أزمنة الكرب وبعثرة الأوطانuu123457678 “4” “توثيق ليوميات الحرب”
حسن الجزولي
29 June, 2023
29 June, 2023
* إستباحة أم درمان الثانية وما أشبه الليلة بالبارحة!
أتلك هي شهامة المنتصر؟! (تشرشل)
وسط الدماء والأشلاء المتناثرة، ورائحة البارود العابقة، استغرق الخليفة في صلاة طويلة، أمام ضريح المهدي، وأمام قبر رفيق عمره، نكس الخليفة رأسه، وهو يستلهم رفقة الصبر والنصيحة في لحظة الضيق، شمل الظلام المكان، إلا من بصيص ضوء الشمس المتسرب عبر ثغرات الدانات أثر قصف القبة، خيم سكون عميق داخل المحراب حول الرجل الملتحي الراكع، لا يقطعه إلا أصوات الطلقات المتقطعة المتزايدة العنف والسرعة وضجيج مئات من خيول الفرسان الذين ملأوا صرح الجامع.
كان أولئك الفرسان تحت قيادة يعقوب، أبو زينب محافظ أم درمان. تمكن من تجميعهم من بقايا المعركة، ومن شرطة أم درمان، ومن العدد القليل الذي تجمع من الجرحى واستجاب لنداء الامباية، وأوكل الخليفة إليه تجميعهم لبدء الدفاع من داخل أم درمان، ومضى هو للمحراب. أدار معركة المدينة يعقوب فأرسل كل المقاتلين والبنادق القليلة التي تجمعت لديه شمالاً ليدافعوا خلف السور الكبير.
كان الأمير المسن منهكاً للغاية، فقد أمضى يوماً مرهقاً منذ أن بدأ قصف المدينة ظهر الخميس، موزعاً جهده والعدد البسيط المتوفر لديه من شرطة أم درمان، لرفع الأنقاض، واسعاف الجرحى وقفل ثغرات السور بقطع الحجارة والأخشاب، واقتلاع عدة أبواب ومنافذ لقفل الثغرات الكبيرة المتخلفة من قصف دانات "الليدايت".
وتزايدت مسؤولياته المشبعة بعد أن أوكلت إليه إدارة معركة المدينة.وهو يقذف بكل قادر على حمل السلاح شمالاً ليدافع عن السور.وزاد الارتباك ازدحام رئاسته في الجامع بمئات من الأشخاص، ممن وصلوا من أرض المعركة،وكل هدفهم هو الموت وملاقاة ربهم تحت قبة المهدي. ومن ضمنهم كبار القوم من الخلفاء وكبار الأمراء.
وضع الخليفة علي ود حلوعنقريبه تحت القبة ورفض التحرك إلى منزله، وأسرع الخليفة شريف وأحضر أبناء المهدي وأجلسهم حوله ليموتوا سوياً،وتناثر عدد كبير من كبار الأمراء كيونس الدكيم، عثمان دقنة، وانضم إليهم شيخ الدين، بعد وصوله من المعركة.
دار الهمس حول اتخاذ أي السبيلين، الدفاع في معركة يائسة داخل أم درمان؟، أم الهجرة غرباً؟ كان الرأي الغالب هو الدفاع داخل أم درمان، ولكن الرجل الذي يملك حق الاجابة كان معتكفاً منذ ساعات داخل الضريح وليس هناك من يجروء على قطع خلوته.
بدأت أصوات طلقات الرشاشات تتزايد، وارتفعت مرة أخرى أصوات إنفجارات المدفعية منبئة عن اقتراب السردار من المدينة، وصل فارس ينهب الأرض نهباً وترجل واتجه نحو يعقوب أبو زينب وأنبأه أن السردار قد دخل المدينة من البوابة الكبيرة.
اتجه يعقوب مباشرة نحو مدخل الضريح ووقف منتظراً الخليفة على أحر من الجمر، لينقل له النبأ. آخيراً وعندما بدأ قرص الشمس في الانحدار غرباً خرج الخليفة من المحراب وقد فارقته نظرته الجامدة الخاوية التي كست ملامحه منذ أن سمع بمقتل الأمير يعقوب، أصدر تعليماته لأبو زينب بالهجرة غرباً، لكل من يرغب على أن يصحبه الخلفاء، وأن تنبه العوائل للخروج من أم درمان، ومن هناك مضى إلى منزل أخيه يعقوب ليأخذ بعض الوثائق الهامة وليأخذ عائلته على أن يلتقوا جميعاً خارج أم درمان.
