أمريكا والمثقفون وتغيير الأجندات

 


 

 

أغلبية عناصر المؤتمر الوطني لا يعترفون بأن ثورة ديسمبر هي ثورة قام بها الشعب السوداني وفقا لقناعته، أن الإنقاذ قد استنفدت أغراضها و يجب أن يتغير، معنى ذلك أن الوعي السياسي قد أكتمل وسط الجماهير، و يعتقدون أن الثورة مصنوعة من قبل بعض الدول التي لها مصالح في السودان، و لذلك هذه الدول قد اسخدمت عدد من القوى السياسية و بعض لعناصر النظام التابعين للنظام السابق. الهدف من هذا القول هو التشكيك في قدرة الجماهير و وعيها، و أيضا يريدون القول أن النظام سقط بمؤامرة خارجية تاونت معهم بعض العناصر الداخلية، هذا القول محاولة لمحو كلمة الضعف و أن النظام قد وصل مرحلة الانهيار، مثل هذا القول يؤكد أن عناصر النظام السابق عاجزون عن نقد تجربتهم، و أن مشروعهم السياسي الاجتماعي قد فشل تماما، و بالتالي هم في حاجة إلي مراجعة التجربة، و ممارسة النقد و ليس التبرير، و البحث عن مسببات غير واقعية. هذا السقوط بالضرورة يتطلب قيادات جديدة ذات رؤى جديدة، إذا كانت بعض عناصر النظام السابق تريد أن تعود للساحة السياسية.
الإدارة الأمريكية و الدول الغربية كانت محتفية بالثورة و بسلميتها، و كانوا يعتقدون أن القوى السياسية و خاصة الجديدة تعلموا من التجارب السابقة و قادرين أن يوصوا سفينة التغيير إلي الشاطئ بسلام، إذا استطاعت الدول أن تقدم لهم المساعدات المطلوبة. كانت أول أخطاء الحكومة الأولي ان تقبل دفع تعويضات تقدر 350 مليون دولار للإدارة عن التفجيرات التي كانت قد حدثت في عهد الإنقاذ لضحايا التفجيرات في كل من نيروبي و دار السلام، رغم عدم أي إدانة للسودان في هذه القضية، و قد شترت الحكومة الدولارات من السوق الأسود، و الذي تسبب في رفع قيمة الدولار مقابل الجنية أكثر من ثلاثة أضعاف. القضية الأخرى؛ أن النخب الجديد نشب بينها صراع و خلافات أدى إي انسحاب البعض من إدارة الإزمة، ثم دب الخلاف بين المكون العسكري و المدني، و أرادت الولايات المتحدة أن تعالج حالة التصدع و لكنها فشلت، ثم راهنت على البعض، و أيضا فشلت أن توصل الجميع للنقطة التي تريد، الأمر الذي تسبب في الحرب. كان الاعتقاد أنها بداية تغيير على أسس جديدة، لكن تغيرت المعادلة.
تعلم الولايات المتحدة و الدول الغربية و الأمارات و السعودية و موسى فكي و أبن لباد كيف سارت الأطراف نحو الحرب، و أيضا يعلمون من الذي بدأ الحرب، و أيضا كانت الفكرة أن تكون حكومة منفى، و يعترف بها هؤلاء، و أمريكا لم تكن بعيدة عن كل الذي يجري، و لكن إنحرف ميليشيا الدعم و دخولها بيوت المواطنين، و ممارستها لعمليات النهب و السرقة التي و الاغتصابات قد خلقت واقعا جديدا، كان يمكن أن يغض الطرف عنه لولاء التقرير الصحفي لقناة ( CNN) الذي كتبته الصحفية السودانية القديرة نعمة الباقر أحمد عبد الله، و بموجب هذا التقرير أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية إدانة لميليشيا الدعم السريع، ثم تبعتها بقية المنظمات العالمية، كل ذلك أن أدي لتغيير المعادلة السياسية خاصة بعد خروج الجماهير تنادي بموقف مؤيد للجيش، هذا التحول كان لابد لأمريكا أن تدرسة الحالة السودانية من جديد، و وقع انقلاب النيجر ألذي جعل ملف السودان ينقل من وزارة الخارجية إلي الرئاسة الأمريكية، خاصة أن المنطقة الأفريقية بدأ فيها الصراع الإستراتيجي يأخذ عمقا، و القضية عند الإدارة الأمريكية ترتبط بمصالحها و الرهان عليها، و الميليشيا موجودة كألآت عسكرية و انتشار لمقاتلين دون هدف سياسي،و بعد ما غابت قيادتهم مركز الرهان. فكان على الولايات المتحدة أن تبحث عن مركز القوة في ملعب التنافس الذي تراهن عليه، و مال جانبها دون أن تفصح عن ذلك، و خرجت بعقوبات على القائد الثاني للميليشيا، الأمر الذي يؤكد أنها قد حسمت موقفها تماما من الصراع الدائر في السودان، حتى لا تفقد السودان كموقع إستراتيجي هام يربط بين شرق و غرب أفريقيا.
عندما تتغير الأحداث و المعادلة السياسية، لابد أن تكون هناك وقفة من أجل المراجعة. و خاصة وسط المثقفين السودانيين، و مراجعة أفكارهم، ليس بهدف رفع راية التسليم، و لكن المعادلة تحتاج لرؤى و أفكار جديدة، مشكلة المثقفين السودانيين أنهم يعتقدون أن قرأتهم لا يصيبها الوهن و تحتاج لمراجعة، و ربما تكون محكومة بعوامل الولاءات، و هي ثقافة خلقها الصراع الصفري بين الأيديولوجيات المختلفة. و هي تعتبر المقدسات التي يجب الكل أن يركع لها، لكن الدول ذات الفلسفة البراجماتية تنظر للتغيير من جانب المصالح ليس غير. و تتغير مواقفها وفقا لمصالحها، و السؤال ما هي مصالح القوى المثقفة السودانية وفقا لكل المتغيرات؟ هي عاجزة على طرح الأسئلة على نفسها لأنها متأكدة أنها عاجزة على الإجابة. هي تعرف غير تقديس ثقافة بالية تتكيء على مقدسات شعارات قيادات تاريخية أصابها العقم السياسي. هذه الحالة التي لا تتغر مع كل تغيير سياسي يحدث في البلاد. كل مرة يبدأ الرجوع للخلف. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com
////////////////////

 

آراء