الشرق الأوسط

شاهد أيضاً

مُورِّدو الأسلحة إلى السودان وسط الصراع المستمر

بدأت الحرب الأهلية في السودان في أبريل 2023 بين القوات المسلحة السودانية (SAF) بقيادة عبد …