أبجديات أهداف التنمية المستدامة وموقع السودان منها الهدف السابع: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة (7 من 17)
د. حسن حميدة
23 November, 2023
23 November, 2023
يرمي الهدف السابع من أهداف التنمية المستدامة إلى حصول جميع الناس في العالم وحتى العام 2030 على طاقة حديثة وموثوقة وبأسعار معقولة. ويجب أن يكون في المقدمة استخدام الطاقة البديلة من شتى مصادرها كطاقة نظيفة بدلا عن الطاقة الأحفورية التي تزيد من الانبعاثات الكربونية الضارة بالطبيعة وببيئة الكائنات الحية التي تعيش فيها. وبما أن استخدام الطاقة البديلة عالميا ما زال في مراحله الأولى، إلا أن الاهتمام بتطويرها ينطوي تحت فكرة مضاعفة استخدامها عالميا للحد من ارتفاع متوسط درجات حرارة الكرة الأرضية الناتج بسبب ازدياد متوسط انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي تكمن في الغلاف الخارجي للأرض. ويحث هذا الهدف بوجه الخصوص الدول الصناعية الكبرى والرائدة في الإنتاج والاستهلاك على العمل من أجل استخدام الطاقة البديلة. وهذا من أجل تعزيز التعاون مع دول العالم النامية والدول الفقيرة من للوصول إلى أهداف التنمية المستدامة في السنوات السبعة القادمة، ومنها الهدف السابع "طاقة نظيفة وبأسعار معقولة".
هذه الخطوة تبني في الأساس على اعتبار الدول النامية والفقيرة منها، دول شريكة في الوصول لهذا الهدف. الشيء الذي يعني ضرورة تسهيل سبل الوصول إلى التكنولوجيا وتطويرها بالبحث في مجال الطاقة النظيفة من أجل الاستدامة العالمية، للوصول لهذا الهدف في وقته وعلى الرغم من وجود تحديات كبيرة وعقبات جمة. والشيء الذي يعني ضرورة الدعم الخبري والمادي لبناء وتحديث وتوسيع البنية التحتية للبلدان النامية والفقيرة، وتشجيع استخدام الطاقة البديلة والاستثمار فيها وفي جميع دول العالم. وحسب إحصائيات العام 2022 في هذا الخصوص، هناك ما لا يقل عن 2.5 مليار شخص في العالم يتأثرون صحيا بسبب الانبعاثات الكربونية من صنع الإنسان، والمتمثلة في انبعاثات غاز ثان أكسيد الكربون الضار.
من هنا تأتي الدول الصناعية في المقدمة، باستخدامها للطاقة الأحفورية في التصنيع والحركة والمواصلات، والتي ترسل انبعاثات تقدر بحوالي 8 أطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد، في حين نجد أن نصيب الفرد في الدول النامية والفقيرة من هذه الانبعاثات لا يتعدىنسبة 0,7 من أطنان غاز ثان أكسيد الكربون. وفيما يخص استخدامات الطاقة البديلة حاليا وعلى نطاق العالم، فهو لا يفوق نسبة 20 % من متوسط استخدام الطاقة. وإن وجد هذا الاستخدام للطاقة كطاقة نظيفة، فهو محصور نوعا في بلدان ذات تقنيات عالية وتكنولوجيا حديثة في هذا المجال. وهذا لا يعني عدم أهمية الطاقة البديلة، بل يعني أنها طاقة مستحدثة وما زالت في أطوار نموها الأولية، والتي سوف تكون بالتأكيد طاقة المستقبل، وهذا لأسباب طبيعية وبيئية واجتماعية وأقتصادية عديدة.
