أحداث نيالا وعقدة ستوكهولم!!!
منى أبو زيد
26 January, 2012
26 January, 2012
الهدف من هذا المقال ليس انتقاد موقف والي ولاية جنوب دارفور (المنسحب) عبد الحميد موسى كاشا، أو استنكار خروج أهلنا هناك في مظاهرات تطالب بعودته وتندد بتعيين والي جديد .. بل هي دعوة رسمية للتأمل في ذلك السلوك الشعبي "المسكين" في نيالا خاصة وفي مختلف أنحاء السودان على وجه العموم ..!
سياسة حكومة الإنقاذ لم تنجب منذ انقلابها وحتى اليوم شخصية قيادية سياسية وطنية تستحق هتافاً على غرار (مليون شهيد ولا والي جديد)، وهو كما ترى رقم هائل يتجاوز "شخصنة" الولاء إلى رحابة الانتماء الوطني الجليل .. تلك المفارقة (خروج مظاهرة سودانية تطالب بعودة حاكم ولائي في عهد الثورات العربية التي طالبت برحيل الحكام ورموز الأنظمة) ما هي إلا صورة من صور تفاقم الإذعان الشعبي لجبروت الحكومات ..!
هذا السلوك الشعبي الذي بات شائعاً – بصور وطرائق أخرى - في عموم أنحاء السودان له تأصيل في علم النفس يطلق عليه الأكاديميون مصطلح (عقدة ستوكهولم)، وهي – ببساطة - مجموعة أعراض تظهر عند بعض الذين يتم اختطافهم أو احتجازهم تحت تهديد السلاح .. وقد سميت باسم العاصمة السويدية بعد وقوع حادثة شهيرة في سبعينيات القرن الماضي بأحد البنوك، حيث قامت مجموعة مسلّحة باحتجاز عدد هائل من الموظفين والزبائن طوال ستة أيام, نشأت خلالها علاقة تعاطف بين المعتدين والمحتجزين الذين ودع بعضهم خاطفيهم بحرارة عندما تم إنقاذهم ..!
تلك العقدة ليست مرضاً نفسياً بل حيلة دفاعية يلجأ إليها العقل البشري لحماية نفسه في حالات الشدّة والخطر, ولا علاقة لها بدرجة وعي الإنسان أو طريقة تفكيره أو حتى طبيعة انتمائه السياسي .. وهي تكثر وتتفاقم عادة بين شعوب الأنظمة الشمولية المستبدة ..!
لذلك أقول إن انشغال أي فئة شعبية في هذا البلد بقيادة المظاهرات للمطالبة ببقاء حاكم – مهما علا شأنه الإنساني ومهما عظمت منجزاته السياسية أو التنموية – بينما يثور الناس في بقية العالم للمطالبة برحيل الأنظمة الحاكمة، ما هو إلا إسقاط جماعي لعقدة ستوكهولم، وممارسة عفوية لمفهوم شعبي خاطئ وخطير مفاده أن (سلامة المحكوم من سلامة الحاكم) ..!
وهذا – لعمري - مما يثلج صدر أي حكومة (أن ينشغل الشعب بالتظاهر والاحتجاج على رحيل حاكم وتعيين آخر، ناسياً أو متناسياً تحديد موقفه الوجودي من مشروعية بقائها ككيان جامع لكل هؤلاء المصلحين للأرض – من أمثال الوالي السابق كاشا – أو أولئك المفسدين فيها من وجهة نظر مناصريه) ..!
لا شيء يفرح الحكومة أكثر من إلهاء الناس بنفي المطالبة الشعبية بعودة (هذا) وتأكيد التأييد الجماهيري لتعيين (ذاك)، فالأمر كله في إطار التفاصيل التي لا تجرح في مشروعية بقائها، والحال برمته لا يعني لها أكثر من اعتراض ربة منزل على تغيير مكان قطعة أثاث في منزل زوجية كاثوليكية لا خلاف – بين الطرفين - على كونها مقدسة ..!
munaabuzaid2@gmail.com