أعطني حريتي “طلِّق” يدي ..!

 


 

منى أبو زيد
18 September, 2012

 





زوجة سودانية بالغة، عاقلة، لكنها مدللة ضاقت ذرعاً بالدلال فيممت وجهها شطر مولانا القاضي تطلب فراقاً عاجلاً من زوجها الذي كان يصر على توفير جميع وسائل الراحة لها، من خدم وحشم وخلافه .. بما في ذلك "عدد واحد طباخ" ملوكي مستعد لتلبية جميع طلباتها مع تغطية المناسبات والمآتم والأفراح .. كان الرجل يحبها إلى درجة الحرص على أن يجنبها ويلات الطبخ والنفخ ومقابلة النيران، كي تتفرغ للحنة .. والمنكير  .. والبوديكير .. والذي منه ..!
لكن الزوجة المدللة كانت من النوع "الفقري" الذي يطيب له تقطيع البصل ويلذ له تسبيك الحلل، ويا سلام لو امتلأ الفستان بزيت الدمعة ونكهة الثوم، لمزيد من الشعور بالمتعة .. فما كان منها – والحال كذلك -  إلا أن طلبت الطلاق للضرر (المتمثل في كثرة الراحة  والدلال) ..!
والنصيحة أن مولانا القاضي حاول جاهداً – بحسب الصحف التي أوردت الخبر – أن يثني الزوجة عن عزمها وأن يقنع الزوج بضرورة طرد الطباخ فوراً والبدء في إصدار الأوامر لزوجته بتزبيط المفروكة وعواسة الكسرة حتى يكتسب ثقتها – شيئاً فشيئاً – فتوقن بمقدراته على إسعادها ..!
موقف الزوجة "الفقرية" إياها ليس الأول من نوعه – على فكرة - بل هو ضرب من ضروب النضال النسوي التاريخي في مواجهة البطر والدلال الذي قاست منه بعض النساء على مر العصور، والذي يظن بعض الأزواج – جهلا منهم –  أنه فن متطور من فنون النكد الأسري الذي لا يطيب لزوجاتهم العيش بدونه، ولكن الحقيقة اللطيفة هي أن الحكاية كبيرة ومتأصلة في تاريخ الزوجات الفقريات ..!
من السيدة "ميسون" الكلبية زوجة سيدنا معاوية بن أبي سفيان الخليفة الأموي الذي أسكنها فسيح القصور بين الطنافس  والزهور وألبسها الحرير والديباج وأغدق عليها الحلي والجواهر، لكنه عاد يوماً إلى بيته – بعد يوم عمل شاق في تصريف شئون الخلافة – وهو يطمح كأي زوج محب في قضاء وقت ممتع برفقة زوجته الشابة الجميلة، لكنه عوضاً عن ذلك سمعها تنشد أبلغ أبيات النكد الزوجي  في تاريخ الشعر العربي (لبيت تخفق الأرواح فيه .. أحب إلي من قصر منيف .. وأكل كسيرة وتطيب نفسي أحب إلي من أكل الرغيف) .. إلى آخر تلك القصيدة الكارثة .. فطلقها وتركها تغادر إلى حيث فقر البادية الذي لا يعكره دلال ..!
أما زوجة المعتمد  الخليفة الأموي الأندلسي فقد كانت "حريفة شوية" وأمسكت بعصا الثورة في مواجهة الدلال من المنتصف، فذرفت دموع الحنين إلى حياة العوز وأظهرت الضجر من كثرة العز عندما رأت بعض صويحبات (أيام الفقر) - قبل أن يقع الخليفة في غرامها فيننقلها تلك النقلة النوعية الهائلة – وهن يتلاعبن ويتضاحكن ويخضن في الطين بأقدامهن الحافية .. فبكت من الحسرة وانعدام (الأكسس) للخوض في طين الفقراء ..!
فما كان من الزوج العاشق (وهذه إحدى فوائد الزوج المقتدر) إلا أن أمر الجواري والخدم بأن يعدوا لها بركة طين ملوكية .. طين حبيبك .. قوامه المسك والعنبر والكافور وسائر العطور .. فخاضت في طين العطور مكرهة لا بطلة، ولسان حالها يقول "عطور .. عطور .. المهم أن أبقى زوجة خليفة .. ولو كلفني ذلك بعض المعاناة مع الرفاهية والتعب من الدلال" ..!


munaabuzaid2@gmail.com

 

آراء