أنت والحجر الصحي والأخر
بشير عبدالقادر
17 May, 2020
17 May, 2020
أدت فترة الحجر الصحي لإجبار كثير من الأسر على التواجد المستمر مع بعضهم البعض في مساحة ضيقة أو محدودة خلال أغلب ساعات اليوم ولمدة فاقت الستين يوما. ولعلها كانت ولا تزال فرصة جيدة لعلماء النفس والاجتماع لدراسة الأسرة وتحليل السلوك المجتمعي والتنبيه على الجوانب الايجابية والسلبية كذلك ومحاولة اقتراح حلول لمعالجة السلبيات و تجويد الإيجابيات.
ردد الكثيرون منا ، لقد أتاح لي هذا الوضع الإجباري المزيد من زمن وفرص الاحتكاك مع إفراد أسرتي واكتشفت لهم أو عليهم حقائق أخرى غير تلك الصور التي كنت احملها عنهم، وعرفت أنهم أيضا اكتشفوا في شخصاً أخر غير الذي كانوا يتخيلونه!!!
نعم أنتبه الجميع ما عدا أولئك الذين يعيشون في القرى النائية في كل أرجاء العالم، بأن إيقاع الحياة العصرية المتسارع بصورة نسبية في كل مكان من ناحية، وكذلك وجود كثير من الآليات والأجهزة الحديثة كالكمبيوتر وكالهاتف النقال والتلفاز وحتى السيارة والقطار والطائرة قد تسببت بصورة مربكة في تباعد الإفهام والأرواح ولكنها ساعدت في تواصل أو تقارب الأجسام الخارجية والمشاعر السطحية للناس، وهو تواصل ظاهري وسريع لا يتيح فرصة لتناغم الأرواح وانسجام النفوس . harmonie d’esprit
كان من نتائج الحجر الصحي الإجباري مع وجود الهلع من مرض الكرونا، حدوث ضغوط نفسية ضخمة مما أدى للوقوع الفعلي أو "داخل الصدور" لكثير من المشاكل الاجتماعية حتى داخل الأسرة الواحدة، تبدأ من تضايق كل فرد من استعمال الأخر للحمام والتواليت بصورة أو في زمن لا يناسبه هو، و الشكوى من ارتفاع او انخفاض صوت أو الأصوات التي يصدرها الأخر ، بل قد يصل الأمر لاكتشاف أن في الشخص الثاني شخصية أخرى تظهر ولأول مرة على حقيقتها وسجيتها بدون مكياج خارجي أو تكلف اجتماعي....الخ.
هذه الاكتشافات قادت في كثير من الأحيان لقرارات ما كان يمكن لها أن تقع لولا هذا السجن الإجباري الذي أحدثه الحجر الصحي، فمثلا قرر كثير من الأزواج الطلاق لاكتشافهم عدم التناسب بينهما في صفة أو مستوى أو وجهات نظر ما ، لأنه لم يسبق أن توفرت لهم مدة ستين يوما للتدقيق والتحليل يوما بعد يوما في شخصية وسلوك الأخر وهو واقع فرضه الحجر مما أدى لهذا القرار القاضي بعدم إمكانية الاستمرار في العيش معا كزوجين أو عدم إمكانية استمرار سكن الأبناء البالغين مع والديهم.
إذن أول نتيجة قد تثبتها دراسات الإحصاء في الأشهر المقبلة هي اتخاذ قرار الفراق الاجتماعي أو المكاني داخل الأسرة الواحدة بمجرد انتهاء الحجر الصحي.
أحاول خلال هذا المقال أن أهدئ روع الكثيرين الذين ظنوا بأهاليهم تلك الظنون، فمن المعروف أنك لا تستطيع أن تعرف إنسان حق المعرفة حتى توأمك الذي ولد ونشى وتلقى نفس التربية والرعاية معك، إلا إذا مررت معه بالتجارب الثلاثة التالية بصورة كاملة أو اثنتين منها على الأقل وهي أن تسكن معه و تسافر معه و أن تتعامل معه في المال شراء وبيع و تداين وبذل وعطاء وتهادي و تبرع!!!
لان القدرات الذهنية والنفسية والاستيعابية للمفاهيم والمعلومات تتفاوت من شخص لأخر، وبذلك تتفاوت ردة فعله إزاء كل موقف بحسب الظروف النفسية و الزمانية والمكانية والاجتماعية.
لكن بصورة عامة ليس هناك شخص كامل الصفات بل هو في حالة تطور ايجابي أو سلبي أو تقلب بين الايجابية والسلبية بصورة يومية، ولذلك فيجب إيجاد العذر بل الأعذار للأخر وإن لم تستطع أن تجد له أي عذر فذلك يوضح مدى قلة نبل نفسك.وأجعل الميزة و الصفات التي تعجبك فيه هي محل الرضا ومركز اهتمامك دون غيرها، أما ذلك الزوج أو الزوجة الذي قرر أن ينفصل عن شريكه بعد إعادة اكتشاف صفاته بسبب حجر كرونا فأقول له تأكد انك لن تجد خطيبة كأميرة السويد ولا خطيب كأبن "بل جيت"، فلتقبل نحو تحسين نفسك وليفعل الأخر نفس الشيء وستصبحان سمن على عسل. أما القلة المحظوظة التي فوجئت بأن الأخر أفضل مما كان يعتقده، فهنئنا لهما بذلك وليزدادا تمسكا يبعضهما البعض.
ولقد قيل "الْعِلَاقَات بَيْن الْنَّاس كَالْرِّمَال بَيْن الْايْدِى .! اذَا أَمْسَكَت بِهَا بِيَد مُرْتَخِيَة و مُنْبَسِطَة سَتَظَل الْرِّمَال بَيْن يَدَيْك، و إِذَا قَبَضْت يَدَك و ضَغَطَت عَلَيْهَا بِشِدَّة لِتُحَافِظ عَلَى الْرِّمَال، سَالَت مِن بَيْن أَصَابِعَك و قَد يَبْقَى مِنْهَا شَيْء فِي يَدِك و لَكِنَّك سَتَفْقِد مُعْظَمُهَا !!
ينسب لعلي أبن أبي طالب قوله.
"وَكُلُّ جِراحَةٍ فَلَها دَواءٌ
وَسوءُ الخُلقِ لَيسَ لَهُ دَواءُ
وَلَيسَ بِدائِمٍ أَبَداً نَعيمٌ
كَذاكَ البُؤسُ لَيسَ لَهُ بَقاءُ"
wadrawda@hotmail.fr