أحمد كرتي: خلاف الإنقاذيين لا نخشاه والشورى هي الحكم.. لا أنفي ثرائي وليزدني الله
وزير الخارجية السوداني: لا نعاني إشكال مصداقية وننفذ ما نقول
الشرق الاوسط:
في زيارة قصيرة، وصل العاصمة النمساوية فيينا، علي أحمد كرتي، وزير الخارجية السوداني الذي بحث مع وصيفه ميخائيل أشبندلنقر، نائب المستشار رئيس حزب الشعب المحافظ الشريك في الحكومة الائتلافية، إمكانات أن يدعم الاتحاد الأوروبي الدعوة لشطب ديون السودان الخارجية، كما بحثا فرص استثمارات واسعة تعين السودان على مستجدات الأوضاع الاقتصادية المتردية، لا سيما بعد انفصال الجنوب وفقدان موارده من البترول، بالإضافة إلى نقاش مستفيض حول أكثر من قضية عاجلة، في مقدمتها الأمن والسلام في إقليمي جنوب كردفان ودارفور وسند نمساوي لحلحلة ما تبقى من قضايا عالقة بين السودان ودولة السودان الجنوبي.
«الشرق الأوسط» أجرت حوارا موسعا مع كرتي، الذي يعتبر أكثر السياسيين (نفوذا وقبولا) داخل حزب المؤتمر الوطني الذي يحكم السودان منذ انقلاب عسكري تم ذات ليلة بتاريخ 30 يونيو (حزيران) 1989 وأصبحت حكومته تعرف بـ«حكومة الإنقاذ»..!
* ألم تدهشكم سرعة الاعترافات الدولية التي توالت بعد الانفصال وإعلان دولة السودان الجنوبي؟
- لم تدهشنا، لأننا كنا نعلم من وقف خلف التمرد ودعمه من أجل فصل الجنوب، وهذا ما كنا نقوله ولم يصدقه أصدقاؤنا، وعلى كل فسرعة الاعتراف شيء طبيعي لما يجدونه من دعم أميركي ومن الأمم المتحدة، وقد تم إعداد المسرح منذ بداية الحرب وطيلة استمرارها. وإلا فبماذا نفسر التأخير في الاعتراف بفلسطين كدولة، على الرغم من الوعد العلني الذي قطعه الرئيس الأميركي بالجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أكثر من عام، وذاك ما لم يتم حتى الآن.
* كيف تصف العلاقة التي تربطكم ودولة السودان الجنوبي حاليا؟
- علاقة عادية. وقد قام الرئيس البشير بافتتاح مبنى لسفارتنا في جوبا، وهناك عمل جار لتكملة الإجراءات الإدارية. قريبا سيتم تعيين سفير بمقدوره أن يتابع إكمال ما تبقى من قضايا خاصة باتفاقية السلام، كالترتيبات الأمنية، والملفات الاقتصادية والسياسية، وكلها أمور قيد النظر. من جانبهم، هناك ترتيبات ليفتحوا سفارة لهم في الخرطوم.
* قبل أيام بالعاصمة القطرية الدوحة، وقعت الحكومة مع فصيل دارفوري اتفاقية سلام، لم تعتمدها الفصائل المتمردة الأقوى التي ترفع السلاح، مما يقلل من فاعلية الاتفاق ويجعله حلا جزئيا لا أكثر؟
- هذا كلام غير صحيح، المجموعة التي وقعت هي مجموعة حركات تم التوفيق بينها خارج السودان من قبل وسطاء، لأن الاتفاق مع مجموعات صغيرة أمر صعب جدا. كانت مجموعات صغيرة أصبحت الآن تمثل جبهة كبيرة في مجموعها أكبر من حركة عبد الواحد و«العدل» و«المساواة»، أضف إلى ذلك وجود جانب قبلي يمكن أن نسميه «الأغلبية الصامتة»، ولهذا وجدت هذه الوثيقة دعما من كل قيادات دارفور ومن كل نواب دارفور الذين فازوا في انتخابات نزيهة، كما يقف خلفها وزراء دارفور المركزيون والولائيون. الوثيقة لم تولد يتيمة وإلا فما كان هذا الاعتراف الواسع بها. وإن من الظلم أن نأخذ السودان وقضاياه بما يقوله الإعلام المضاد والمعارضة التي عجزت عن دخول الانتخابات وانسحبت منها، وعلى الرغم من ذلك تمت الانتخابات وشهد لها الآلاف من المراقبين، ولو رجعنا للوراء قليلا نجد أن الناس لم يصدقوا أن الحكومة ستجري الاستفتاء حول مستقبل العلاقة بين جنوب السودان وشماله، لكن الاستفتاء تم بطريقة سليمة، واحترمته الحكومة واحترمت نتائجه على الرغم من أنها كانت تأمل الوحدة بين الشمال والجنوب.