إذا أخذنا السودان في هذا المحور، يقدر مخزون السودان من النفط بحوالي 17 بليون برميل. وينتج السودان بشقيه الشمالي والجنوبي حوالي 70 % في الجنوب و30 % في الشمال من النفط. ولم يسعد السودان بشقيه الشمالي والجنوبي بالاستفادة المرتجاة من النفط كثروة جيولوجية يمكن الاستفادة منها اقتصاديا. ويتمتع السودان بجانب وجود عدد من حقول البترول الغنية بالنفط، أيضا بمصاف مواكبة في كل من الخرطوم وبورتسودان والأبيض وأبي جبارة . بيد أن الجنوب يعتبر كمنتج أساسي للبترول، إلا أن الشمال يتمتع بامتلاكه لخطوط الأنابيب الناقلة للبترول من مناطق إنتاجه إلى المواني المصدرة له. لقد عانى قطاع الطاقة وتصدير النفط في السودان في السنوات الأخيرة كثيرا، الشيء الذي انعكس سلبيا على حياة المواطن وبصور مختلفة. وهذا نتج لعدم الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين شمالا وجنوبا فيما يخص إنتاج البترول وتصديره والاستفادة منه محليا للإكتفاء الذاتي. ووضعت لسوء الاتفاق هذا لبناته الأولى بعد انفصال جنوب السودان كدولة قائمة بشأنها، متخلية عن إرادة الشمال، وعزمة عى تصدير نفطها عن طريق قنوات جنوبية بعيدة، تاركة للشمال بأنابيب نفط ناشفة وصدئة.
إذا رجعنا للوراء، خصوصا إلى ما قبل أربعين عاما أو أكثر، نجد كثيرا من المحاولات البائسة والفاشلة لشركات النفط العالمية والرائدة في صناعة البترول. والتي كانت تموه للسودان دائما بنيتها الصادقة في مساعدته لإستخراج النفط من أراضيه والاستفادة منه، إلا أنها كانت شيمتها المراوغة ومحاولة ابتزاز السودان فيما يخص إمكانية استخراجه للنفط من باطن أراضيه وتسويقه. بل كان هناك تكتل من بعض الدول المجاورة التي تنتج البترول وتسوقه عالميا. والتي كانت تتخوف وحسب تحليلها من تدفق البترول الخام من أراضيها إلى أراضي السودان المنخفضة جيولوجيا. وكان من كرم بعض هذا الدول، بناء مطارات في مناطق وجود آبار مزعومة للبترول، تفضي إلى التخلي الدائم من التنقيب عن البترول في المناطق الساحلية المتاخمة لأراضيها. وتلقى البعض الآخر من شركات البترول المال الطائل في شكل رشاوي لكبار الموظفين والسامسرة، الذين تخلوا أخيرا عن بذل أبسط مجهود لاستخراج أو تسويق النفط، في دولة اعتبرت غنية بالنفط، ولكنها اعتبرت فقيرة، وليس بإمكانها الإيفاء بتكلفة استخراج وصناعة البترول لهذه الشركات.
ثم أتت الصين الكبيرة والتي وجدت ضالتها في ثروة السودان النفطية العظيمة، وعملت كما كانت تعمل دائما في دول أفريقية أخرى على استخراج البترول كثروة لتتقاسمه مع السودان الذي كان يقبع لياليه في الظلام، وتنعدم فيه حركة المواصلات، وتتوقف فيه كثير من المصانع والشركات. ووقتها لم يرفض السودان العرض الغير متوقع. ووقتها ازدادت حيرة شركات الدول الغربية الرائدة في استخراح، تصنيع، وتسويق البترول عالميا، ووصفت صفقة السودان مع الصين بالصفقة الاقتصادية الميتة، التي يستفيد منها جانب واحد، وهو الصين وليس السودان. ولكن كل هذا لا يفيد هذه الدول في شيء بعد أن غادر القطار المحطة. هذا في حين وجود دولة غنية يمكن لها أن تساعد السودان في محنته، ولكنها ظلت تنظر إليه محتارا، ليشتري البترول من دول أخرى مجاورة، وهو قطر غني به كثروة. والشيء الذي يمكن أن يضع في الحسبان هنا هو استفادة دولتين من ثروة كامنة في باطن الأرض، دون الخوجة لانتظار طرف ثالث ليس بمقدوره غير التنظير في حقل عملي كإسخراج البترول وصناعته وتسويقه.
زيادة على ذلك أتت فترة اشتدت فيها حوجة سكان السودان للطاقة بمختلف أنواعها. وتفاقمت هذه الحوجة بسبب تعليق عقوبات اقتصادية طويلة، طالت حتى الحقل النفطي وتصدير منتوجه لدول ذات شراكات اقتصادية مع السودان. ومثل هذه العقوبات هي من المسببات الرئيسية لتدهور اقتصاد الدول النامية، وهنا السودان كمثال حي. والتي تنعكس سلبيا على قطاعات مختلفة كالإنتاج والتصنيع والتصدير والاستيراد والحركة والمواصلات والتعليم والصحة وغيرها من جوانب حياتية ومجتمعية مهمة. وبما أن للسودان عددا من الخزانات والسدود القديمة، على سبيل المثال خزانات سنار والروصيرص وجبل أولياء، إلا أنها شرعت في بناء سد آخر أكبر، وهو سد مروي. والذي كان يؤمل عن طريقه توليد الكهرباء للمدن والقرى، خصوصا التي تأخذ موقعها الجغرافي شمالا.
