مسألة
لم يجد الناس تطميناً كافياً لا من وزير الداخلية ولا من مدير عام الشرطة ولا من مدير شرطة الخرطوم بشأن تأمين المواطنين بعد تزايد حالات القتل والاغتيالات والاعتداء والنهب المسلح في قارعة الطريق وفي مواقف المواصلات.. وللشخص أن يستعجب عن (التصدي العنيف) للمتظاهرين السلميين مقابل (التساهل اللطيف) تجاه المجرمين الذين يسرحون ويمرحون ويقتلون الناس في الشوارع والمنعطفات وداخل البيوت والجامعات..! ولنا ألف حق أن ننظر إلى توالي هذه الجرائم بـ(عين أخرى) غير العين التي ننظر بها إلى المجرمين العاديين والنشالين العابرين.. حيث يبدو من طبيعة هذه الجرائم التي تتابع وبجرأة ملحوظة على إراقة الدماء أنها جرائم منظّمة من فلول الإنقاذ وتابعيهم يستهدفون من ورائها أغراضاً سياسية وإجرامية غايتها خلخلة الأمن غضباً من ملاحقة مجرميهم السياسيين ولصوصهم النهّابين لتجريدهم من ممتلكات وأراضي وأموال الدولة.. وقد أعلن قادتهم وآخرهم (المحامي الأشيب) الذي يدافع عن باطل الإنقاذ أنهم (لن يتركوا البلد تستقر) وهو محامي مشهور (بما لا يحب الناس أن يُشتهروا به) ومن المتضررين من حرمان جماعته من الولوغ في مال الدولة ومناصبها ومواردها وإبقاء الوطن رهينة لهم وكأنه مزرعة لأكل السحت وتربية اللحى (التيوسية) على غرار (واعظ إسطنبول) الذي ثبت وثائقياً أنه تاجر عملة في شوارع أسفل المدينة…!
منذ وقتٍ مبكِّر قلنا إن يد الأمن والشرطة بعد الثورة أصابها وهنٌ كبير تخّلت فيه عن شراستها أيام الإنقاذ.. أيام ملاحقة الأحرار وغمض العين عن المجرمين.. فسبحان ربك حيث يكاد الآن أن ينقلب المعيار مائة بالمئة..وكاد الأمر أن ينقلب إلى مطاردة الأحرار وغض العين عن المجرمين..! وقد سبق أن نبّهنا أن مخبري الإنقاذ فرّوا بعد الثورة بـ(مواترهم) ولم يسعفنا جهاز الأمن بالكشف عن قائمة (مواتر الدولة) التي كان جهاز الإنقاذ يمنحهالمترددي السجون والقتلة والمجرمين و(المهاويس) ويعتمدهم مخبرين للجهاز وعصاباته ويطلقهم في الشوارع.. وإذا لم يتم جمع هذه المواتر (وحسابها بالآلاف) فلا يمكن استئصال هذه الاختراقات والهجمات.. وإذا ملكت الشرطة وجهاز الأمن الإرادة لاستعادتها فلن تعييهما الحيلة بحصرها وإعادة تسجيل ملكيتها حتى يتبيّن المجرمون المتخفّون الذين استولوا على آليات الدولة وحولوها لملكيتهم الشخصية…!!
هذا التراخي الشرطي غير مقبول.. ولا بد أن تكون الحكومة المدنية قد وصلتها تقارير عن الانفلات الأمني وتكرار جرائم الاغتيالات والنهب المسلح وحجمها وطبيعتها وأساليبها ومدى انتشارها… ولا بد أنها قد بحثت الأمر بما يستحق من وقت وأهمية وقرارات ومساءلات ومتابعة لتقف على أداء جهاز الشرطة وجهاز الأمن الداخلي تجاه الأحداث؛ فالإجرام يُقابل بالحسم ولا يقبل المهاودة.. وما سمعناه في التلفزيون القومي (كلام ملولو) يعتذر عن التباطؤ والعجز بذريعة الحصانات (وما أدري ايش)..! فهل أصبح منع الجريمة والقبض على الحرامية والقتلة يحتاج إلى حصانة..! هذه (وربّك) من التبريرات التي تسبّب القلق حول ملاحقة المجرمين وتأمين حياة الناس.. وأمن الناس ليس لعبة..لذا وجب التحذير من التهاون مع فلول الإنقاذ ومناصريهم..فكلما زاد يأسهم واستشعروا الضرر من الثورة كلما سعوا إلى ابتكار وسائل إجرامية جديدة لزعزعة الأمن بتأجير القتلة وتمويل العصابات..ومن المعلوم أن فلول الإنقاذ (ومعهم آخرين) لا يتورّعون عن فعل أي شيء من أجل تعويق الثورة التي يرون في استمرارها نهاية لعهد اللصوصية وهذا مصدر فزعهم الأكبر.. فمن أسوأ كوابيسهم سطوع الشمس وإدارة شأن الوطن في العلن لأنهم من آفات وهوام الظلام التي تكره الضوء وتعيش وتبيض وتفرخ في الوحل والحفائر المظلمة…!