* من الواضح أن الحكومة تعاني مشكلة مصداقية تنعكس شكوكا في كل ما تقوم به.. السؤال: لماذا لا يصدقونها؟
- لا أعتقد أننا في إشكال مصداقية، نحن نقول ونلتزم ما نقول، لكن ولأسباب سياسية وفكرية معروفة، هناك إعلام وجهات مضادة للسودان مع معارضة غير مسؤولة تسعى لتشكيل تلك الصورة المغلوطة، وما ذلك إلا مجرد هراء.
* ما يحدث في جنوب كردفان من تمرد، تسعى الحكومة لإخماده عسكريا، يعيد للأذهان الخوف مما يحدث في دارفور وتلك التجربة المريرة بين شمال السودان وجنوبه، مما انتهى بانفصالهما.. إلى متى تتحاربون؟
- سيظل الحل السياسي هو الأولى، لكن طبعا إذا كان هناك طرف لا يستجيب لأية نداءات سياسية ويلجأ لاستخدام السلاح وترويع الآمنين، كما يسعى لأخذ القانون بيده فإن أي حكومة مسؤولة لا بد أن تمنعه. لقد خاضت الحركة الشعبية الانتخابات بجنوب كردفان بشعار «النجمة أو الهجمة»، هل يعقل أن يكون هذا شعار حزب يريد أن يحكم؟! اليوم الذي خسروا فيه الانتخابات نزلوا بسلاحهم وضربوا يمنة ويسرة.. إلى الآن، وعلى الرغم من أننا حكومة مسؤولة عليها واجبات، نرى أن الحل السياسي هو الأولى، ولن تكون سياستنا البندقية، والعودة للعقل هي الأفضل.. لكن من نحاور؟!
* ما تعليقكم على شهادات عسكرية استمعت لها «الشرق الأوسط»، تقول إن مما يزيد المعارك المشتعلة في جنوب كردفان خطورة أن التمرد يضم قوات من الحركة الشعبية عملت مع الجيش السوداني ضمن القوات المشتركة وتعرف استراتيجياته؟
- لا أستهين بهذا الأمر، وأقول علينا حماية المواطنين، وواجبنا منع الهجمات إلى أن يرعوى المتمرد ويأتي للتفاوض.
* على الرغم من قرار المحكمة الجنائية الذي يحظر حركة الرئيس البشير، قام بزيارة معلنة للصين، كيف تصفون تلك الزيارة؟
- في الوقت الذي شاركنا فيه الجنوب بإقامة دولته، كان علينا أن نبدأ مرحلة جديدة بحثا عن شراكات استراتيجية، وباتجاهنا شرقا كانت الزيارة للصين بدعوة رسمية من الرئيس الصيني. زيارة أتت في الوقت المناسب، وهي اختراق كبير ليس لكونها الصين وهي دولة عظمى فحسب، ولكن لكونها أسست لشراكات اقتصادية وسياسية وقد أبرمنا اتفاقات في مجالات مختلفة منها البترول.
* أي بترول وقد مضى بترول السودان مع انفصال الجنوب؟! - وقعنا اتفاقات للاستثمار في التنقيب عن البترول شمالا.