الشيء الذي يحكم الطاقة في المستقبل كثروة يستفاد منها، هو مصدرها ومعناه فيما يخص النظافة والاستدامة العالمية، مرتبطا بالطبيعة والبيئة وتغيرات المناخ والآثار المترتبة عليها على سطح كوكب الأرض. والشيء الذي يجعل من مصادر الطاقة الأحفورية كنز أرضي يدق في نعشه آخر المسامير، وشيء صار يفقد فائدته بسبب تأثيره على الاحتباس الحراري، وناتج لعدة عوامل مؤثرة على الطبيعة والبيئة. ولذا أتى التحول المبكر في هذا الخصوص، بسبب الأضرار التي نتجت حتى الآن عن استخدامات الطاقة الأحفورية، وتأثيرها على زيادة الانبعاثات الكربونية على سطح الأرض، متمثلة في التصنيع وحركة المواصلات وغيره من نشاطات وأعمال. وبما أن لكثير من الدول الفقيرة نصيبا لا يذكر في الانبعاثات الكربونية المؤدية للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، إلا أن للدول المنتجة للطاقة الأحفورية والدول الصناعية الكبرى المستخدمة لهذه الطاقة نصيب الأسد في كل النتائج التي تؤدي لازدياد الاحتباس الحراري العالمي وارتفاع متوسط درجات حرارة الأرض والبحار والمحيطات عام بعد عام. والشيء الذي ربما أدى إلى كوارث طبيعية مستقبلية لم يعرفها الإنسان من قبل فيما يخص التنوع الأحيائي للنباتات والحيوانات.
ومن هذه النقطة، ربما دفعت الدول المنتجة والمستخدمة للطاقة الأحفورية الثمن غاليا في المستقبل، وربما وقعت في فخ دفع تعويضات طائلة للدول الفقيرة المتضررة، والتي ليس لها ضلع في كل ما نتج من انبعاثات كربونية، تعمل بازدياد إنتاجها واستخدامها، على تدمير الحياة النوعية في البحر وفي البر على حد سواء. وهذا التدمير ينعكس سلبا على القطاعات الحيوية التي يتطلبها الإنسان للحياة، كقطاعات الزراعة والرعي وصيد الأسماك، بل أيضا على الحياة في الغابات والحقول، وحياة الكائنات الحية الأخرى من حشرات وطيور وغيرها. والتي تتأثر كلها بسبب زيادة الانبعاثات الكربونية المتمثلة في المقام الأول في زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون في غلاف الجو الخارجي، واصتدامه بأشعة مختلفة، خصوصا ذات الموجات القصيرة (الأشعة فوق البنفسجية كمثال)، والتي توضح معنى الاحتباس الحراري العالمي وطريقة حدوثه على سطح الكرة الأرضية. ومن أوجه تقنيات الطاقة البديلة التي ينصح باستخدامها مستقبلا للحد من الاحتباس الحراري العالمي: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه الجوفية وطاقة التوربينات التياريه وطاقة المساقط المائية. كما أن هناك مصادر أخرى للطاقة تتمثل في توليد الطاقة الأحيائية من المخلفات الزراعية والحيوانية كطاقة البيوجاز.
إذا نظرنا لموقع السودان جغرافيا كقطر شاسع المساحة، نجد أنه يتمتع بموارد مائية لا يستهان بها. وهذه تتمثل في نهر النيل بمختلف روافده دائمة الجريان. والتي تزداد نسبة المياه فيها أثناء الفصل المطير، خصوصا في منابع نهر النيل في بحيرتي تانا وفيكتوريا. الشيء الذي يجعل الثروة المائية في أرض السودان مصدر مقدر لاكتساب الطاقة الكهرومائية، خصوصا طاقة المساقط المائية المتمثلة في الخزانات والسدود. وربما كان بناء سد النهضة الأثيوبية المبني على الحدود السودانية الأثيوبية نقطة التقاء في اكتساب الطاقة المستدامة للبلدين. الشيء الذي يتطلب وجود توافق في خطط المستقبل، واتفاق يرضي البلدين لتطويرهما والنهوض بهما تجاه الاكتفاء الذاتي من الطاقة اللازمة لعيش شعوب البلدين في سلام.