(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــ
* ع كتاب كرري للرائد عصمت حسن زلفو.
hassangizuli85@gmail.com
///////////////////////
أتلك هي شهامة المنتصر؟! (تشرشل)
وسط الدماء والأشلاء المتناثرة، ورائحة البارود العابقة، استغرق الخليفة في صلاة طويلة، أمام ضريح المهدي، وأمام قبر رفيق عمره، نكس الخليفة رأسه، وهو يستلهم رفقة الصبر والنصيحة في لحظة الضيق، شمل الظلام المكان، إلا من بصيص ضوء الشمس المتسرب عبر ثغرات الدانات أثر قصف القبة، خيم سكون عميق داخل المحراب حول الرجل الملتحي الراكع، لا يقطعه إلا أصوات الطلقات المتقطعة المتزايدة العنف والسرعة وضجيج مئات من خيول الفرسان الذين ملأوا صرح الجامع.
كان أولئك الفرسان تحت قيادة يعقوب، أبو زينب محافظ أم درمان. تمكن من تجميعهم من بقايا المعركة، ومن شرطة أم درمان، ومن العدد القليل الذي تجمع من الجرحى واستجاب لنداء الامباية، وأوكل الخليفة إليه تجميعهم لبدء الدفاع من داخل أم درمان، ومضى هو للمحراب. أدار معركة المدينة يعقوب فأرسل كل المقاتلين والبنادق القليلة التي تجمعت لديه شمالاً ليدافعوا خلف السور الكبير.
كان الأمير المسن منهكاً للغاية، فقد أمضى يوماً مرهقاً منذ أن بدأ قصف المدينة ظهر الخميس، موزعاً جهده والعدد البسيط المتوفر لديه من شرطة أم درمان، لرفع الأنقاض، واسعاف الجرحى وقفل ثغرات السور بقطع الحجارة والأخشاب، واقتلاع عدة أبواب ومنافذ لقفل الثغرات الكبيرة المتخلفة من قصف دانات "الليدايت".
وتزايدت مسؤولياته المشبعة بعد أن أوكلت إليه إدارة معركة المدينة.وهو يقذف بكل قادر على حمل السلاح شمالاً ليدافع عن السور.وزاد الارتباك ازدحام رئاسته في الجامع بمئات من الأشخاص، ممن وصلوا من أرض المعركة،وكل هدفهم هو الموت وملاقاة ربهم تحت قبة المهدي. ومن ضمنهم كبار القوم من الخلفاء وكبار الأمراء.
وضع الخليفة علي ود حلوعنقريبه تحت القبة ورفض التحرك إلى منزله، وأسرع الخليفة شريف وأحضر أبناء المهدي وأجلسهم حوله ليموتوا سوياً،وتناثر عدد كبير من كبار الأمراء كيونس الدكيم، عثمان دقنة، وانضم إليهم شيخ الدين، بعد وصوله من المعركة.
دار الهمس حول اتخاذ أي السبيلين، الدفاع في معركة يائسة داخل أم درمان؟، أم الهجرة غرباً؟ كان الرأي الغالب هو الدفاع داخل أم درمان، ولكن الرجل الذي يملك حق الاجابة كان معتكفاً منذ ساعات داخل الضريح وليس هناك من يجروء على قطع خلوته.
بدأت أصوات طلقات الرشاشات تتزايد، وارتفعت مرة أخرى أصوات إنفجارات المدفعية منبئة عن اقتراب السردار من المدينة، وصل فارس ينهب الأرض نهباً وترجل واتجه نحو يعقوب أبو زينب وأنبأه أن السردار قد دخل المدينة من البوابة الكبيرة.
اتجه يعقوب مباشرة نحو مدخل الضريح ووقف منتظراً الخليفة على أحر من الجمر، لينقل له النبأ. آخيراً وعندما بدأ قرص الشمس في الانحدار غرباً خرج الخليفة من المحراب وقد فارقته نظرته الجامدة الخاوية التي كست ملامحه منذ أن سمع بمقتل الأمير يعقوب، أصدر تعليماته لأبو زينب بالهجرة غرباً، لكل من يرغب على أن يصحبه الخلفاء، وأن تنبه العوائل للخروج من أم درمان، ومن هناك مضى إلى منزل أخيه يعقوب ليأخذ بعض الوثائق الهامة وليأخذ عائلته على أن يلتقوا جميعاً خارج أم درمان.
(يتبع)
ـــــــــــــــــــــــــ
* ع كتاب كرري للرائد عصمت حسن زلفو.
hassangizuli85@gmail.com
///////////////////////