أزمة تصورات

 


 

 


*أساطير صغيرة

يحكى أنّ إدارة تحرير مجلة إلكترونية لبنانية وجدت نفسها في ورطة كبيرة بعد أن علقت إحدى محرراتها تعليقا عنصريا (مسيئا) ضد سود البشرة بصورة عامة والأفارقة بشكل خاص؛ وعرت بتعليقها هذا، المجلة وسياستها التحريرية من كل ادعاءات الثقافة والمعرفة والمحبة والإنسانية ووو.. وبرغم أن الموضوع الذي أثير بكثافة على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في الإنترنت يتناول في الأساس قضية انصرافية استهلاكية لا تعدو أن تكون ترويجا (رأسماليا) فجا لجسد المرأة، إلا أن تعليق محررة المجلة اللبنانية (العنصرية) أثار كل الناشطين على الإنترنت (يمينا ويسارا)؛ أفارقة وعربا، ولبنانيين وغير لبنانيين. القضية تتعلق باختيار ملكة جمال العالم أو (الكون)!
قال الراوي: بحسب الصحيفة اللبنانية – اسمها الجرس – فإن لجان تحكيم مسابقة ملكة جمال الكون اختارت متسابقة أفريقية من غينيا على حساب المتسابقة اللبنانية؛ ورأت المجلة أن في هذا الاختيار تحيزا واضحا ضد المتسابقة اللبنانية الجميلة وإلا كيف تفوز أفريقية عليها، أو كما كتبت محررة المجلة: (هل يعقل أن يتم إخراج اللبنانية وتبقى غيرها من القبيحات؟!!)، وبالطبع القبيحات هنا تنسحب على كل ذوات البشرة السمراء (السوداء) سواء من أفريقيا أو أمريكا؛ أو أي مكان في هذا (الكون) الذي لا يستحق أن تكون إحدى جميلاته سوداء اللون.
قال الراوي: تعليق الصحيفة (المسيء)، قوبل برفض واستياء كبيرين من مشتركيها على الإنترنت، وأول من انبرى له (شاب) سوداني كتب معلقا: "مش عارفين تتخيلوا إن ممكن سمرا تكون أحلى من اللبنانية؟ كتير صعبة عليكم هاي؟"، ثم تتالت التعليقات من مختلف المشارب (الإنسانية) إدانة للسلوك (الرجعي) لصحيفة يفترض أنها حاملة لقيم الاستنارة والوعي، لا مبادرات العنصرة والاستعلاء العرقي (الفارغ).. هجوم عنيف دفع الصحيفة الإلكترونية إلى محاولة (اعتذار) ساذجة وفي بالها أول المعلقين (السوداني – العربي!)، فأخرجت في عددها التالي خبرا يتحدث عن خروج ملكة جمال جنوب السودان (العربية كما قالت المحررة!) من المسابقة أيضا في محاولة منها للقول إن تحيز لجنة المحكمين ظلم أيضا أفريقية سوداء (جميلة جدا) كما حاولت الإيحاء (رشوةً) بعروبة ملكة جمال جنوب السودان!
قال الراوي: مسابقات الجمال في حد ذاتها لا تخرج عن هذا الضرب من التخلف الذي يختزل المرأة في (مميزات جمالية جسدانية) تكاد تقربها من السلعة، وتضعها بذكاء متقن في (سوق) العرض الدعائي الأكبر المشرعة أبوابه على مجتمعات الاستهلاك منزوع التفكر من (هنا) إلى (هناك)، ليس مدهشا أن تفضح مثل هذه المناسبات (الاستغلالية) العقليات المسطحة و(الرديئة) لأصحاب الأفكار العنصرية وتوهمات التميز المبني على الشكل واللون.
ختم الراوي؛ قال: المرأة (سوداء، بيضاء – أفريقية، لبنانية) أرفع من هذا العرض التسويقي الرخيص.
استدرك الراوي؛ قال: اللون، في الأساس أزمة تصورات، أزمة ثقافة ومحمولات تراث.
*زاوية يومية بصحيفة (اليوم التالي)

منصور الصُويّم
mansour em [mansourem@hotmail.com]

 

آراء