من الأساسيات التي تبنى عليها الطاقة البديلة للطاقة الأحفورية، لكي تصبح طاقة يمكن الاستفادة منها اجتماعيا وبيئيا واقتصاديا النقاط الأربعة الآتية: أول- التوزيع العادل للطاقة، وهذا بأن يتلقى الريف نصيبه من الطاقة اللازمة للإضاءة والحركة والمواصلات وغيره من متطلبات وحتى في أبعد المناطق، خصوصا مناطق إنتاج مؤسسات الأفراد والأسر الصغيرة. ثانيا- تأمين الطاقة المستوردة، وهذا حتى لا تتأثر قطاعات مهمة بسبب انعدامها لأسباب سياسية أو بسبب تعليق عقوبات تأثر على قطاعات الإنتاج والتصنيع. ويمكن هذا بإبرام عقود ملزمة للدول المصدرة للطاقة، التي تكون ملزمة بتوفير البديل في حالة فشلها لتزويد الدولة الشريكة بالطاقة المتفق عليها. ثالثا- الطاقة البديلة هي الأرخص ثمنا من الطاقة الأحفورية، والتي تعتبر طاقة باهظة الثمن (ماديا وبيئيا) ومنذ مراحل إنتاجها الأولية. الشيء الذي يعني أنه لا بد من تشجيع المواطن أينما كان على استخدام الطاقة البديلة وبمختلف أنواعها، وحسب المصدر الملائم والمتاح للإنسان الذي يقطن هناك. وبتوفر الطاقة من مصادر بديلة وبأسعار معقولة، يمكن أن يزداد الإنتاج عالميا، ولسد حوجه الإنسان من ضروريات الحياة محليا. رابعا- الاستدامة في استخدام الطاقة النظيفة، خصوصا في عصر تغير المناخ، ومضاعفة أثره بسبب ازدياد استخدام الطاقة الأحفورية، وبه ازدياد الانبعاثات الكربونية الضارة بسبب الإنسان والمؤدية للاحتباس الحراري العالمي.
ومن هنا لا بد من التوجه لاستخدام الطاقة النظيفة، خصوصا في البلدان النامية كالسودان، والتي يعيش ثلاث أرباع سكانها في المتوسط على القطاعين الزراعي والرعوي، لتوفير منتجات ذات قيمة أحيائية وغذائية عالية. هذا الشيء يعتبر شيء مهم، خصوصا فيما يخص موضوع الأمن الغذائي لإنسان هذه الدول، والأمن الغذائي لإنسان الدول المجاورة لها.
(نواصل في الهدف الثامن: العمل اللائق ونمو الاقتصاد...)
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de
المصدر: ترجمة معدلة من أوراق ومحاضرات للكاتب.
///////////////////////
هذه الخطوة تبني في الأساس على اعتبار الدول النامية والفقيرة منها، دول شريكة في الوصول لهذا الهدف. الشيء الذي يعني ضرورة تسهيل سبل الوصول إلى التكنولوجيا وتطويرها بالبحث في مجال الطاقة النظيفة من أجل الاستدامة العالمية، للوصول لهذا الهدف في وقته وعلى الرغم من وجود تحديات كبيرة وعقبات جمة. والشيء الذي يعني ضرورة الدعم الخبري والمادي لبناء وتحديث وتوسيع البنية التحتية للبلدان النامية والفقيرة، وتشجيع استخدام الطاقة البديلة والاستثمار فيها وفي جميع دول العالم. وحسب إحصائيات العام 2022 في هذا الخصوص، هناك ما لا يقل عن 2.5 مليار شخص في العالم يتأثرون صحيا بسبب الانبعاثات الكربونية من صنع الإنسان، والمتمثلة في انبعاثات غاز ثان أكسيد الكربون الضار.
