آفاق المساومة الممكنة (2)
عادل الباز
10 March, 2009
10 March, 2009
9/3/2009
قبل أن يجف حبر الحلقة الأولى من هذا المقال، بدأت خطى المساومة تتسارع. بالأمس أثار الخبر الصحافية النابهة مزدلفة محمد عثمان ردود أفعال متباينة. الخبر الذي نُشر في بهذه الصحيفة بعنوان رئيسي أمس (الحكومة ترفض مقايضة الجنائية بالمنظمات)، لم يصدقة كثيرون بل سارع أحد المسئولين بالتشكيك فى مصادره ومصداقية الصحيفة. ولكن بعد أقل من ساعتين كان الرئيس البشير وسط الآلاف من مواطني دارفور بالفاشر يؤكد خبر (الأحداث) بأن عرضا تلقته الحكومة من جهات لم يسمّها تطالب فيه تأجيل الجنائية مقابل إرجاع المنظمات. هكذا بدأت المساومة باكرا، ولكنها مجرد بدايات، وستُشرع الأبواب منذ الآن وصاعدا للمساومات الكبرى.
ماهي الأجندة المطروحة على طاولات المساومة؟ بعد ثمانٍ وأربعين ساعة من إعلان قرار التوقيف سرّبت صحيفة الواشنطون بوست وفي افتتاحيتها أجندة المساومة (الوشنطون بوست صحيفة مقربة من الدوائر العليا فى إدارة أوباما وهي من أهم الصحف الأمريكية التي أعلنت دعمها باكرا لأوباما في الانتخابات)، قالت الصحيفة: (إن أفضل استغلال لمذكرة التوقيف هو المقايضة بها مع الرئيس البشير، وحلفائه العرب والصينيين الذين سيسعون إلى تدخل مجلس الأمن لوقف إجراءات المحاكمة وفق نص ميثاق إنشائها. وهنا يمكن لإدارة الرئيس أوباما المطالبة بثمن هذا التأجيل وهو استثناء الرئيس البشير من الانتخابات الرئاسية التي ستُعقد العام الحالي، وإتمام التسوية السلمية مع متمردي دارفور، وتطبيق اتفاق السلام مع الجنوب كاملاً، وهو ما قد يراه الرئيس البشير وحزبه في صالحهم، لاسيما مع إنخفاض العائد من النفط. أما إذا اختاروا الرد على مذكرة التوقيف بموجة أخرى من العنف، فسيكون على الحكومات الغربية البحث عن وسائل أخرى للرد). إذن هذه هي المطالب المطروحة على الخرطوم، وإذا لم تقبل فإن وسائل أخرى يلوّح بها. الملاحظة الأولى على هذه الأجندة أنها تمثل حزمة واحدة تشمل قضايا عديدة ومتفرقة لايمكن جمعها أو حلها ضمن حزمة حل واحد. الملاحظة الثانية أن هذه الأجندة كشفت الأبعاد السياسية، وثبتت مقولات الحكومة إن الموضوع لاعلاقة له بالقانون ولا يحزنون، بل إن بندين فيها لاعلاقة لها بدارفور. الملاحظة الثالثة إن المطروح في هذه الأجندة هو تأجيل القرار وليس إلغاؤه، فعلى الحكومة أن توافق على الالتزام بإنفاذ كل هذه الحزم من الحلول فقط لتأجيل القرار!!. ولكن من الطبيعي أن تبدأ المساومات الكبرى بهذه السقوفات العالية. المهم أن المساومات قد بدأت.
الأجندة المطروحة على طاولة المساومة تعتريها مشاكل وتعقيدات، وبعضها لايمكن للمؤتمر الوطني وحكومة الوحدة أن تقدم فيها تنازلات، بل إن المساومة فيها مستحيلة كما سأوضّح.
نبدأ بتنازل الرئيس عن الترشح للرئاسة. السؤال الأول هو لمصلحة من تطرح هذه النقطة للمساومة، بمعنى آخر من هو المرشح الذي تفضله واشنطون؟. المرشحون الذين لديهم فرص حقيقية لابد أن يكونوا من الأحزاب التقليدية. لا أظن أن واشنطون يمكن أن تفكر بأنهم بدائل للحكومة الحالية، دون الخوض في تفاصيل آراء الأمريكان في القيادات والأحزاب التقليدية. الاحتمال الوحيد هو أن واشطنون تعتقد أن فرص قائد كسلفاكير ليصبح رئيسا للسودان تتوافر فقط، إذا غاب البشير عن المشهد السياسي، ولم يترشح للرئاسة، حينها فقط تتسع فرص سلفاكير. هنا تعقيد آخر وهو هل واشنطون راضية عن سلفاكير كقائد للجنوب، وسعيدة بمنجزاته؟ ذلك أمر فيه نظر.
الرئيس البشير سبق أن أعلن المؤتمر الوطني، أنه مرشحه الوحيد لانتخابات الرئاسة. ولو كان للمؤتمر الوطني أن يتراجع عن هذا الترشيح فليس الآن. الآن البشير لم يعد رئيسا للمؤتمر الوطني فقط، بل رمزا لغالبية السودانيين، ولو تراجع المؤتمر الوطني عن ترشيحه، وترشح بنفسه سيفوز. المؤتمر الوطني بعد هذا الدعم الذي وجده البشير سيزداد تمسكا به كمرشح وحيد. بل إن فرص المؤتمر الوطني إذا ما ترشح أي مرشح آخر تصبح ضئيلة في كسب الانتخابات الرئاسية. أظن أن أمريكا تعلم ذلك. وسنرى غدا الأسباب التي دعت أمريكا تجعل هذا هو البند الأول في المساومة.
نواصل