* أما زلتم تثقون بالصين ومصالحها تمضي مع بترول الجنوب؟
- أبدا. إن الوضع الطبيعي أن تظل الصين شريكا لنا. إن 70% من البترول داخل السودان الجنوبي، وطبيعي أن يكون للصين مصالحها، ولا يعيب عليها عقد شراكات مع دولة الجنوب، بل نعتقد أن وجود الصين في الجنوب سيثري العلاقات شمالا وجنوبا.
* تبحثون عن الاستثمارات الخارجية بينما يشتكي مستثمرون، منهم خليجيون تحدثت لهم «الشرق الأوسط»، من بعض قيادات حول الرئيس تعيق بتصرفاتها مسار الاستثمار وتبعده؟
- بصراحة، إن المستثمرين الخليجيين لهم أسبابهم، وأولها عثر الإجراءات نتيجة لضعف قانون الاستثمار ونتيجة لسلطات ولائية تعيق سلاسة حركة المستثمر، هناك ضعف ولائي للاستثمار بالظن أن الأفضل الحصول على رسوم وليس الاستفادة مستقبلا. كل الشكاوى مفهومة، وقد ناقشنا الأمر مع الرئيس، وهو رئيس جهاز محاربة الفساد. وكما ذكرت للإخوة في الإمارات أن جميع المشاكل يمكن حلها بمراجعة قانون الاستثمار والصلاحيات الممنوحة للولايات. والحديث حول الفساد ليس بالصورة القاتمة، وليس هناك من هو مفوض للحديث ممن هم حول الرئيس، والمستثمرون الخليجيون يعلمون أن بالسودان جهة محددة مسؤولة مسؤولية كاملة عن الاستثمار، وهم يعلمون أن النزاهة الموجودة في ما يخص الاستثمار بالسودان، لا مثيل لها. وليس كل ما ينقل لهم صحيحا.
* وماذا عن قضايا الفساد والإثراء الحرام التي تطال بعض المسؤولين وكبار النافذين؟
- الحديث عن الفساد ازداد طراوة بعد مظاهرات تونس ومصر، وكان من أسبابها فساد قيادات. وكانت بعض المواقع الإلكترونية والمعارضة قد ظنت أن هذا هو الطريق لإحداث ثورة في السودان. وقد اتضح لهم أنهم لا يبنون على حقائق. وإن تضافرت الحملة لإحداث صورة شائكة، فهي حملة موجهة للأساس الذي قامت به «الإنقاذ»، ولمهاجمة «الإنقاذ» في الركن الركين ومن يؤمنون بها. في البلاد قوانين تبيح الشكوى، وبها قانون الثراء الحرام والمشبوه، حتى وعبء الإثبات على عكس كل القوانين في الدنيا لا يقع على المدعي وإنما على المدعى عليه، الذي عليه أن يثبت من أين حصل على هذه الأموال، وعليه أن يأتينا بأمثلة. القانون يلزم المسؤولين بإقرار ذمة حماية للمال العام، وهناك مراجع عام يقوم بمراجعة كل أجهزة الدولة ويرفع تقاريره للمجلس الوطني، البرلمان، الذي يحيلها إلى وزارة العدل للنظر فيها. هناك حوار جدي لخلق مفوضية للشفافية.. كل هذه المجهودات ألا تدل على جدية الدولة في مكافحة الإثراء الحرام.
* السيد الوزير، بدوركم، تطالكم اتهامات بالثراء واحتكار تجارة مواد البناء لا سيما مادة الإسمنت؟ - أولا، الثراء ليس تهمة أنفيها، وآمل أن يزيدني الله ثراء، والجميع يعلم ومنذ 20 عاما أنني كنت أقوم بعمل ناجح في هذا المجال، وتقريبا كل أهلنا لهم عمل في مجال مواد البناء، ومن يريد أن يربط ذلك باسمي وحدي فهو مخطئ.
* ليس من المستبعد أن «الأهل» يستفيدون من اسمك كمسؤول؟
- هؤلاء يدفعون ضرائبهم وزكاواتهم ولهم مشاركاتهم في المجتمع، ولا أعتقد أن من يعمل في أي مجال عليه أن يترك هذا المجال، لأن فردا منهم يتولى عملا عاما. ثانيا، ليس مطلوبا منهم أن يتركوا عملهم ومصدر رزقهم بسبب وظيفتي وهي مؤقتة، يمكن أن اتركها في أي وقت. وأرجو أن تفهم هذه المسألة حتى لا يحدث تجن، وكثير مما نشر لم يكن صحيحا.