من هنا تأتي الدول الصناعية في المقدمة، باستخدامها للطاقة الأحفورية في التصنيع والحركة والمواصلات، والتي ترسل انبعاثات تقدر بحوالي 8 أطنان من غاز ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد، في حين نجد أن نصيب الفرد في الدول النامية والفقيرة من هذه الانبعاثات لا يتعدىنسبة 0,7 من أطنان غاز ثان أكسيد الكربون. وفيما يخص استخدامات الطاقة البديلة حاليا وعلى نطاق العالم، فهو لا يفوق نسبة 20 % من متوسط استخدام الطاقة. وإن وجد هذا الاستخدام للطاقة كطاقة نظيفة، فهو محصور نوعا في بلدان ذات تقنيات عالية وتكنولوجيا حديثة في هذا المجال. وهذا لا يعني عدم أهمية الطاقة البديلة، بل يعني أنها طاقة مستحدثة وما زالت في أطوار نموها الأولية، والتي سوف تكون بالتأكيد طاقة المستقبل، وهذا لأسباب طبيعية وبيئية واجتماعية وأقتصادية عديدة.
إذا أخذنا السودان في هذا المحور، يقدر مخزون السودان من النفط بحوالي 17 بليون برميل. وينتج السودان بشقيه الشمالي والجنوبي حوالي 70 % في الجنوب و30 % في الشمال من النفط. ولم يسعد السودان بشقيه الشمالي والجنوبي بالاستفادة المرتجاة من النفط كثروة جيولوجية يمكن الاستفادة منها اقتصاديا. ويتمتع السودان بجانب وجود عدد من حقول البترول الغنية بالنفط، أيضا بمصاف مواكبة في كل من الخرطوم وبورتسودان والأبيض وأبي جبارة . بيد أن الجنوب يعتبر كمنتج أساسي للبترول، إلا أن الشمال يتمتع بامتلاكه لخطوط الأنابيب الناقلة للبترول من مناطق إنتاجه إلى المواني المصدرة له. لقد عانى قطاع الطاقة وتصدير النفط في السودان في السنوات الأخيرة كثيرا، الشيء الذي انعكس سلبيا على حياة المواطن وبصور مختلفة. وهذا نتج لعدم الوصول إلى اتفاق يرضي الطرفين شمالا وجنوبا فيما يخص إنتاج البترول وتصديره والاستفادة منه محليا للإكتفاء الذاتي. ووضعت لسوء الاتفاق هذا لبناته الأولى بعد انفصال جنوب السودان كدولة قائمة بشأنها، متخلية عن إرادة الشمال، وعزمة عى تصدير نفطها عن طريق قنوات جنوبية بعيدة، تاركة للشمال بأنابيب نفط ناشفة وصدئة.
إذا رجعنا للوراء، خصوصا إلى ما قبل أربعين عاما أو أكثر، نجد كثيرا من المحاولات البائسة والفاشلة لشركات النفط العالمية والرائدة في صناعة البترول. والتي كانت تموه للسودان دائما بنيتها الصادقة في مساعدته لإستخراج النفط من أراضيه والاستفادة منه، إلا أنها كانت شيمتها المراوغة ومحاولة ابتزاز السودان فيما يخص إمكانية استخراجه للنفط من باطن أراضيه وتسويقه. بل كان هناك تكتل من بعض الدول المجاورة التي تنتج البترول وتسوقه عالميا. والتي كانت تتخوف وحسب تحليلها من تدفق البترول الخام من أراضيها إلى أراضي السودان المنخفضة جيولوجيا. وكان من كرم بعض هذا الدول، بناء مطارات في مناطق وجود آبار مزعومة للبترول، تفضي إلى التخلي الدائم من التنقيب عن البترول في المناطق الساحلية المتاخمة لأراضيها. وتلقى البعض الآخر من شركات البترول المال الطائل في شكل رشاوي لكبار الموظفين والسامسرة، الذين تخلوا أخيرا عن بذل أبسط مجهود لاستخراج أو تسويق النفط، في دولة اعتبرت غنية بالنفط، ولكنها اعتبرت فقيرة، وليس بإمكانها الإيفاء بتكلفة استخراج وصناعة البترول لهذه الشركات.
ثم أتت الصين الكبيرة والتي وجدت ضالتها في ثروة السودان النفطية العظيمة، وعملت كما كانت تعمل دائما في دول أفريقية أخرى على استخراج البترول كثروة لتتقاسمه مع السودان الذي كان يقبع لياليه في الظلام، وتنعدم فيه حركة المواصلات، وتتوقف فيه كثير من المصانع والشركات. ووقتها لم يرفض السودان العرض الغير متوقع. ووقتها ازدادت حيرة شركات الدول الغربية الرائدة في استخراح، تصنيع، وتسويق البترول عالميا، ووصفت صفقة السودان مع الصين بالصفقة الاقتصادية الميتة، التي يستفيد منها جانب واحد، وهو الصين وليس السودان. ولكن كل هذا لا يفيد هذه الدول في شيء بعد أن غادر القطار المحطة. هذا في حين وجود دولة غنية يمكن لها أن تساعد السودان في محنته، ولكنها ظلت تنظر إليه محتارا، ليشتري البترول من دول أخرى مجاورة، وهو قطر غني به كثروة. والشيء الذي يمكن أن يضع في الحسبان هنا هو استفادة دولتين من ثروة كامنة في باطن الأرض، دون الخوجة لانتظار طرف ثالث ليس بمقدوره غير التنظير في حقل عملي كإسخراج البترول وصناعته وتسويقه.
