أجهزة القضاء ومؤسسات العدالة وفقاً للاتفاق الاطاري
مصعب عوض الكريم علي ادريس
15 April, 2023
15 April, 2023
musabawed@hotmail.com
الاتفاق الاطاري الذي تجري المشاورات حوله للتوقيع النهائي يستند في الأساس على مسودة الدستور الانتقالي الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، من حيث المبدأ لا خلاف حول الجهة التي اقترحت مشروع ومسودة الدستور الانتقالي لأن الأمر لا يعدو كونه مشروع دستور، لكن جاءت المسودة ومشروع الدستور بأحكام ونصوص تخالف ما استقر دولياً وعالمياً من مبادئ وأسس قانونية مما يهدر ويهدد مستقبل صناعة وترسيخ مبدأ دولة القانون والمؤسسات في السودان. حكومة الانقاذ عندما تم اسقاطها كان ينادي الذين يعارضونها بانها كانت تمثل دولة الحزب الواحد، وأن تشريعاتها وقوانينها جاءت على اساس التمكين الحزبي وتطبيق رؤيتها الضيقة لكي تسود مبادئها وما تعتنقه من ايدلوجيا، وأن اخيتار القضاة واعضاء النيابة العامة والاجهزة العدلية الأخرى جاء على هذا الأساس.
والثورة تعتبر ثورة مفاهيم في المقام الأول، وحتى يتم تغيير الوضع السابق الى حالٍ أفضل يجب التركيز ابتداءً على أن يتم بناء مؤسسات الدولة على اساس قانوني ودستوري لا يسود فيه معيار غير معيار القانون والمهنية والاستقلالية والحياد، فلا يجوز أن نستبدل (تمكين) بـ (تمكين) في اجهزة ومؤسسات الدولة، لأن مؤسسات العدالة وأجهزتها تمثل الاساس في عملية بناء الدولة القانونية وتحقيق مبادئ واسس العدالة الجنائية والانتقالية. لذلك بمجرد أن يتم تسييس هذه المؤسسات والأجهزة، يكون بناء مؤسسات الدولة تم على أساس المفاهيم القديمة الذي أجمع الناس على عدم صلاحيته في دولة متعددة.
الوثيقة الدستورية لسنة 2019م السارية حالياً نصَّت على اصدار قانون مجلس القضاء العالي يتم بموجبه انشاء (مجلس القضاء العالي)، بموجبه يتم ترشيح تعيين رئيس القضاء واعضاء المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية. ونصَّت على اصدار قانون المجلس الاعلى للنيابة يتم بموجبه انشاء (مجلس أعلى للنيابة) بموجبه يتم ترشيح تعيين النائب العام. علماً بأن مجلس القضاء العالي ومجلس النيابة العامة يتم تشكيلهم من شخصيات قانونية مهنية مستقلة من الاشخاص الذين تدرجوا في سلك العمل القضائي والنيابي مشهود لهم بالكفاءة والمهنية. وهذه المعايير تتوافق مع المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة من الامم المتحدة في العام 1985م في مؤتمر ميلانو، والمبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة المعتمدة من الامم المتحدة في العام 1990م في مؤتمر هافانا.
نصت المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة من الامم المتحدة في العام 1985م في المادة (1) على أن: (تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية). ونصت المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة المعتمدة من الامم المتحدة في العام 1990م في المادة (2) الفقرة (أ) على أن: (تكفل الدولة تضمين معايير اختيار أعضاء النيابة العامة ضمانات تحول دون تعيينهم على أساس التحيز أو المحاباة، بحيث تستبعد أي تمييز ضد الأشخاص يستند إلى العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي وغيره من الآراء، أو المنشأ الوطني والاجتماعي أو الأصل العرقي أو الملكية أو المولد أو الحالة الاقتصادية أو أي وضع آخر).