* يعتقد كثيرون أن حكومة الإنقاذ ستتحلل وتضعف، منها وفيها، نتيجة ما يوصف بـ« الخناجر الداخلية»، في إشارة إلى الصراع الدائر بين قياداتها الذين أصبح بعضهم الإخوة الأعداء؟
- أخطر ما كان يمكن أن يصيب الإنقاذ هو انشطار الحركة الإسلامية، وهي فصيل مؤثر، لكن الانشطار لم يزدها إلا قوة وعزيمة، باعتبار أن الجزء الأكبر من الإسلاميين واصلوا مسيرتهم مع «الإنقاذ». أما حالات الخلاف، فأعتبرها مظهرا إيجابيا، لا يجب أن نخشاها فهي تدل على وجود حراك فكري وحرية في طرح الآراء، ومدارس داخل الوضع القائم تختلف، لكنها بالشورى تتفق على قراراتها. إنها حالات خلاف في طرح بعض الأفكار، لكنها ليس مستديمة بين أشخاص معلومين، وأعتقد أنها ظاهرة صحية تدل على أن الشورى متاحة ومسموح بها في هذا الإطار.
* وأين تقفون شخصيا بين الفريقين اللذين يتحدث الشارع السوداني عن أنهما يتنافسان حول الرئيس وللسيطرة على الأمور؟
- قد أتفق مع الناس في بعض الأفكار وطرحها، وقد أختلف في قضايا أخرى، لكن ليس بيني وبين أحد خلاف مستديم.
* وما قولكم عن الاتهامات التي تطال الدكتور نافع علي نافع، مساعد الرئيس، بأنه يستفز الناس بلغته وطريقة تعامله؟
- أعتقد أن الذين يعيبون على نافع طريقته لا يعرفون أنه شخص يمكن الاتفاق معه متى ما كان هناك طرح جاد في الحوار.
* متى تلحق الخرطوم بربيع الثورات العربية؟
- هذا يعود للسودانيين إذا رأوا أن هناك ما يدعوهم للخروج، وهم من علموا العالم العربي الثورات الشعبية. إن الأوضاع في السودان، بالتأكيد، ليست هي الأوضاع التي قامت بها هذه الثورات ولكل شعب ظروفه. إن الأوضاع لا تبرر أي ثورة شعبية على الرغم من الصعوبات. والثورة في كل حال ليست هي الحل، وإنما الاتفاق حول حل المعضلات التي تواجه البلاد. هناك شعور بالمسؤولية عند السودانيين يجعلهم يفضلون الحوار على أي سبيل آخر لقلب الوضع.
* وماذا عن الوضع الاقتصادي الذي وصف بـ« الكارثة»؟
- لا أعتقد ذلك، فهناك من الإمكانات ما يمكن استغلاله.. هناك حاجة للصبر على بعض الأوضاع التي قد لا تكون مريحة في الفترة القادمة. علينا أن نعمل جميعا لإعادة ترتيب الأوضاع، وقد كان إما أن ينفصل الجنوب وننعم بالسلام أو أن نظل نقاتل إلى ما لا نهاية.. هناك فرص كبيرة للتنقيب شمالا.. هناك بشائر أن السودان يمكن أن يستفيد مما فقده في مجال البترول. والتعدين يمكن أن يكسب أراض كبيرة في مجال العائدات التي فقدها السودان بسبب الانفصال. الزراعة بدورها تحتاج إلى عمل كبير، والشراكات الاقتصادية التي أبرمناها والتي نبرمها في هذه الفترة، ستساعد في حل بعض المشاكل. لا بد من الصبر والإفادة من الشراكات الخارجية لإعادة الاقتصاد لوضعه الطبيعي وللسير إلى الأمام، فالسلام له فوائده في فتح مجالات الاستثمار وفتح مجالات مع المؤسسات الدولية والإقليمية.