زيادة على ذلك أتت فترة اشتدت فيها حوجة سكان السودان للطاقة بمختلف أنواعها. وتفاقمت هذه الحوجة بسبب تعليق عقوبات اقتصادية طويلة، طالت حتى الحقل النفطي وتصدير منتوجه لدول ذات شراكات اقتصادية مع السودان. ومثل هذه العقوبات هي من المسببات الرئيسية لتدهور اقتصاد الدول النامية، وهنا السودان كمثال حي. والتي تنعكس سلبيا على قطاعات مختلفة كالإنتاج والتصنيع والتصدير والاستيراد والحركة والمواصلات والتعليم والصحة وغيرها من جوانب حياتية ومجتمعية مهمة. وبما أن للسودان عددا من الخزانات والسدود القديمة، على سبيل المثال خزانات سنار والروصيرص وجبل أولياء، إلا أنها شرعت في بناء سد آخر أكبر، وهو سد مروي. والذي كان يؤمل عن طريقه توليد الكهرباء للمدن والقرى، خصوصا التي تأخذ موقعها الجغرافي شمالا.
الشيء الذي يحكم الطاقة في المستقبل كثروة يستفاد منها، هو مصدرها ومعناه فيما يخص النظافة والاستدامة العالمية، مرتبطا بالطبيعة والبيئة وتغيرات المناخ والآثار المترتبة عليها على سطح كوكب الأرض. والشيء الذي يجعل من مصادر الطاقة الأحفورية كنز أرضي يدق في نعشه آخر المسامير، وشيء صار يفقد فائدته بسبب تأثيره على الاحتباس الحراري، وناتج لعدة عوامل مؤثرة على الطبيعة والبيئة. ولذا أتى التحول المبكر في هذا الخصوص، بسبب الأضرار التي نتجت حتى الآن عن استخدامات الطاقة الأحفورية، وتأثيرها على زيادة الانبعاثات الكربونية على سطح الأرض، متمثلة في التصنيع وحركة المواصلات وغيره من نشاطات وأعمال. وبما أن لكثير من الدول الفقيرة نصيبا لا يذكر في الانبعاثات الكربونية المؤدية للاحتباس الحراري في الغلاف الجوي، إلا أن للدول المنتجة للطاقة الأحفورية والدول الصناعية الكبرى المستخدمة لهذه الطاقة نصيب الأسد في كل النتائج التي تؤدي لازدياد الاحتباس الحراري العالمي وارتفاع متوسط درجات حرارة الأرض والبحار والمحيطات عام بعد عام. والشيء الذي ربما أدى إلى كوارث طبيعية مستقبلية لم يعرفها الإنسان من قبل فيما يخص التنوع الأحيائي للنباتات والحيوانات.
ومن هذه النقطة، ربما دفعت الدول المنتجة والمستخدمة للطاقة الأحفورية الثمن غاليا في المستقبل، وربما وقعت في فخ دفع تعويضات طائلة للدول الفقيرة المتضررة، والتي ليس لها ضلع في كل ما نتج من انبعاثات كربونية، تعمل بازدياد إنتاجها واستخدامها، على تدمير الحياة النوعية في البحر وفي البر على حد سواء. وهذا التدمير ينعكس سلبا على القطاعات الحيوية التي يتطلبها الإنسان للحياة، كقطاعات الزراعة والرعي وصيد الأسماك، بل أيضا على الحياة في الغابات والحقول، وحياة الكائنات الحية الأخرى من حشرات وطيور وغيرها. والتي تتأثر كلها بسبب زيادة الانبعاثات الكربونية المتمثلة في المقام الأول في زيادة غاز ثاني أكسيد الكربون في غلاف الجو الخارجي، واصتدامه بأشعة مختلفة، خصوصا ذات الموجات القصيرة (الأشعة فوق البنفسجية كمثال)، والتي توضح معنى الاحتباس الحراري العالمي وطريقة حدوثه على سطح الكرة الأرضية. ومن أوجه تقنيات الطاقة البديلة التي ينصح باستخدامها مستقبلا للحد من الاحتباس الحراري العالمي: الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وطاقة المياه الجوفية وطاقة التوربينات التياريه وطاقة المساقط المائية. كما أن هناك مصادر أخرى للطاقة تتمثل في توليد الطاقة الأحيائية من المخلفات الزراعية والحيوانية كطاقة البيوجاز.
