أغاني وأغاني .. دعوة حيوية لمد جسور التواصل الحميم بين الأجيال … بقلم: محمد المكي أحمد
modalmakki@hotmail.com
في رمضان كما في أيام السنة الأخرى تبقى جسور التواصل بين السوداني المقيم في مختلف دول العالم ممتدة وحميمية النبض و متعددة الأشكال والأساليب ، وفي هذا الاطار تتواصل متابعة "سودانيي الخارج " وعددهم بالملايين لأخبار البلد وأهل البلد، أيا كان نوعها ، سواء كان الأمر يتعلق بأزمات الوطن ، أو شؤونه الأخرى.
لاحظت خلال هذا الشهر أن برنامج "أغاني وأغاني" في قناة النيل الأزرق يواصل شد الأنظار، وكان ولا يزال محل أهتمام ونقاش في أوساط سودانية في قطر مثلا ، وأعتقد أن الحال نفسه في دول أخرى.
أرى أن هذا البرنامج يستحق المتابعة ليس فقط للاستمتاع بابداع حقيقي بل أيضا لتأمل دلالات مهمة في هذا السياق ، أعتقد أن أجمل ما في البرنامج حسب رأيي- وهو رأي سوداني متابع لقضايا وطنه و لا علاقة لها بالنقد الفني من قريب أو بعيد- أن البرنامج يرسخ فكرة التواصل بين الأجيال ، أي بين أجيال فن الغناء بشعرائه وملحنيه ومطربيه، والأهم أنه يخاطب الوجدان السوداني ليقى أصيلا وحيا حتى لا تشوهه مستجدات الحياة أو تقتل نبضه العاشق لكل ابداع أصيل في كل مجالات الحياة.
تابعت البرنامج خلال رمضان الحالي بحرص أكبر خلال هذه الأيام ، ولأن موعد بثه يتزامن مع موعد صلاة التراويح في الدوحة ، حرصت على متابعة فترة اعادة البث بعد الواحدة والنصف صباحا كما يحرص على ذلك آخرون ممن وجدوا في هذا البرنامج واحة سودانية تعيدهم الى ذلك الزمن الجميل كما يقال في السودان.
الأخ الأستاذ السر قدور أضفى بابداعه وروحه ومعلوماته النابعة من معايشة طويلة لمسيرة الابداع الشعري والموسيقي والغنائي في السودان أبعادا مهمة جعلت من البرنامج ميدانا للتلاقي بين السودانيين في ساحة من أجمل الساحات.
فن الغناء في السودان بعراقته المعهودة يعبر عن وجدان سوداني يحلو لي دائما دائما وصفه بـ"الوجدان الأخضر" رغم كل المصائب والمواجع والمستجدات التي داهمت هذا الوجدان الجميل الذي تطربه الكلمة الراقية واللحن الجميل والأداء الدافيء دفء الدواخل السودانية.
السر قدور في رأيي يقدم خدمة كبيرة للمجتمع السوداني في ساحة تحتضن بابداعاتها معظم أبناء السودان باختلاف رؤاهم وتوجهاتهم ومناطقهم ، وهو بهذا البرنامج يخاطب الوجدان السوداني ويشده الى تراث عريق في عملية تواصل حميم بين الشعراء الكبار و المطربين الكبار والملحنين الكبار الذين أثروا الوجدان السوداني على مدى سنوات طويلة وبين جيل شاب (من الجنسين) .
المبدعون الشباب غنوا غناء جميلا ما أبدعه الكبار، و تتفاعلوا وتفاعلن أيضا مع تراث غنائي سوداني تجرى اعادة تقديمه من خلال فكرة ذكية للمشاهد السوداني ، وهو الحكم الأول والأخير على ابداع حقيقي لمبدعين ومبدعات من المطربين الشباب الذين أثروا الوجدان السوداني في برنامج "اغاني وأغاني"وغيره من البرامج الجادة.
اذا كان برنامج" أغاني وأغاني" شدني من خلال فكرة التواصل بين الأجيال، فانه يقدم للناس مقاييس ومعايير ضرورية ، تؤشر الى أن الابداع الحقيقي في مجال الشعر واللحن والأداء الغنائي سيظل راسخا وحيا في عقول ووجدان من يحترمون الابداع السوداني بمختلف أنواعه، أي أن البرنامج هو رسالة للشباب، وهو أيضا اعادة تقديم ناجح لشباب مبدع من الجنسين من خلال أغنيات قديمة متجددة .
أعجبني كثيرا أن الأستاذ السر قدور يحرص على مداخلات تقدم معلومات عن تاريخية حول معايشته لشعراء ومطربين وملحنين بعضهم انتقل الى رحمة الله و نسأل الله أن يمد في أعمار الأحياء .
آمل أن تبادر "قناة النيل الأزرق" ممثلة في مديرها الأخ الزميل العزيز الأستاذ حسن فضل المولى الى تبني فكرة عمل توثيقي تلفزيوني أشمل لرواد الغناء في السودان انطلاقا من فكرة برنامج "أغاني وأغاني"، و أتمنى أيضا أن تواصل القناة رحلة تعزيز التواصل بين الأجيال في كل مجالات الحياة.
أرى أن فكرة البرنامج تبدو كأنها دعوة للسودانيين جميعا لاثراء الوجدان السوداني من خلال فتح ملفات التواصل بين أجيال مبدعة في كل الساحات ، نحن محتاجون الى التواصل الحميم بين السياسيين السودانيين التاريخيين والجدد أيضا، محتاجون الى تعزيز فكرة احترام الكبير لا تعذيبه وتشويهه وضربه يوميا تحت الحزام، ومحتاجون أيضا الى الاستماع بتمهل للنبض الجديد.
محتاجون حاليا وأكثر من أي وقت مضى في السودان الى تعزيز قيم التواصل بين الأجيال المبدعة ، مثلا محتاجون الى تعزيز التواصل بين أجيال الصحافيين السودانيين، حتى تبقى آصرة التواصل بين الناس و رواد الصحافة السودانية والصحافيين الجدد حتى لا يظن بعض الناس أن تاريخ الصحافة بدأ معهم ، أو كما يظن آخرون أن تاريخ السودان كله بدأ في فترة معينة مع السعي عبثا لشطب فترات أخرى .
المجتمعات المتطورة والقابلة للازدهار الفني و السياسي أيضا تتمسك دوما وبقناعات راسخة لا موسمية باشاعة قيم التواصل والحوار بين الأجيال باحترام وتقدير ومحبة ، وأعتقد أن برنامج أغاني وأغاني يقدم في سياق هذه الرؤية خدمة كبيرة للسودانيين في هذه المرحلة الصعبة.
أشير على سبيل المثال للحلقة الأولى من البرنامج وهي غنت للمصير الواحد وقضية الوحدة بين أبناء الشمال والجنوب.
قلت حينها لبعض من تابعوا معي البرنامج أن هذه الحلقة نجحت في مخاطبة الوجدان السوداني أفضل من كثير من الخطب السياسية المكررة، وهذا يؤكد مجددا أن معالجة قضايا الوطن تحتاج الى تضافر جهود أبنائه في كل ساحة من ساحات الابداع، بعيدا عن نهج الاقصاء واحتكار الأدوار أيا كان نوعها وحجمها.
برقية": تحية لمبدعي برنامج "أغاني وأغاني"، فهو رسالة بليغة عن ضرورة وروعة التواصل بين الأجيال