مسودة الدستور الانتقالي الصادر من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين التي استند عليها الاتفاق الاطاري جاء فيه: أن يتم انشاء (مجلس عدلي مؤقت) مكون من عدد (11) عضو يعينه رئيس الوزراء بترشيح من الاطراف المدنية الموقعة على الاعلان السياسي، المجلس العدلي المؤقت هو الذي يتولى اختيار رئيس القضاء ونوابه، والنائب العام ومساعديه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية. وهذا يخالف مبدأ اساسي وهو (مبدأ الفصل بين السلطات) وضرورة عدم تدخل اي سلطة من سلطات الدولة الثلاث في اختصاصات السلطة الاخرى وعملها، ولا يجوز للسلطة التنفيذية التي يترأسها (رئيس مجلس الوزراء) أن تتدخل في اعمال واخصاصات السلطة القضائية، وأيضاً يخالف (مبدأ استقلال السلطات الثلاث) في الدولة، وضرورة أن تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية والنيابة العامة واستقلال المحكمة الدستورية عن مؤسسات الدولة الأخرى.
علماً بأن من شروط تعيين رئيس الوزراء الانتقالي أن يكون مؤمناً بالثورة والعملية السياسية ويحقق رغبات وتطلعات (القوى السياسية) الموقعة على الاعلان السياسي، لذلك فإن انشاء (مجلس عدلي مؤقت) بتعيين من رئيس الوزراء الانتقالي يؤدي الى تسييس أجهزة القضاء ومؤسسات العدالة في الفترة الانتقالية، وهذا لا يؤسس لدولة القانون والعدالة ولا يسهم في العدالة الانتقالية والجنائية. لأن معايير اختيار رئيس القضاء والنائب العام ورئيس المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية يتم على أساس الرأي السياسي والحزبي، ويعد خرقاً واضحاً لمبادئ استقلال اجهزة القضاء ومؤسسات العدالة والمبادئ الاساسية المتعلقة بحقوق الانسان المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966م الذي انضم اليه السودان في العام 1986م.
الاتفاق الاطاري الذي تجري المشاورات حوله للتوقيع النهائي يستند في الأساس على مسودة الدستور الانتقالي الذي أعدته اللجنة التسييرية لنقابة المحامين السودانيين، من حيث المبدأ لا خلاف حول الجهة التي اقترحت مشروع ومسودة الدستور الانتقالي لأن الأمر لا يعدو كونه مشروع دستور، لكن جاءت المسودة ومشروع الدستور بأحكام ونصوص تخالف ما استقر دولياً وعالمياً من مبادئ وأسس قانونية مما يهدر ويهدد مستقبل صناعة وترسيخ مبدأ دولة القانون والمؤسسات في السودان. حكومة الانقاذ عندما تم اسقاطها كان ينادي الذين يعارضونها بانها كانت تمثل دولة الحزب الواحد، وأن تشريعاتها وقوانينها جاءت على اساس التمكين الحزبي وتطبيق رؤيتها الضيقة لكي تسود مبادئها وما تعتنقه من ايدلوجيا، وأن اخيتار القضاة واعضاء النيابة العامة والاجهزة العدلية الأخرى جاء على هذا الأساس.
والثورة تعتبر ثورة مفاهيم في المقام الأول، وحتى يتم تغيير الوضع السابق الى حالٍ أفضل يجب التركيز ابتداءً على أن يتم بناء مؤسسات الدولة على اساس قانوني ودستوري لا يسود فيه معيار غير معيار القانون والمهنية والاستقلالية والحياد، فلا يجوز أن نستبدل (تمكين) بـ (تمكين) في اجهزة ومؤسسات الدولة، لأن مؤسسات العدالة وأجهزتها تمثل الاساس في عملية بناء الدولة القانونية وتحقيق مبادئ واسس العدالة الجنائية والانتقالية. لذلك بمجرد أن يتم تسييس هذه المؤسسات والأجهزة، يكون بناء مؤسسات الدولة تم على أساس المفاهيم القديمة الذي أجمع الناس على عدم صلاحيته في دولة متعددة.