إذا نظرنا لموقع السودان جغرافيا كقطر شاسع المساحة، نجد أنه يتمتع بموارد مائية لا يستهان بها. وهذه تتمثل في نهر النيل بمختلف روافده دائمة الجريان. والتي تزداد نسبة المياه فيها أثناء الفصل المطير، خصوصا في منابع نهر النيل في بحيرتي تانا وفيكتوريا. الشيء الذي يجعل الثروة المائية في أرض السودان مصدر مقدر لاكتساب الطاقة الكهرومائية، خصوصا طاقة المساقط المائية المتمثلة في الخزانات والسدود. وربما كان بناء سد النهضة الأثيوبية المبني على الحدود السودانية الأثيوبية نقطة التقاء في اكتساب الطاقة المستدامة للبلدين. الشيء الذي يتطلب وجود توافق في خطط المستقبل، واتفاق يرضي البلدين لتطويرهما والنهوض بهما تجاه الاكتفاء الذاتي من الطاقة اللازمة لعيش شعوب البلدين في سلام.
من الأساسيات التي تبنى عليها الطاقة البديلة للطاقة الأحفورية، لكي تصبح طاقة يمكن الاستفادة منها اجتماعيا وبيئيا واقتصاديا النقاط الأربعة الآتية: أول- التوزيع العادل للطاقة، وهذا بأن يتلقى الريف نصيبه من الطاقة اللازمة للإضاءة والحركة والمواصلات وغيره من متطلبات وحتى في أبعد المناطق، خصوصا مناطق إنتاج مؤسسات الأفراد والأسر الصغيرة. ثانيا- تأمين الطاقة المستوردة، وهذا حتى لا تتأثر قطاعات مهمة بسبب انعدامها لأسباب سياسية أو بسبب تعليق عقوبات تأثر على قطاعات الإنتاج والتصنيع. ويمكن هذا بإبرام عقود ملزمة للدول المصدرة للطاقة، التي تكون ملزمة بتوفير البديل في حالة فشلها لتزويد الدولة الشريكة بالطاقة المتفق عليها. ثالثا- الطاقة البديلة هي الأرخص ثمنا من الطاقة الأحفورية، والتي تعتبر طاقة باهظة الثمن (ماديا وبيئيا) ومنذ مراحل إنتاجها الأولية. الشيء الذي يعني أنه لا بد من تشجيع المواطن أينما كان على استخدام الطاقة البديلة وبمختلف أنواعها، وحسب المصدر الملائم والمتاح للإنسان الذي يقطن هناك. وبتوفر الطاقة من مصادر بديلة وبأسعار معقولة، يمكن أن يزداد الإنتاج عالميا، ولسد حوجه الإنسان من ضروريات الحياة محليا. رابعا- الاستدامة في استخدام الطاقة النظيفة، خصوصا في عصر تغير المناخ، ومضاعفة أثره بسبب ازدياد استخدام الطاقة الأحفورية، وبه ازدياد الانبعاثات الكربونية الضارة بسبب الإنسان والمؤدية للاحتباس الحراري العالمي.
ومن هنا لا بد من التوجه لاستخدام الطاقة النظيفة، خصوصا في البلدان النامية كالسودان، والتي يعيش ثلاث أرباع سكانها في المتوسط على القطاعين الزراعي والرعوي، لتوفير منتجات ذات قيمة أحيائية وغذائية عالية. هذا الشيء يعتبر شيء مهم، خصوصا فيما يخص موضوع الأمن الغذائي لإنسان هذه الدول، والأمن الغذائي لإنسان الدول المجاورة لها.
(نواصل في الهدف الثامن: العمل اللائق ونمو الاقتصاد...)
E-Mail: hassan_humeida@yahoo.de
المصدر: ترجمة معدلة من أوراق ومحاضرات للكاتب.
///////////////////////