أديس أببا “مفاوضات” و “محكمة”..!
لن أحضر مفاوضات أديس الشق الثالث، وهي تكملة الجولة السابعة، ولا أدري هل تمت تسميتها بالجولة الثامنة أم بالجولة السابعة (ب)، وأقول الشق الثالث لأن بين "الشقين" "ساندويتش" اسمه مباحثات دارفور، وهي مباحثات معلقة بين "السماء والأرض"، لأنه لم يتم الإتفاق على الأجندة، وربما تستمر لتتمخض عن أتفاق متزامن مع اتفاق المنطقتين، على أحسن الفروض.
سبب غيابي هو أنني في العاصمة الإثيوبية حاليا للمحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب. وأرغب في سرد هذا التنبيه فترة بعد فترة، بسبب ظهوري على شاشات التلفاز في "التعليق السياسي"، فيتوهم المشاهد أنني ضمن الوفود المتتالية والجولات المتتابعة. أنا مجرد زائر التقى بالمفاوضين في لوبي الفندق على فنجان قهوة أوعزومة إفطار صباحي شهي ... مع بعض الإفادات .. ممن نحترمه ويحترمنا.
ما يحدث هو اتصالات من طرف التلفزيون القومي والشروق ومن يأنسون في شخصي الكفاءة في التعليق السياسي "وليس التحليل"، وبسبب ظهوري الممل والمتكرر و"المسيخ" في تقديري، ومحاولاتي في تحويل المايك إلى متحدث أو ضيف سوداني آخر وصل بي الأمر إلى حد شراء شرائح موبايل أو رصيد وإهدائها لبعض الصحفيين الذين التقيهم في أديس أببا مع الوفد او على حساب صحفهم، وهم يظنون أنني مصاب بكرم حاتمي مفاجيء إلا أن السبب الحقيقي التهرب من "الظهور" وتسهيل الإتصال بهم!
المهم أن سبب غيابي هو الإنشغال بمحاكمة دولة كينيا أمام المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب، أو ما يسمى محكمة "أروشا" التي تتخذ من هذه المدينة العالية الباردة في دولة تنزانيا مقرا لها، وأعتقد أنها أقرب المدن لجبل كاليمنجاور في الجنوب الكيني وهو اعلى قمة أفريقية.
المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب ليست هي المحكمة الجديدة التي لم تصادق عليها سوى خمس دول أفريقية حتى الآن، تلك اسمها المحكمة الأفريقية للعدالة والجنايات "نرجو عدم الخلط!". وهذه الثانية بإختصار يدعمها التيار الذي يريد أن يبطل مفعول المحكمة الجنائية الدولية ببديل أفريقي خالص وبالرغم من علاقتي بعدد من المراكز الداعمة لها .. لا علاقة لي بها وأراها لا داعي لها وأنا مكتفي بالأولى.
كم أتمنى وأنا داخل جلسات المحكمة أن يتم تجميد المفاوضات، المنطقتين ودارفور والحوار الوطني وأن يحل البروف غندور والرفيق ياسر عرمان ضيوفا على المحكمة ابان تواجدها في أديس ومعهم المناضل مني مناوي، والمجاهد جبريل إبراهيم والحبيبة مريم الصادق والشقيق التوم هجو، والأقطاب نصر الدين المهدي ومهدي الخليفة ... والقائمة تطول ... والألقاب لا تنتهي .. والإتفاقيات ما زالت بعيدة المنال.
كم تمنيت أن يحضروا جلسة الإستماع للحكومة الكينية المتهمة بتهجير مواطنين من منطقة بغرض بيعها للمستثمرين.. هذه الجلسة لا علاقة لها بموضوع "اوهورو كينياتا"!
القاضي أوغستينو رمضاني رئيس المحكمة، وواضح من اسمه المزيج التنزاني الثقافي، قاضي محترم وكان رئيس قضاء تنزانيا. ويقوم حاليا بجولات توعية بالمحكمة الأفريقية وذلك بعقد جلسات المحاكمات خارج أروشا، ويدعو للجلسات المحامين والقضاء من كل دولة ومعهم بعض المتخصصين ذوي الصلة بالمحمة. وقد أجريت معه حوارا قصيرا، أعكف على تفريغه وترجمته للعربية، وقال فيه ... نحن محكمة حقوق إنسان ولا نتعامل مع المحكمة الجنائية الدولية وهي محكمة "مسيسة"!
لماذا تختلف محكمة أروشا عن محكمة لاهاي؟! وما هو الفرق بين محكمة حقوق الإنسان والمحكمة الجنائية. الفرق هو أن محكمة حقوق الإنسان لا تصدر عقوبات، ما تفعله أنها تستقبل الشكوى التي تتهم دولة ما بإنتهاك حقوق الإنسان.
ومن شروط قبول الشكوى، أن تكون الدولة عضوا مصادقا على المحكمة. والحكم النهائي للمحكمة هو أن تحيل القضية للدولة ذاتها وتطلب منها محاسبة ومحاكمة المدانين أو تطلب من الحكومة تنفيذ إجراءات محددة.
وعند عدم الإلتزام من قبل الدولة فإن المحكمة تحيل الأمر للإتحاد الأفريقي والذي يحيله للجمعية العامة، فإذا صدر قرار فإنه بعد ذلك يعبر عن الإرادة الأفريقية الكاملة بعد مناقشة الرؤساء وممثلي حكومات الدول الأفريقية.
المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب لا تأتي خصما على سيادة الدول الأفريقية ولا تأتي خصما على القضاء الوطني بل تأتي مكملة له.
بقي أن تعلم أن السودان غير مصادق على هذه المحكمة، رغم المحاولات المبذولة في هذا الأمر.
السودان .. مشغول بالمفاوضات ..!
............
..............
makkimag@gmail.com