الوثيقة الدستورية لسنة 2019م السارية حالياً نصَّت على اصدار قانون مجلس القضاء العالي يتم بموجبه انشاء (مجلس القضاء العالي)، بموجبه يتم ترشيح تعيين رئيس القضاء واعضاء المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية. ونصَّت على اصدار قانون المجلس الاعلى للنيابة يتم بموجبه انشاء (مجلس أعلى للنيابة) بموجبه يتم ترشيح تعيين النائب العام. علماً بأن مجلس القضاء العالي ومجلس النيابة العامة يتم تشكيلهم من شخصيات قانونية مهنية مستقلة من الاشخاص الذين تدرجوا في سلك العمل القضائي والنيابي مشهود لهم بالكفاءة والمهنية. وهذه المعايير تتوافق مع المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة من الامم المتحدة في العام 1985م في مؤتمر ميلانو، والمبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة المعتمدة من الامم المتحدة في العام 1990م في مؤتمر هافانا.
نصت المبادئ الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية المعتمدة من الامم المتحدة في العام 1985م في المادة (1) على أن: (تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية وينص عليه دستور البلد أو قوانينه. ومن واجب جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال السلطة القضائية). ونصت المبادئ التوجيهية بشأن دور أعضاء النيابة العامة المعتمدة من الامم المتحدة في العام 1990م في المادة (2) الفقرة (أ) على أن: (تكفل الدولة تضمين معايير اختيار أعضاء النيابة العامة ضمانات تحول دون تعيينهم على أساس التحيز أو المحاباة، بحيث تستبعد أي تمييز ضد الأشخاص يستند إلى العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي وغيره من الآراء، أو المنشأ الوطني والاجتماعي أو الأصل العرقي أو الملكية أو المولد أو الحالة الاقتصادية أو أي وضع آخر).
مسودة الدستور الانتقالي الصادر من اللجنة التسييرية لنقابة المحامين التي استند عليها الاتفاق الاطاري جاء فيه: أن يتم انشاء (مجلس عدلي مؤقت) مكون من عدد (11) عضو يعينه رئيس الوزراء بترشيح من الاطراف المدنية الموقعة على الاعلان السياسي، المجلس العدلي المؤقت هو الذي يتولى اختيار رئيس القضاء ونوابه، والنائب العام ومساعديه، ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية. وهذا يخالف مبدأ اساسي وهو (مبدأ الفصل بين السلطات) وضرورة عدم تدخل اي سلطة من سلطات الدولة الثلاث في اختصاصات السلطة الاخرى وعملها، ولا يجوز للسلطة التنفيذية التي يترأسها (رئيس مجلس الوزراء) أن تتدخل في اعمال واخصاصات السلطة القضائية، وأيضاً يخالف (مبدأ استقلال السلطات الثلاث) في الدولة، وضرورة أن تكفل الدولة استقلال السلطة القضائية والنيابة العامة واستقلال المحكمة الدستورية عن مؤسسات الدولة الأخرى.
علماً بأن من شروط تعيين رئيس الوزراء الانتقالي أن يكون مؤمناً بالثورة والعملية السياسية ويحقق رغبات وتطلعات (القوى السياسية) الموقعة على الاعلان السياسي، لذلك فإن انشاء (مجلس عدلي مؤقت) بتعيين من رئيس الوزراء الانتقالي يؤدي الى تسييس أجهزة القضاء ومؤسسات العدالة في الفترة الانتقالية، وهذا لا يؤسس لدولة القانون والعدالة ولا يسهم في العدالة الانتقالية والجنائية. لأن معايير اختيار رئيس القضاء والنائب العام ورئيس المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية يتم على أساس الرأي السياسي والحزبي، ويعد خرقاً واضحاً لمبادئ استقلال اجهزة القضاء ومؤسسات العدالة والمبادئ الاساسية المتعلقة بحقوق الانسان المنصوص عليها في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966م الذي انضم اليه السودان في العام 1986م.