أقول للدكتور توم كاتينا: تتشرف بك جائزة “أورورا” لحقوق الإنسان !

 


 

فضيلي جماع
2 October, 2018

 

 

في ذيل العام الميلادي 2017 وبداية العام الحالي 2018 وبينما كانت مواقع التواصل الإليكترونية واسعة الإنتشار وبعض صحف النظام تنشر مقالات لطائفة من مثقفين وأفندية، ممن يروجون لما عرف (بمقاومة نظام الأخوان المسلمين إنتخابياً في العام 2020).. وبينما كانت أحابيل أمن النظام تنسج قصصاً عن عصابات لخطف وقتل فتيات ونساء، لتشغل الشارع وتصرف شعبنا عن قضاياه شديدة الإلحاح - وعلى رأسها الحرية والخبز؛ أقول بينما كانت الأمور في عاصمة البلاد وبعض المدن الكبرى تطوى تحت هذه القضايا الإنصرافية ، كان الملايين في دار فور وفي جبال النوبة وجنوب النيل الأرزق بل وفي مناطق عديدة من اركان وطننا الأربعة يدفعون الثمن على مدار اليوم. موت مجاني وجرائم واغتصاب في دار فور تحت بصر وإشراف نظام الإجرام. مئات الآلاف في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق لا يصلهم الدواء والغذاء من هيئات الإغاثة تحت تعنت النظام بأن لا ممرات آمنة سوى تلك التي يضع يده الملطخة بالدم عليها. بينما كان يحدث كل هذا في ذيل العام المنصرم وبداية العام الجديد، كان الضمير الإنسان في مسيره ومصيره يقظاً لإغاثة الملهوف وإدانة المجرم. إن نبض الإنسانية يبقى يقظاً دائماً عند البعض وإن مات وشبع موتاً عند البعض.

في ذات الأيام والشهور التي شهدت مسرحية (مقاومة النظام عن طريق صندوق الإقتراع) وملهاة ظهور عصابات تخطف الفتيات والنساء..في ذات الأيام والشهور الممتدة بين نهاية 2017 وبداية 2018 ، كانت إحدى كبريات منظمات حقوق الإنسان (منظمة أورورا في أرمينيا) تعلن للعالم أن طبيباً أميريكياً ظل يعمل تحت القصف والدمار في جبال النوبة لتسع سنوات قد فاز بجائزة "أورورا لحقوق الإنسان" للعام 2017م.

حجم الجائزة مليون دولار يتبرع الفائز بها لمن يختار من منظمات حقوق الإنسان في العالم. ينال الفائز - د. توم كاتينا مئة ألف دولار لدعمه في مشروعاته الطبية بجبال النوبة. أما مبلغ المليون دولار فإن الفائز يختار بعض منظمات حقوق الإنسان النشطة لتقتسمها.
أختير توم كاتينا من بين 550 مرشحاً لذات الجائزة من 66 بلداً. وقد قال الممثل العالمي جورج كلوني أحد مؤسسي منظمة (سينتري (The Sentry وعضو لجنة التحكيم – قال : " بينما تستمر الحرب والعنف في تهديد أرواح الناس وسلامتهم ، فإن من المهم الإعتراف بعزيمة أشخاص مثل الدكتور توم كاتينا والإحتفاء بهم، أولئك الذين يرهنون حياتهم ليس لإنقاذ حياة الآخرين فحسب، بل وليمنحوهم فرصة الإستمرار والنجاح."
يقول التقرير الإخباري للإذاعة الأرمينية المستقلة أنه وعلى مدى التسع سنوات المنصرمة كان الدكتور توم كاتينا - المعروف لدى الأهالي في جبال النوبة باسم الدكتور توم - يظل مداوماً on call طوال الأربع والعشرين ساعة، طيلة أيام الأسبوع. ولنا أن نعرف أن مستشفاه الوحيد في جبال النوبة - حيث تدور الحرب بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية شمال-يؤمه جرحى تعرضوا للقصف الجوي الحكومي ومرضى ملاريا ونساء يعانين من عسر الولادة. هذا المستشفى الوحيد يخدم سكان المنطقة المقدر تعدادهم ب 750,000 (سبعمائة وخمسين ألف نسمة) ، أي قرابة المليون شخص. يقول التقرير بأن الدكتور توم كاتينا يستقبل 500 مريضاً يومياً ، وأنه يجري قرابة الألف عملية جراحية في العام.
في كلمة قصيرة لدى استلامه جائزة أورورا لحقوق الإنسان قال الدكتور توم كاتينا: ( يقع علينا جميعنا واجب أن نرعى إخواننا وأخواتنا (في الإنسانية). باستطاعة أي شخص أن يقدم مساهمته في هذا الصعيد، وأن يدرك أن بإمكان التكاتف والتآزر الإنساني أن يقودا إلى مستقبل أفضل. وحيث يقودني إيماني، فإنه ليشرفني أن أواصل مهمتي في خدمة العالم لأجعل منه مكاناً جديراً بالحياة.)
الدكتور توم كاتينا يعيش في المناطق المحررة بجبال النوبة منذ قرابة العشر سنوات. وقد تزوج إحدى فتيات جبال النوبة. يعمل الدكتور كاتينا ليل نهار في مستشفى تطوعي بسيط ، أي أنه وفريق العاملين والعاملات معه يقدمون الأدوية التي تصلهم من المنظمات الخيرية مجاناً ، ويجري العمليات الجراحية في هذا الظرف الصعب ، لينقذ حياة البعض. قال في كلمة وهو يستلم الجائزة في أرمينيا بأن البعض يسأله ما هو أصعب المواقف التي مرت بك؟ يقول بأن إجابته دائماً بسيطة جداً وهي أنّ أصعب مشهد هو موت إنسان أمامك كل يوم وليس بمقدورك إنقاذه !
أكثر ما اتصف به قادة ومنسوبو نظام الإبادة الجماعية في السودان - إلى جانب الكذب والفساد المقنن - أنه نظام يفتقر قادته وأتباعه والمنتفعون من ورائه إلى الوازع الإنساني الذي إن غاب عنك فأنت ميت حتى لو سعيت على قدميك بين الناس. ليس يكفي أن تبني الدولة بين كل مسجد وآخر مسجداً تعلو فيه مكبرات الصوت ليل نهار لتعظ الناس أن يخافوا الله! النتيجة التي أمامنا قرابة الثلاثة عقود أن مجتمعنا تحت المتاجرة بالدين أصبح فئتين: قلة هم اللصوص وهي تملك كل شيء وكثرة هم الشعب وهذه فئة لا تملك شيئاً ، أو ما يطلقون عليه في الإنجليزية: The haves & the have-nots
من البدهي والحال كذلك أن تنجح الأذرع الأمنية لنظام الإبادة الجماعية في صرف أنظار الناس بخدعة جديدة كلما ضمر تأثير الخدعة السابقة. وهنا يلتقي التخدير باسم الدين مع إفقار العقل ودغدغة عواطف الناس!
تحية وتقدير للإنسان السوداني الصامد في ترابه في كل بقعة من وطننا الكبير - من حلفا دغيم إلى كاودا الصمود ومن جنينة تاج الدين إلى سنكات عثمان دقنة.
وختاماً.. تحية خاصة للدكتور الإنسان توم كاتينا الذي يعرف أننا - في زمن الهزائم والغبن - لم نقم بعشر ما قام به ، فاستحق أن تنطبق عليه مقولة أميرسون: "رجل واحد عظيم يساوي أغلبية" !

فضيلي جماع
لندن في 02/10/2018

fjamma16@yahoo.com

 

آراء